خطبة قصيرة عن صلاة الجماعة

كتابة:
خطبة قصيرة عن صلاة الجماعة

مقدمة الخطبة

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونُثني عليه الخير كله، نحمد الله الذي فرض الصلاة على عباده رحمة بهم وإحسانا، وجعلها صلة بينه وبينهم ليزدادوا بذلك إيماناً، وجعلها تُقام عدة مرات كل يوم حتى لا يحصل في أنفسهم الجفاء، ويسّرها عليهم حتى لا يحصل منها التعب والعناء.[١]

والحمد لله الذي أجزل لهم ثوابها، فكانت بالفعل خمساً، وبالثواب خمسين فضلاً منه وامتناناً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالقنا ومولانا، وأن محمداً عبده ورسوله، أخشى الناس لربه سراً وإعلاناً، الذي جعل الله قرة عينه في الصلاة، فنعم العمل الصلاة لمن أراد به فضلاً ورضواناً، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليماً.[١]

الوصية بتقوى الله

عباد الله، أوصيكم ونفسي المُقصرة بتقوى الله العظيم ولُزوم طاعته، فبالتقوى ينقاد لنا ما استعصى والتوى، ويتحقق بها لكل فردٍ منا من الخير ما نوى، وأُحذركم ونفسي من مُخالفته وعصيان أوامره، لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ).[٢][٣]

الخطبة الأولى

عباد الله، نتكلم معكم في هذا اليوم المُبارك عن صلاة الجماعة، وفضلها، وأهميتها، ومكانتها في الإسلام، فالله -تعالى- قد أمر برفع المساجد، وحثّ على بنائها وإعمارها بالصلاة والعبادة، فقال -سبحانه-: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ).[٤][٥]

وصلاة الجماعة مما أمر الله -تعالى- به، وقد أعلى منزلتها ورفع لها بيوته، ونادى بها بدعوته، فالذي يُجيب إنما يُجيب داعي الله -تعالى- عندما يُنادى لها بـ "حيّ على الصلاة".[٥]

وإنّنا نأسف والله ونعتصر ألماً عندما نرى الكثير من الشباب وغيرهم يتخلّفون عن أداء صلاة الجماعة في المساجد، فكثير من البيوت أو الأُسر الكبيرة لا يشهد الصلاة منها إلا واحد أو اثنين، والباقي يتخلف عن الجماعة -إلا مَن رحم الله-.

وحتى الذين يحضرون لصلاة الجماعة قد لا يأمرون غيرهم بحضورها وأدائها معهم، فالعجب في أن يُنادى للصلاة والكثير من الناس لا زالوا في أسواقهم ومنازلهم لا يُلبون النداء، وفي المُقابل نجد الكثير منهم يتواجدون في المنتديات ومدرجات المُباريات والأسواق وغيرها.[٥]

وقد حذر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- من ترك صلاة الجماعة أو التهاون بها، فعن عبد الله بن عُمر وأبي هُريرة -رضي الله عنهُما-: (أنَّهُما سَمِعا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ علَى أعْوادِ مِنْبَرِهِ: لَيَنْتَهينَّ أقْوامٌ عن ودْعِهِمُ الجُمُعاتِ، أوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ علَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكونُنَّ مِنَ الغافِلِينَ)،[٦] وجاء في بعض الأحاديث أن القوم الذين لا تُقام فيهم صلاة الجماعة قد استحوذ عليهم الشيطان.[٥]

وأذكر لكم قصة -إخواني الكرام- تبيّن لنا عظم أهمية صلاة الجماعة؛ حيث جاء رجلٌ أعمى إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- يسأله عن صلاة الجماعة، وأخبره أنه لا يستطيع الحُضور للمسجد لأدائها؛ لعدم وجود من يقوده إلى المسجد، ولكثرة السباع والهوام، فاستأذنه بالصلاة في البيت، فأجاز له النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أن يُصلي في بيته، فلمّا أدبر، ناداه وسأله إن كان يسمع النداء، فقال الرجل: نعم.[٥]

فأخبره النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أنه لا يجد له رخصةً في صلاته في البيت، وهذا مما يؤكّد لنا أهمية صلاة الجماعة، وعدم التهاون في تركها لغير عذرٍ. إخوتي في الله، بقد رفع الله -تعالى- لنا بيته، ونادانا بدعوته، وأجزل لنا الأجر والثواب العظيمين، فعلينا أن نُحافظ على صلاتنا جماعةً في المسجد، ولا نتركها لنومٍ أو كسلٍ أو لعبٍ أو لهوٍ أو غير ذلك من المُلهيات.[٥]

عباد الله، لقد ذكر بعض المفسّرين أن من عواقب ترك صلاة الجماعة بغير عُذر مع القُدرة على حُضورها وشُهودها أنّ صاحبها لا يستطيع السجود لله -تعالى- يوم القيامة، لقوله -تعالى-: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ* خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)،[٧]وقد قال سعيد بن جُبير في تفسير هذه الآيات: إنهم الذين يسمعون "حي على الفلاح" ثُمّ لا يُجيبون ولا يحضرونها.[٨]

وجاء عن كعب الأحبار أنّ هذه الآية الكريمة نزلت فيمن يتخلّف عن أداء صلاة الجماعة، بل كان الصحابة الكرام يعدّون المُتخلّف عن صلاة الجماعة من الذين فيهم صفةٌ من صفات النفاق.[٨]

وأمّا فضائل صلاة الجماعة، فقد ثبت فيها الكثير من الأدلة، ومنها قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّدَاءِ والصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أنْ يَسْتَهِمُوا عليه لَاسْتَهَمُوا، ولو يَعْلَمُونَ ما في التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ، ولو يَعْلَمُونَ ما في العَتَمَةِ والصُّبْحِ، لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا).[٩]

وقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بسَبْعٍ وعِشْرِينَ دَرَجَةً)،[١٠] ومن هُنا يحرص المُسلم على إقامة صلاة الجماعة؛ فهي شعار الإسلام، ولو تركها أهل حيٍ أو بلدٍ فإنهم يُجبرون على إقامتها.[١١]

وأمّا بالنسبة لحُكم صلاة الجماعة؛ فقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها، ويرى بعض العلماء أنها فرضٌ على الكفاية، ومنهم من يرى أنها سُنةٌ مؤكّدة، وهذا الحُكم بخلاف صلاة الجُمعة التي هي فرضٌ عين.[١٢]

عباد الله، حثّ الله -تعالى- عباده المؤمنين على المُحافظة على الصلاة في أوقاتها، ومن تمام المُحافظة عليها أن تكون في جماعة، وجاءت الكثير من الأدلة التي تحثُّ على صلاة الجماعة وتُبيّن فضلها، وتُحذّر من تركها أو التهاون بها، كقوله -تعالى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ).[١٣]

وقال ابن جريرٍ في تفسيره لهذه الآية: أي كونوا مع المؤمنين في أحسن أعمالهم، وهي صلاة الجماعة، وكُلما عرف المُسلم فضل الصلاة ومكانتها عظُمت صلاة الجماعة في قلبه، وحرص عليها، وأقبل عليها بكل همةٍ ونشاط، فقد كان بعض مرضى الصحابة وكبار السن منهم يؤتى به إليها وهو يستند بين الرَّجُلَيْن حتى يُقيموه في الصف.[١٤]

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، النبيُّ الأمين، والنذير المبين، وصلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين.

عباد الله، اعلموا أن المُحب لبيوت الله -تعالى-، والمُحافظ على صلاة الجماعة يكون في ظل عرش الرحمن يوم القيامة، فقد أخبر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أن من الأصناف الذين يُظلهم الله -تعالى- في ظل عرشه يوم القيامة؛ من كان قلبه مُعلقاً بالمساجد؛ وهذا التعلق يكون بمُلازمته لصلاة الجماعة وحبه لها.[١٥]

وقد رتّب الله -تعالى- الأُجور العظيمة على المُحافظة على صلاة الجماعة؛ وهذا يؤكد على عِظمها وفضلها، كقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في الحديث الذي يرويه عن ربه: (يا محمدُ، قلتُ: لبَّيكَ ربِّ، قال: فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: في الكفَّاراتِ، قال: ما هنَّ؟ قلتُ: مشيُ الأقدامِ إلى الجماعاتِ، والجلوسِ في المساجدِ بعدَ الصلاةِ، وإسباغِ الوُضوءِ في المكروهاتِ).[١٦][١٥]

والعجب بعد ذلك ما يُرى من التفريط في أدائها والمُحافظة عليها، فصلاة الجماعة لا تسقط عن الخائف أو المُجاهد، فمن باب أولى لمن يكونون في مأمن وقرب من المسجد، والمُسلم الحق والذي يرجو الخير من ربه ويخاف عذابه؛ يتّبع أوامره ويُلبّي نداءه، بل ويحثّ عليها غيره من أهل بيته وأصدقائه وجيرانه.[١٥]

الدعاء

  • اللهم أعنّا على أداء صلاة الجماعة وإعطائها حقها على الوجه الذي تحب وترضى.
  • اللهم اجعلنا من السابقين لها، والمحافظين عليها، ولا تجعلنا من المفرطين فيها، أو المتكاسلين عنها.
  • اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قُلوبنا.
  • اللهم كرّه إلينا الكُفر والفُسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين.
  • رب اجعلنا وذُرياتنا ممن يقيمون الصلاة، ويُحافظون عليها جماعةً في المساجد.
  • اللهم اغفر لنا ذنوبنا، ولوالدينا، ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان إنّك رؤوفٌ رحيم.
  • اللهم آتنا في الدُنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، وتوفنا مع الأبرار، يا عزيز يا غفار.
  • اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحقِّ يا ربَّ العالمين.

عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

المراجع

  1. ^ أ ب محمد العثيمين (1988)، الضياء اللامع من الخطب الجوامع (الطبعة 1)، صفحة 404، جزء 2. بتصرّف.
  2. سورة الحج، آية:1-2
  3. مجموعة من المؤلفين (1423)، خطب المسجد الحرام، صفحة 21. بتصرّف.
  4. سورة التوبة، آية:18
  5. ^ أ ب ت ث ج ح طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري، "أيها الغائب عن صلاة الجماعة"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 1/3/2022. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر وأبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:865، صحيح.
  7. سورة القلم، آية:42-43
  8. ^ أ ب خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني، "لا تتركوا صلاة الجماعة في المساجد"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 1/3/2022. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:615، صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:645، صحيح.
  11. عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2011)، الفقه الميسر (الطبعة 1)، الرياض:مدار الوطن للنشر، صفحة 367-368، جزء 1. بتصرّف.
  12. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، الكويت:دار السلاسل، صفحة 240-241، جزء 25. بتصرّف.
  13. سورة البقرة، آية:43
  14. "الصلاة الصلاة"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ت صالح بن مقبل العصيمي التميمي، "أهمية صلاة الجماعة وأدلة وجوبها"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 1/3/2022. بتصرّف.
  16. رواه الترمذي، في صحيح الترمذي، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:3235، حسن صحيح.
5752 مشاهدة
للأعلى للسفل
×