مقدمة الخطبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، الحمد لله الذي أنعم على عباده بأجلِّ النعم وأكرمها، فبعث الرسل رحمة للعالمين، ونحمده سبحانه، ونسأله المزيد من عطائه وكرمه، فالحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام، وكرّم المرأة تكريماً عظيماً، ورفع من شأنها، ومنحها حقوقها، وأعطاها مكانتها في المجتمع كما تستحقّها.[١]
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رسول الرحمة والعدل والسلام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.[٢]
الوصية بتقوى الله
عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصّرة بتقوى الله -تعالى-، فالتقوى من الإيمان، ومن يتّق الله -تعالى- يكسب محبّته ورضاه وثوابه، وهو القائل في كتابه -جلَّ في علاه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[٣] وقال أيضاً -تبارك وتعالى-: (ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا).[٤]
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون، خَلَقَ الله -تبارك وتعالى- البشر نساءً ورجالاً ليكونوا خلفاء في الأرض، ومن حكمته -تبارك وتعالى- أن جعل المرأة ركناً أساسياً في هذا الهدف العظيم؛ ألا وهو خلافة وعمارة الأرض، فلن تكتمل ولن تتحقق الخلافة بكامل أركانها وحقيقتها بدون المرأة، فالمرأة -إخوتي في الله- هي أساس المجتمع، وهي جزء كبير منه، وهي كذلك المسؤولة عن تربية وتنشئة الأبناء من الذكور والإناث.[٥]
ونعلم جميعاً أن المرأة في الجاهلية كانت تعامل معاملةً لا تليق بمكانتها، فكانوا يعتبرون ولادة البنت شؤماً وعاراً على والدها، وكان بعضهم يقوم بدفن بناته خوفاً من الفقر والعار الذي قد يلحق به بسببهن، قال -تعالى-: (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا وَهُوَ كَظيمٌ * يَتَوارى مِنَ القَومِ مِن سوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمسِكُهُ عَلى هونٍ أَم يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحكُمونَ).[٦]
كانوا يحرمونهنَّ من حقوقهنَّ؛ كحقهن في المراث، فكان للرجال دون النساء، وكان الرجل الواحد يستطيع الزواج بأكثر من أربع نساءٍ غير عابئ بما يلحق ذلك من الظلم لها وعدم العدل،[٥] فجاء الإسلام وعند ذلك تحوّل حال المرأة من الذلّ والمهانة إلى الرفعة والكرامة.
وجاءت الشريعة الإسلامية ولم تفرِّق بين النساء والرجال من حيث التكاليف، قال -تبارك وتعالى-: (مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ)،[٧][٥] كما أعطت الشريعة الإسلامية المرأة حقوقها بالعدل دون ظلمٍ وتمييز، قال الله تبارك وتعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا).[٨]
وقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يُكرمها به أي ديِ سابق للإسلام، ومن الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة: حقّها في الميراث، وحقّها في طفولتها؛ فلها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قُرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها.[٥]
إخوتي في الله، علينا أن نتذكر في كل وقت وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد أوصانا بالنساء فقال: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ، فَإِذَا شَهِدَ أَمْرًا فَلْيَتَكَلَّمْ بخَيْرٍ، أَوْ لِيَسْكُتْ، وَاسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ، فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أَعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ خَيْرًا).[٩]
وهذا يعني الإحسان إليهنَّ وحسن معاشرتهن، فلا يقسو عليها أحد ولا يعاملها بما لا يجوز، فالله -تعالى- خلق المرأة ضعيفةً تحتاج لرجلٍ يحميها ويقوم على شؤونها ويصونها، وكرَّم الله النساء تكريمًا ما بعده تكريم.
ولما ذكر قصص الرجال في القرآن وخاصة قصص الملوك؛ كان أكثر الملوك المذكورين ممن ضلّ وكفر وخاب سعيه، ولكنّه ذكر ملكةً واحدةً كانت أفضل من ألوف الملوك والرجال الذين كفروا بالله وحاربوا رسالة الأنبياء والرسل -عليهم السلام-، وهي بلقيس ملكة سبأ التي قال الهدهد لنبي الله سليمان -عليه السلام- عنها، وأسلمت وآمنت بالله -تعالى- وبنبيّه سليمان -عليه السلام.[١٠]
إخواني الكرام، إن الله يأمر الجميع بالعدل، فقد أعطى -سبحانه وتعالى- كل ذي حق حقه، سواء أكان رجلاً أم امرأة، فجعل الإسلام للمرأة كيانها العظيم، والواجب علينا أن لا نمنع عنها هذه الحقوق، فالله سيسألنا ويحاسبنا يوم القيامة إن كنّا قد ظلمنا المرأة وتعدّينا على حقوقها، لأنّه مما لا يرضاه الله -سبحانه وتعالى-.
فلنتّق الله نساءنا، فإن كانت أمًّا فالجنة تحت قدميها، وإن كانت أختًا فدخول الجنة موقوف على الإحسان إليها، وإن كانت بنتًا فمن حقّها تربيتها وتزويجها باختيارها، فلا يرغمها الأب أو الأخ على زوجٍ لا تريده، وإلا فقد ظلمها وأساء إليها، والويل له من ربه عندئذٍ.[١٠]
وقد كرمها الإسلام وأعطاها من الحقوق ما هي أهل له، فجعلها مكرمةً مصونةً، وكفلها كذلك من حيث النفقة، فهي لا تنفق على نفسها حتى لو كانت قادرة على ذلك؛ فقد جعل الشرع ذلك بالعروف من واجب أبيها ما دامت عنده، وإن تُوفّي أبوها فتكون نفقتها على وليّها الذي يقوم على شؤونها، وفي بيت زوجها فإن الزوج هو من ينفق عليها تكريما لها.[١١]
ومن مكانة المرأة في الإسلام ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشهير: (جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ).[١٢]
وهذا تكريم وتقديرٌ عظيم، وهذه مكانة رفيعة لا يصل إليها أحد من الرجال، فقد تقدمت المرأة وهي الأم على الأب في حديث النبيّ هذا، ولعل ذلك التقديم وهذه المكانة تأكيدٌ على عِظَم حقّها، وتأكيد منه -صلى الله عليه وسلم- على حسن رعاية ومعاملة المرأة،[١٣] وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد، فيا عباد الله، المرأة هي الأم والأخت والبنت والزوجة، وقد بلغ من تكريم الإسلام للمرأة أنه خصّص باسمها سورة من سور القرآن الكريم سماها سورة (النساء).
وكرم الإسلام المرأة زوجةً، فجعل الزواج منها آية من آياته، فقال -تبارك وتعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).[١٤]
وكرّم الإسلام المرأة بنتاً، فجعل تربيتهنَّ سترا من النار، ففي الحديث: (جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ معهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِندِي غيرَ تَمْرَةٍ واحِدَةٍ، فأعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: مَن يَلِي مِن هذِه البَنَاتِ شيئًا، فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ، كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ).[١٥]
الدعاء
- اللّهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد عدد خلقك ورضى نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك.
- اللهم أصلح حال المسلمين، وازرع في نفوسهم حب نسائهم، واحمهنّ من كل ظلم وجور وعدوان يا كريم يا جبار يا رحيم.
- اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات يا مجيب السائلين.
- اللهم خذ بأيدي نساء المسلمين للبرّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى.
- اللهم أكرم نساءنا وبناتنا وأمهاتنا، واجعلهن من الصالحات المؤمنات القنتات العابدات الطائعات.
- اللهم ارزق نساءنا الحياء والعفة، اللّـهم اجعل نساء وبنات المسلمين صالحات تقيّات قانتات تائبات، وحبّب لهنّ السّتـر، واغرس فيهنّ الحيــاء والعفاف.
- اللهمَّ أصلح لهن دينهنّ الذي هو عصمةُ أمرهن، وأصلِح لهن دُنياهن التي فيها معاشهن، وأصلِح لهن آخرتهن التي فيها معادهن، واجعل الحياة زيادة لهن في كل خير، واجعل الموت راحة لهن من كلِ شر.
- اللهم لا تجعل نساء المسلمين من الخاسرين ولا الضالين ولا المضلين، واغفر لهن إلى يوم الدين، برحمتك يا أرحم الرحمين.
- اللهم إن أمر نسائنا بين يديك، فاحفظهن واحفظ عفتهن، ولا تفتنهن في دينهن يا رب العالمين، واحفظهن من فتن الدنيا.
- اللهم اجعلهن ممن يرثون الجنان ويبشّرون بروح وريحان ورب غير غضبان.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
المراجع
- ↑ "خطبة عن تكريم المرأة في الإسلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28/1/2022. بتصرّف.
- ↑ ابن عثيمين، كتاب الضياء اللامع من الخطب الجوامع، صفحة 433. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:200
- ↑ سورة الطلاق، آية:2
- ^ أ ب ت ث "المرأة في الإسلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28/1/2022. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية:58 59
- ↑ سورة النحل، آية:97
- ↑ سورة الأحزاب، آية:58
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم:1468، صحيح.
- ^ أ ب "مكانة المرأة في الإسلام"، كتباء، اطّلع عليه بتاريخ 28/1/2021. بتصرّف.
- ↑ "مكانة المرأة ومنزلتها في الإسلام - خطب مختارة"، كتباء. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم:5971، صحيح.
- ↑ "مكانة المرأة ومنزلتها في الإسلام - خطب مختارة"، كتباء، اطّلع عليه بتاريخ 28/1/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية:21
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5995، صحيح.