خطبة قصيرة عن رمضان

كتابة:
خطبة قصيرة عن رمضان

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي فضّل شهر رمضان على غيره من الأزمان، وأنزل فيه الذكر والقرآن، هُدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، أحمده سبحانه وأشكره، نِعمه لا تُحصى، وعطاياه لا تُستقصى، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، خصَّ رمضان بمزيدٍ من الفضل والإحسان، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله، خير من اتقى وصلّى وصام، اللَّهمّ صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه الطاهرين الذين آثروا رضا الله على شهوات نفوسهم، فخرجوا من الدنيا مأجورين، وعلى سَعيهم مشكورين، وسلِّم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.[١]





الوصية بتقوى الله

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتَّقُوا الله كما أمرَكم؛ يُنجِز لكم ما وعدَكم، قال -تعالى-: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾.[٢]



الخطبة الأولى

أيها المسلمون: إنَّ لربِّكم من أيّام دهركم نفحات، فتعرَّضوا لها، لعلَّه أن يُصيبَكم نفحة منها فلا تَشقَوا بعدها أبداً، وها هي نفحات شهر الصّيام قد هبَّت، وسُيول الخير قد صبَّت، وقلوب المؤمنين قد لبَّت، وهِباتُ الرِّضا قد مُنِحَت، فأبواب الجنّة فُتحت، وأبواب النار أُغلقت، ومردة الشياطين صُفِّدت، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إذا دخل شهر رمضان ،فتِّحت أبواب السماء، وغُلِّقت أبواب جهنم، وسُلسلت الشياطين).[٣][٤]



إنَّ شهر رمضان شهرٌ تُرفع فيه الدرجات، وتُضاعف فيه الحسنات، وتُستجلب فيه الرحمات، وتُقال فيه العثرات، وتُغفر فيه السيئات، ويزداد فيه العبد قُرباً من ربِّ الأرض والسماوات، قال -تعالى-: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)،[٥] فحريٌّ بأهل الإيمان، ومن تحدوهم الجنَّة والرضوان، أن يُكثروا في هذا الشهر من الطاعات، هاجرين المعاصي والمحرمات؛ لينالوا أعلى الدرجات، في أعالي الجنات، قال -تعالى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).[٦][٧]


أيُّها الفضلاء: شهر رمضان شهر الصيام والقرآن، قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)،[٨] والصيام والقرآن يشفعان، لقول النّبي العدنان -صلّى الله عليه وسلّم-: (الصيامُ والقرآنُ يَشْفَعانِ للعبدِ، يقولُ الصيامُ: أَيْ رَبِّ! إني مَنَعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ، فشَفِّعْنِي فيه، ويقولُ القرآنُ: مَنَعْتُهُ النومَ بالليلِ، فشَفِّعْنِي فيه؛ فيَشْفَعَانِ).[٩]



وكان السلف الكرام -عليهم من الله الرضوان- يُكثرون في هذا الشهر من تلاوة القرآن، وكان جبريل -عليه السّلام- يلقى رسول الله في كُلِّ ليلة من رمضان، فيُدارسه القرآن،[١٠] فأكثروا في هذا الشهر من تلاوته، مع تدبُّر آياته، والوقوف عند أحكامه وعِظاته، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "لا تَهُذُّوا القرآن هذَّ الشِّعر، ولا تنثروه نثر الدّقل، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة".[١١][٧]



وإن الصّائم تتجدّدُ فرحته في الدنيا كُلّما أفطر بعد صيامه؛ لقول النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ).[١٢] وقال الإمام النووي -رحمه الله-: "قال العلماء أمّا فرحته عند لقاء ربِّه فبما يراه من جزائه وتذكُّر نعمة الله -تعالى- عليه بتوفيقه لذلك، وأمَّا عند فطره فسببها تمام عبادته.[١٣][١٤]



يا باغي الخير أقبل هذا شهر مَكرُمَة *** أقبل بصدقٍ جزاك الله إحسانا

أقبل بجودٍ ولا تبخل بنافلةٍ *** واجعل جبينك بالسجدات عنوانا

تُمَيرة في سبيل الله تنفقها *** أروت فؤادًا من الرمضاء ظمآنا

واصدع بخيرٍ ورتل فيه قرآنا *** لا تجرح بالصوم بالألفاظ نسيانا



بارك الله لي ولكم في الكتاب والسُّنّة، ونفعني وإيَّاكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كُلِّ ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشُّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، الدّاعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، وسلِّم تسليماً كثيراً، أمَّا بعد،


معشر المسلمين: شهر رمضان المبارك شهر البرِّ والإيمان، والخير والجود والإحسان، فعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ)،[١٥] فينبغي أن يُكثر العبد في هذا الشهر من البذل والجود، بالمال والجاه والخُلق الحسن.[١٦]



الدعاء

  • صلُّوا وسلموا على البشير النذير، والسراج المنير؛ فقد أمركم بذلك العليم الخبير، فقال في كتابه: ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[١٧]، اللَّهمّ صلِّ على محمد وأزواجه وذرِّيَّته كما صلَّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذرِّيَّته، كما باركت على آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد.
  • اللَّهمّ اجعلنا ممن قبِلتَ صيامه، ومحوت عنه أوزاره وآثامَه، وأصلحت قلبه فاستعَدَّ لما أمامَه، اللَّهمّ اجعَل دعاءَنا مسموعاً، ونداءَنا مرفوعاً، اللَّهمّ اجعَل شهرنا هذا شهرَ عزٍّ ونصرٍ وتمكينٍ للمُسلمين يا رب العالمين، اللَّهمّ اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحَم موتانا، وانصُرنا على من عادانا، اللَّهمّ أصلح لنا ديننا الذي هو عِصمة أمرنا، وأصلح لنا دُنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، اللَّهمّ اجعل الحياة زيادةً لنا من كُلِّ خير، واجعل الموت راحة لنا من كُلِّ شرّ.[١٨]
  • اللَّهمّ إنَّا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسّلامة من كُلِّ إثم، والغنيمة من كُلِّ بِرٍّ، والفوز بالجنَّة، والنّجاة من النَّار، ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحان ربِّك ربِّ العِزَّة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.




المراجع

  1. صالح الفوزان، "فضائل شهر رمضان"، صالح الفوزان، اطّلع عليه بتاريخ 1-7-2021. بتصرّف.
  2. سورة الطلاق، آية:2-3
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1899، صحيح.
  4. محمد ابن عثيمين، كتاب الضياء اللامع من الخطب الجوامع، صفحة 457. بتصرّف.
  5. سورة المطففين، آية:26
  6. سورة آل عمران، آية:133
  7. ^ أ ب تركي الميمان (9-4-2021)، "سباق رمضان"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 1-7-2021. بتصرّف.
  8. سورة البقرة، آية:185
  9. رواه أحمد بن حنبل، في المسند، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:6626، حسن.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:6، صحيح.
  11. أبو بكر البيهقي، شعب الإيمان، صفحة 406.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1904 ، صحيح.
  13. النووي، شرح النووي على مسلم، صفحة 31.
  14. إبراهيم الحميضي (2-6-2018)، "فضائل رمضان"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 1-7-2021. بتصرّف.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:6، صحيح.
  16. صلاح بن حميد (25-6-2016)، "البذل والجود في رمضان"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 1-7-2021. بتصرّف.
  17. سورة الأحزاب، آية:56
  18. صلاح البدير (11-6-2016)، "موعظة رمضان"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 1-7-2021. بتصرّف.
11091 مشاهدة
للأعلى للسفل
×