خطبة عن يوم الشهيد
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
أما بعد،
في يوم الشهيد تتجلّى الكثير من العبر والحكم العظيمة التي تحملها هذه المناسبة، فهي تحتفي بيوم الشهيد الذي أعلى الله سبحانه وتعالى قدره ورفع شأنه وأعدّ له جناتٍ عرضها السماوات والأرض، فالشهيد الذي ضحى بنفسه وماله وقدّم أغلى ما يملك لنصرة الحق وصفه الله تعالى فيالقرآن الكريم بأعظم وصف وهو أنّه شهيد حيّ لا يموت، إذ يقول تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[١]، فالشهيد هو القدوة لأجيالٍ كثيرة تظلّ تذكر تضحياته وتمضي على طريقه، وهو الذي يفتح آفاق النصر والتحرير والخير.
الشهيد يُعلّم الناس البطولة ويفرد أمامهم أجنحته حتى يقرأوا تاريخه المجيد الذي يتعطّر بالحميّة والفداء ويحثه الإيمان المطلق، خاصة أنّ الشهيد لا يأبه للدنيا وما فيها، ولا يهمّه إن خسر حياته في سبيل الدفاع عن الحق وإعلاء كلمته، لأنه يحمل في قلبه مبدأ السمو بالروح، ولأنه يعرف جيدًا قيمة أن يكون الإنسان شهيدًا.
تهتدي به الأمم ويسير على نهجه الآباء والأحفاد، وهو الذي يُعلّم الجميع معنى الفداء، ويروي بدمائه الزكيّة تراب الأوطان حتى تزهر الورود بكلّ عزة وأنفة وكبرياء، فهنيئًا لمن اصطفاه الله تعالى ليكون شهيدًا حيًا في الذاكرة إلى الأبد، فالشهادة في سبيل الله تعالى شرفٌ عظيم لا يمنحه الله إلا لمن كان صادقًا في نيته ومخلصًا للحق إخلاصًا كبيرًا، ويحمل رسالة الخير في نفسه دون أن يخشى لومة لائم، لأنه يُضحي في حياته دفاعًا عن المظلومين، ورغبة في إعلاء الحق والدفاع عنه، لهذا هنيئًا للتراب الذي يضمّ الشهيد، وهنيئًا للقبر الذي سيوضع فيه جثمانه المعطر بالمسك.
في الشهادة معانٍ كثيرة عميقة لا يمكن أن يدركها إلا من عرف عظمة أجر الشهيد وماذا أعدّ الله له من نعيمٍ مقيم، وما يوم الشهيد إلا رمزٌ لتكريمه واستذكار مآثره ومواقفه الكثيرة، لهذا فإنّ يوم الشهيد رمزٌ من رموز الحياة، ولا يمكن اعتبار الشهيد ميتًا لأنه يتوارى بجسده فقط، بينما تصعد روحه لبارئها راضية مرضية، فالله تعالى منح الشهيد كراماتٍ عديدة، وجعل له مكانة لا توازيها مكانة، إذ يُحشر في زمرة الأنبياء والصدّيقين، وحسن أؤلئك رفيقًا.
سيظلّ يوم الشهيد رمزًا من رموز الفخر التي يرتفع فيها الجبين عاليًا، وتهيم بها الروح سموًا وفخرًا بقيمته ونبله، فمن يمنح روحه بكلّ طيب نفس لأجل الخير والحق، يستحق أن يكون في أعظم المراتب، وأن تُقام له النصب والاحتفالات، وإن كان الاحتفال بالشهيد يومًا واحدًا في الدنيا فهو احتفالٌ دائمٌ في الآخرة في جنات النعيم، فالشهادة واحة الكرامة وميدان العز وصولجان النصر والفخار، فطوبى لأرواح الشهداء الخالدة في الجنة، وهنيئًا للشهيد قول الله تعالى: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.[٢]