خطبة قصيرة عن الصبر

كتابة:
خطبة قصيرة عن الصبر

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، ثم الحمد لله الذي جعلّ في البلاء تطهيراً للذّنوب ورفعاً للدرجات، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ سيدنا وقائدنا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله رسول الله المجتبى، اللهم صلِّ وسلم على وبارك على أشرف الخلق سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً.



الوصية بالتقوى

أما بعد عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصّرة بتقوى الله -عزّ وجلّ- وأحذركم ونفسي المقصرة من عصيانه ومخالفة أمره، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)،[١] واعلموا أنّه بالصبر والتقوى لا يضرّ المسلم عداوةَ حاقدٍ ولا كيد فاسد، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ).[٢]


الخطبة الأولى

أيها الأخوة الفضلاء، إنّ للصبر أشكالٌ ثلاثة، أوّلها وأعظمها: هو الصبر على طاعة الله -سبحانه-؛ فالشيطان يسعى بكلّ جهده ليصدّ العبد عن ذكر ربّه، وثانياً: صبرٌ على ما حرّم الله؛ فقد اقتضت حكمة الله -عزّ وجلّ- أنْ يودع في حياتنا الشهوات، لكي يختبرنا، هل نقدّم أمرَ ربّنا أم ما تهواه أنفسنا ممّا حرمّ الله -سبحانه- ونهى عنه، وكما يقول الصالحون: لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض و السماوات، وثالث أشكال الصبر: الصبر على أقدار الله التي يجريها -سبحانه- في خلقه، سواء كانت ممّا لا دخل للعبد فيه؛ كالطّول والوزن واللون، وما كان للعبد فيه دَخْل مثل: الظلم الذي يقع على الإنسان.[٣]

ولمّا كان الصبر في أدقّ معانيه هو حبْسُ النفس عمّا تكره،[٤] كان لا بدّ أن يُعلمَ أنّ الدنيا هي دار بلاء ونعيم، فالدنيا تكون تارة جميلة محببة للنّفس، وتارةً أخرى تصبح دار شقاء وحزن، وذلك للمؤمن والكافر، وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّنيا سجنُ المؤمنِ وجنَّةُ الْكافرِ)،[٥] فهو محمول على أنّ الدنيا سجن المؤمن مقارنة بنعيم الجنة، وهو فيها مقيّد شرعاً عن الشهوات المحرّمة والملذّات الآثمة، وأما قوله "جنة الكافر" فهو بالنسبة لما سيلقاه من عذاب الآخرة -أجارنا الله منها- إذ لم يرعَ حقّ الله في الدنيا؛ فلم يجتنب شهوة محرمة ولا ملذّة آثمة.[٦]


وما يميّز المؤمن عن الكافر في البلاء -يا عباد الله- أنّ العبد المسلم يؤجر ويُثاب على صبره بجنة عرضها السماوات والأرض جزاءً بما صبر، مصداقاً لقوله -سبحانه- إذ يقول: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ[٧] ويقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).[٨]


أيها الأخوة الفضلاء، إنّ من أعظم ما يعيننا على الصبر على مصائب الدنيا هو التّوجه إلى الله -سبحانه- من أعماق قلوبنا ليشكف عنا البلاء؛ قال الله -تعالى-: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)،[٩] ثمّ يقيننا بوعد الله برفع البلاء؛ فالله قد وعدنا أنّ مع العُسر يُسراً، قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً).[١٠]



ولا يخفى علينا أنّ حسن الظنّ بالله من أعظم ما يواجه به المسلم البلاء؛ فلنحسن الظنّ بالله، ونستحضر أنّه -عزّ وجلّ- رحيمٌ ودودٌ قادرٌ على رفعِ البلاء مهما كانتْ شدّته ومهما عظُم أمره؛ فأبشروا بفرج الله؛ ففي الحديث القدسي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- قال فيما يرويه عن ربّه -جلّ وعلا-: (أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً).[١١]


وليس من نافلة القول -عباد الله- الإشارة إلى أنّ المصائب والابتلاءات تخلتف وتتعدّد؛ فهذا رجلٌ ابتُليَ بالفقر، وآخر بالمرض، وثالث بانعدام الأمن، وغير ذلك كثير، يقول -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)،[١٢] وعلى المسلم حين البلاء أنْ يستشرف النعم في جوف الألم، وأن يستحضر أفضال الله -تعالى- عليه وهو يعيش في مرحلة المحنة والبلاء.


وممّا يُذكر في هذا المقام أنّ رجلاً التقى بآخر من الصالحين، وكان هذا الرّجل الصالح ضريراً ومبتلىً بشللٍ في جسمه، لكنّه رغم ذلك كان يكثر من ترديد "الحمد لله الذي عافاني ممّا ابتلى به كثيراً من خلقه"؛ فاستغرب الرّجل من أمر وحال هذا الصالح؛ فسأله: يا أخي ما الذي عافاك الله منه؟! لقد رأيتُ جميع الأمراض وقد اجتمعت فيك! فقال له: إليك عني يا رجل؛ فإنّ الله -تعالى- قد رحمني؛ إذ جعل لي لساناً يذكره، وقلباً يعرفه وفي كل وقت يسبحه ويمجده،[١٣] أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ فاستتفغروه، إنّه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ولِسائلٍ أن يسأل لماذا يبتلينا الله بالمصائب والأحزان والهموم والغموم؟ أقول أن الله لا يُسأل عما يفعل؛ فهو سبحانه مالكنا ومالك كل شيء، ولا يحق لأحد كائنٌ من كان أن يحاسب الله على أفعاله، ولكنّ الله بيّن لنا تفضّلا منه أسباب البلاء، ولعلّ أوّلها وأعظمها هي الذنوب، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ).[١٤]

ومن هنا؛ فإذا أذنب العبد ذنباً صغيراً كان أم كبيراً فليتفطّن لأمر البلاء، وليسرع التوبة إلى الله -عزّ وجلّ-،[١٥] ولمّا كان البلاء هو الاختبار؛ فإنّ البلاء يقع أحياناً ليعلم الله -سبحانه- الصادقين من المؤمنين، قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)؛[١٦] فيظهر بالبلاء صدق الصادقين، وينكشف زيف المخادعين.


الدعاء

  • اللهم إنا نسألك أنْ تجعلنا من عبادك الشاكرين المُقرّين بنعمك التي لا تحصى ولا تعدّ.
  • اللهم اجعلنا من الصابرين المحتسبين، وإنّ قدّرتَ علينا بلاءً فاجعلنا ممّن يرضى بالقضاء، ويصبر على البلاء يا رب العالمين.
  • اللهم ارفع عنا الوباء والغلاء وسيء الأسقام برحمتك يا أرحم الرّاحمين.
  • اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات يا مجيب السائلين.
  • اللهم خذ بأيدينا للبرّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى.
  • اللهم آتِ نفوسنا تواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها يا رب العالمين.
  • اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.


عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،[١٧] فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأقم الصلاة.

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:281
  2. سورة الرعد ، آية:22
  3. مجموعة من المؤلفين ، خطب مختارة، صفحة 271. بتصرّف.
  4. أنواع الصبر ومجالاته، سعيد بن وهف القحطاني، صفحة 4. بتصرّف.
  5. رواه الالباني ، في صحيح الترمذي ، عن ابو هريرة ، الصفحة أو الرقم:2324، صحيح.
  6. فريق الإشراف، "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 8/7/2021. بتصرّف.
  7. سورة الزمر، آية:10
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن صهيب بن سنان الرومي ، الصفحة أو الرقم:2999، صحيح.
  9. سورة النمل ، آية:62
  10. سورة الشرح ، آية:5-6
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:7405، صحيح .
  12. سورة البقرة ، آية:155
  13. روان عادل (9-9-2027)، "قصص عن الصبر علي الابتلاء رائعة ومؤثرة جداً "، قصص واقعية، اطّلع عليه بتاريخ 30-6-2021. بتصرّف.
  14. سورة الشورى ، آية:30
  15. صالح بن فوزان الفوزان (13-3-2010)، "الخطباء خطبة عن الصبر و فضله"، الخطباء ، اطّلع عليه بتاريخ 30-6-2021. بتصرّف.
  16. سورة العنكبوت ، آية:2
  17. سورة النحل، آية:90
8215 مشاهدة
للأعلى للسفل
×