مقدمة الخطبة
الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونؤمن به، ونتوكّل عليه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن مُحمداً عبده ورسوله، الحمدُ لله القائلُ في كتابه: (لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقومَ فيهِ فيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهَّروا وَاللَّـهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرينَ).[١][٢]
الوصية بتقوى الله
عباد الله، أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله ولزوم طاعته، حيثُ إن التقوى وصية الله لعباده الأولين والآخرين، كما أنها عنوان الخير والهُدى، لِقوله سُبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)،[٣][٤] فمن اتقاه جعل له مخرجاً، ورزقه من حيثُ لا يحتسب، وأصلح له أعماله، وغفر له ذُنوبه، لِقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).[٥][٦]
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، اهتم الإسلام بالنظافة العامة في البيئة والمُجتمع، ومنها نظافة الشارع والطريق، فمُنذ بداية الدعوة كان الأمر بالمُحافظة على النظافة الظاهرة والباطنة، بل وعدّها من مبادئه، فمن مظاهر اهتمام الإسلام بنظافة الشارع؛ أنه اهتم بنظافة المنزل، والمسجد، والطريق، بل إنه عدّ إماطة الأذى عن الطريق من خِصال الإيمان، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ).[٧]
وفي المُقابل نهى عن وضع الأذى في طريق الناس أو في ظلهم، وجاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن الله -تعالى- غفر لرجلٍ لأنه أزال غُصن شوكٍ كان في طريق الناس، ومن التصرُفات الخاطئة في مُجتمعاتنا اليوم ما يقوم به البعض من رمي الأوساخ وأكياس النُفايات في الشارع العام، الأمر الذي يعكس عدم التزام الناس بأخلاق الإسلام الداعية إلى المُحافظة على نظافة الطريق.[٨]
إنّ النظافة جزء من ركن من أركان الإسلام، ومن سُنن الفِطرة السليمة، لذلك نجد من شُروط صحة الصلاة الوضوء؛ وفيه حثٌ على النظافة بالماء، ومما يؤكد اهتمام الإسلام بنظافة الشارع قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- قالَ: اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قالوا: وَما اللَّعَّانَانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ في ظِلِّهِمْ).[٩][١٠]
عباد الله، حريٌّ أن نعلم أنّ الإسلامُ دعا إلى النظافة في جميع جوانب الحياة، ومنها الشارع العام، ورتّب على إزالة الأذى عنه الأجر والثواب العظيم، بل وعدّه صدقة من الصدقات، وشعبة من شُعب الإيمان، فلا يُتصوّر من المُسلم إلقاءُ الأذى فيه،[١١] كما أن النظافة والمُجتمع النظيف علامةٌ على التحضر، وأولى الناس بذلك هُمُ المُسلمون، حيثُ جاء في بعض الأحاديث أن الطُهور نصف الإيمان.
ولنا في رسول الله قدوة حسنة، حيث ورد عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- اهتمامه بنظافة بدنه، فكان يغسل يديه عند استيقاظه من النوم، كما أنه كان يحثُ أصحابه على الاهتمام بنظافة ثيابهم وأماكنهم وما حولهم من مجالات البيئة المُختلفة، كالشارع العام، ومن ذلك قوله: (عُرِضَتْ عَلَيَّ أعْمالُ أُمَّتي حَسَنُها وسَيِّئُها، فَوَجَدْتُ في مَحاسِنِ أعْمالِها الأذَى يُماطُ عَنِ الطَّرِيقِ، ووَجَدْتُ في مَساوِي أعْمالِها النُّخاعَةَ تَكُونُ في المَسْجِدِ، لا تُدْفَنُ).[١٢]
وهذا يدُلُ على حضارة الإسلام، ورُقيّ مُجتمعه،[١٣] ومن الأدلة التي يُستفادُ منها في عدم إلقاء ما يؤذي الناس في الطُرقات قاعدةُ "لا ضرر ولا ضرار"، فالأوساخ في الشارع مما يؤذي الآخرين، وقد نهى الإسلام عن التبوّل أو التغوط فيه، ورتّب على إزالة الأذى عنه ثواب وأجر عظيم.[١٤] وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أمّا بعد، اتقوا الله عباد الله، ولنعلم أنّ النظافة من القِيَم التي حثّ عليها ديننا، واعتبرها جُزءاً من إيماننا وعقيدتنا، وجعلها علامةً للرجولة، حيثُ قال سُبحانه: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)،[١] كما جعلها شرطاً لصحة الصلاة، فلا تصحُ صلاة المُسلم من غير وُضوء، وهذه النظافة في ديننا شاملة عامة، تبدأ من الثوب، والبدن، والمكان، والقلب، إلى الطُرقات والبيئة.[١٥]
عباد الله، لنعلم أنّ المُحافظة على نظافة شوارعنا وطُرقنا من باب التعاون على البر والتقوى الذي يشترك فيه جميع الناس،[١٦] والله سبحانه جميلٌ يُحب الجمال، وحَسنٌ يُحبُ الحسن، والمُحافظة على الشارع العام من صفات المؤمن النظيف، وينالُ بذلك الأجر من خالقه، وهو دليلٌ على رُقي المؤمن وحضارته.[١٧]
الدعاء
- اللهم ثبّت أقدامنا على الصراط يوم القيامة، اللهم علمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فأنت علينا قادر، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة وفي الآخرة ويوم يقوم الأشهاد.
- اللهم أظلّنا بظلّ عرشك يوم لا ظلّ إلا ظلك، اللهم باعدنا عن النار وما قرّب إليها من قول أو عمل، وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم أحينا إن كانت الحياة خيراً، وأمتنا إن كان الموت خيراً لنا، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.[١٨]
- اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اجعل مجتمعنا هذا مجتمعاً مرحوماً واجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، ربنا تقبل منا إنك أنت السمع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصل اللهم على سيدنا محمد وسلم.[١٩]
المراجع
- ^ أ ب سورة التوبة، آية:108
- ↑ محمد بن حمدون (1417)، التذكرة الحمدونية (الطبعة 1)، بيروت:دار صادر، صفحة 236، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:102
- ↑ الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 7، جزء 71. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية:70-71
- ↑ سليمان العودة (2013)، شعاع من المحراب (الطبعة 2)، الرياض:دار المغني للنشر والتوزيع، صفحة 125، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:35، صحيح.
- ↑ ياسر دحيم (15-3-2013)، "النظافة في الإسلام"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:269، صحيح.
- ↑ صلاح الدق (15-3-2016)، "النظافة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
- ↑ "الإسلام يدعو إلى النظافة والتنزه عن المستقذرات"، إسلام ويب، 3-5-2003، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:553، صحيح.
- ↑ دعاء السائح (14-6-2021)، "الحضارة النبوية في النظافة الإنسانية"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
- ↑ دار الإفتاء العام، ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، دليل النظافة من منظور إسلامي وأُطُرها المائية، صفحة 25. بتصرّف.
- ↑ "الإسلام دين النظافة "، طريق الإسلام، 15-12-2013، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
- ↑ أمين الشقاوي (3-5-2019)، "خطبة عن النظافة في الإسلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
- ↑ "النظافة - خطب مختارة"، ملتقى الخطباء، 18-3-2021، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
- ↑ عمر عبد الكافي، سلسلة الدار الآخرة، صفحة 2، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ عطية سالم، التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي، المدينة المنورة:مجلة الجامعة الإسلامية، صفحة 65، جزء 10. بتصرّف.