خطبة مؤثرة عن الجنة ونعيمها

كتابة:
خطبة مؤثرة عن الجنة ونعيمها


مقدمة الخطبة

إنّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، نحمده -تعالى- الذّي جعل جنّات الفردوس جزاءً لعباده المؤمنين نُزلاً، الحمد لله الذّي نوّع لعباده بالأعمال الصّالحة لتكون لهم للجنّات طريقاً ومعبراً، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ولا ندّ، الذّي خلق الموت والحياة ليبلو عباده أيّهم أحسن عملاً، ونشهد أنّ محمداً عبده ونبيّه ورسوله، الذّي حارب الكفر وبذل الغالي والنّفيس ليدخل جنّات المأوى، ولم يتّخذ سواها شُغلاً شاغلاً، وصلّ الله عليه وعلى أصحابه والتّابعين وتابعيهم إلى يوم الدّين.[١]



الوصية بتقوى الله

عباد الله اتّقوا الله واخشوه، فإنّ تقوى الله صلاح القلوب، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)،[٢] أمّا بعد، فإنّ أصدق الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهدي هدي نبيّنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، وشرّ الأمور مُحدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار، فاتقوا الله وكونوا عباداً لله إخواناً.[٣]



الخطبة الأولى

أيّها المسلمون، إنّ الله -تعالى- لم يخلقنا عبثاً، ولم يتركنا سدىً؛ بل خلق عباده لأمور عظيمة وأمانة جسيمة؛ فإنّ الله -تعالى- عرض الأمانة على السّماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان مع جهله وضعفه، إلا أنَّ الكثير منا لم يحمل هذه الأمانة ولم يَرعها حق رعايتها، واغترّ بالحياة الدّنيا ولم يعلم أنّها فانية، وأنّها لا بدّ زائلة، ولم يعمل للحياة الباقية، ومنا من أدرك حقيقة الدّنيا، فوفّقه الله -تعالى- للعمل للآخرة، وجعل نصب أعينه الحياة الخالدة، في جوار الرّحمان في جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار.[٤]



إخوتي في الله -تعالى-، إنّ الله جبل عباده على حبّ الرّاحة والبحث عن السّعادة، فكانت السّعادة بذلك مطلباً لكلّ إنسان، ولو فتّشت بيننا لوجدت أنَّ أغلبنا يحبّ أن يكون له قصير كبير، أو سيّارة فارهة، أو طعام فاخر، وملابس فارهة، وغير ذلك من ملذّات الدُّنيا؛ أي أنَّ معظم الأشخاص يعيشون باحثين عن السّعادة في الأشياء المادية، ولو تفكّرنا جيداً لأدركنا أنّها مُتع مؤقّتة لا تدوم، ولعرفنا أنّ السّعادة الحقيقية والدّائمة إنما تكون في الآخرة عند الفوز بجنّات الفردوس، ولو ذهبنا في رحلة وجلنا بخيالنا حول هذه الجنان وما فيها لذُهلنا وما فكّرنا بغيرها، ولسعينا لها ليلاً ونهاراً؛ إذ إنَّ فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.[٥]



تخيّلوا معي أيّها المسلمون فرحة من يأخذ كتابه بيمينه، ويستعدّ للدّخول إلى النّعيم الأبديّ مع زمرة الفائزين بالجنّة أمثاله، ومن شدّة تبجيل الله -تعالى- لهم أنّ الجنّة هي من تقترب منهم وهم واقفون منتظرون عند أبوابها، وتفتح لهم بعد ذلك أبوابها، وأيّ أبواب؟ اسمع ما قاله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- واصفاً أبواب الجنان، فقد رُوي في الأثر: (أنَّ ما بيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِن مَصَارِيعِ الجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهو كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ)،[٦]فالجنة إذاً ليس لها باب واحد؛ بل ثمانية أبواب تدخل من أيّها شئت، فيا لسعد من قالت لهم الملائكة: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).[٧][٥]



وهنا تبدأ رحلة النّعيم؛ فإنّ من يضع قدمه في الجنّة ينسى عذاب الدّنيا وكلّ ما كان فيها، وعندما يمشيَ على أرضها يكتشف أنَّها ليست كأرض الدّنيا؛ فالزّعفران ترابها، واللّؤلؤ حصباؤها، ومن المسك طينتها، عليلٌ هواءها، ويمشي مذهولاً فيها وبنعيمها، وإذا بقصور وبسايتن غنّاء أمامه، ويعرف المسلم قصره كما كان يعرف بيته في الدّنيا، لا يحتاج من يأخذه إليه، ولو سألت عن هذه القصور ممّا هي مشيّدة وعن إحكامها؛ فلبنها من الذّهب والفضّة، ويفوح المسك من جدرانها، فأنعم بتلك الدّار وأنعم بسكناها، قل لي بربّك يا أخي هل من عاقل يجفاها.[٥]



وإن سألت عن طعام أهل الجنّة وشرابهم، وجدت ما يشفي قلبك ويتوق له عقلك؛ فإنّ فيها الفواكه الدّواني، والثّمرات الكثيرة التّي لا تشبه ما في الدّنيا وهي سهلة المنال لهم، ولا يشقّ عليهم جنيها، قال الله -تعالى-: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً)،[٨] وإنّ فيها فواكه ممّا يشتهون، ولحم طير ممّا يتخيّرون، ظلّها ممدود، ونعيمها ليس له حدود، وأنهارها تجري من غير أخدود، فيشربون منها الزّنجبيل والكافور، والتّسنيم، والعينان الجاريتان، والعجيب في طعام أهل الجنة أنّ من يأكلها لا يتغوّط ولا يبتال كما في الدنيا، فأين يذهب هذا الطّعام؟ إنّه يتحوّل لرشح أو عرق من مسك يفوح من أجسادهم.[٥][٩]


وأمّا بالنسبة للباس أهل الجنَّة؛ فلم يلبس أحد مثله في الدّنيا، مهما بلغ ثراؤه، فثيابهم خضراء ذات ألوان زاهية، وهي من السنّدس والإستبرق والحرير ومن الأقمشة الغالية، تفوح منها الرّوائح الزّاكية، ولا يكفيهم هذا بل يُحلّون أيضاً من أساور من لؤلؤ ومن ذهب، فيُعوضّهم الله -تعالى- عمّا حُرموا منه في الدّنيا الفانية.[٥] أيُّها الأخوة الفضلاء، أود أن أشير إلى نقطة هامة؛ وهي أنّكم لا تكبرون في الجنّة، ولا تشيبون، ولا تهرمون، والجنّة لا مرض فيها ولا سقم، ولا تعب فيها ولا هرم، وإنكم إن فُزتم بالجنّة يناديكم منادٍ فيقول لكم: (إنَّ لَكُمْ أنْ تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبَدًا فَذلكَ قَوْلُهُ -عزَّ وجلَّ-: (وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)).[١٠][١١]



معشر المسلمين إنّكم إن ظفرتم بالجنّة فستدخلونها على هيئة أبيكم آدم -عليه السّلام- بالهيئة، والحسن، والطول، والجمال، ليكون طول الواحد منهم ستّون ذراعاً، ونختم أخيراً بنساء الجنّة؛ إذ لا وصف يُوفيهنّ حقهنّ؛ فيهنّ من الحُسن ما ليس في غيرهنّ، لا يلدن ولا يحضن، ويُزوّج المؤمنون فيها من الحور العين، وهنّ لسن كنساء الدّنيا؛ شديدات الجمال، شديدات البياض، كأنّهنّ بيض مكنون، يقول المولى -جلّ في علاه-: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ* فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ)،[١٢] وهذا جزاءٌ لهم على ما فعلوا في الدّنيا عندما غضّوا أبصارهم وحفظوا فروجهم.[١١]



الخطبة الثانية

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمر الله ألا نعبد إلّا إيّاه، وجعل الجنّة ثواباً لمن خافه واتّقاه، وجعل النّار جزاءً لمن خالفه وعصاه، أمّا بعد، عباد الله، إنّ مفتاح الجنّة لا إله إلا الله، فجدّدوا الإيمان في قلوبكم لتفلحوا وتفوزوا، فإنّ نعيم الجنّة لا يتصوّره أيّ عقل بشريّ، وإنّ نصوص القرآن الكريم وسنّة حبيبنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- ملأى بوصف هذا النّعيم الخالد، ليظلّ العبد مُتيقظاً حريصاً على الطّاعات وبعيداً عن المعاصي والمنكرات، ويفوز بالفردوس الأعلى.



قال الله -تعالى-: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،[١٣] فالحُسنى أيها الأخوة هي الجنّة، وقد سُمّيت بذلك لأنّه لا يوجد دار أحسن منها، وإن تساءلتم عن الزّيادة ما هي فستذهلون؛ إنَّ الزّيادة هي رؤية أهل الجنّة لوجه الله الكريم، وأيّ نعيم أجلّ من هذا، وأيّ فوز أحلى من هذا، فإنّ الله -تعالى- يكشف الحجاب عن وجهه ليرى المؤمنون نوره، نسألك يا الله أن لا تحرمنا لذّة النّظر إلى وجهك الكريم.[١٤]



الدعاء

اللهمّ ارزقنا الخلود في جنانك، اللهمّ وأنزل علينا فيها رضوانك، اللهمّ ارزقنا الشّوق إلى لقائك، من غير ضرّاء مُضرّة ولا فتنة مُضلّة، اللهمّ إنّا نسألك الجنّة وما قرّب إليها من قولٍ، وعملٍ، واعتقاد، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل واعتقاد، إنك أنت الكريم الجواد.



اللهمّ أصلح لنا ديننا الذّي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دُنينا التّي فيها معاشنا، واجعل الحياة لنا زيادة لنا في كلّ خير، واجعل الموت راحة لنا من كلّ شرّ، اللهمّ انفعنا بما علّمتنا، وعلّمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً يارب العالمين، اللهمّ أصلح ولاة أمورنا، وخذ بيدهم للبرّ والتّقوى، اللهمّ أصلح أحوال المسلمين في كلّ مكان وزمان، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرّياتنا قُرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، أيّها المسلمون (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)،[١٥] فصّلوا على رسولكم الحبيب وسلّموا تسليماً كثيراً، اللهم صلّ على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً.

المراجع

  1. محمد بن عثيمين (1988)، الضياء اللامع من الخطب الجوامع (الطبعة 1)، صفحة 74، جزء 1. بتصرّف.
  2. سورة النساء، آية:1
  3. صالح المنجد، "إصلاح القلوب"، الموقع الرسمي للشيخ صالح المنجد، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
  4. محمد قاسم، موضوعات صالحة للخطب والوعظ، صفحة 293-295. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث ج سامي الحمود، "خطبة رحلة إلى الجنة"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 22/6/2021. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن خالد بن عمير العدوي، الصفحة أو الرقم:2967، صحيح.
  7. سورة الزمر، آية:73
  8. سورة الإنسان، آية:14
  9. عبد الرحمن السعدي (1991)، الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات (الطبعة 1)، صفحة 49، جزء 1. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2837، صحيح.
  11. ^ أ ب محمد الشرافي (7/5/2015)، "وصف الجنة ونعيمها"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 22/6/2021. بتصرّف.
  12. سورة الرحمن، آية:56-58
  13. سورة يونس، آية:26
  14. "وصف الجنة"، طريق الإسلام، 22/4/2005، اطّلع عليه بتاريخ 22/6/2021. بتصرّف.
  15. سورة الأحزاب، آية:56
11383 مشاهدة
للأعلى للسفل
×