خطبة مؤثرة عن الخوف من الله

كتابة:
خطبة مؤثرة عن الخوف من الله


خطبة مؤثرة عن الخوف من الله

مقدمة الخطبة

الحمد لله العظيم الجليل، له الحمد والتسبيح والتكبير والتهليل، سبحانه هو الولي الوكيل، له الحمد على محكم التنزيل، وأزكى الصلاة وأتم السلام على الهادي والدليل، محمد بن عبد الله صاحب الخلق الجميل، وعلى آله وصحبه ومن سار على ذلك السبيل.


الوصية بتقوى الله تعالى

أما بعد عباد الله فاتقوا الله حق التقوى، فالتقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية؛ بفعل الطاعات وترك المنكرات وتجديد التوبات، فاتقوا الله عباد الله، فقد عز المولى -جل في علاه- حين قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)،[١] فخذوا بوصية ربكم وتمسكوا بها تفلحوا رحمكم الله.


الخطبة الأولى

عباد الله لو تأملنا حال كثير من الناس لوجدنا أن الخوف من الله قد مات في قلوبهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فأصبحت قلوبهم قاسية لا يحركها ذلك المحرك الإيماني، فإن الخوف من الله هو الضمانة الآكد في تحريك المسلم نحو التوبة الصادقة مع الله؛ والتي تستلزم الاستغفار والإكثار من فعل الطاعات وصرف النفس عن مستنقع المنكرات.


وإننا نجد كثيراً من المسلمين في زماننا هذا لا تتحرك مشاعرهم عند ذكر الله أو ذكر عذابه؛ لأنهم لم يقدروا لله قدره، ولو أنهم قدروا الله حق قدره لخضعت أعناقهم عبادة لله فلم تنثني، ولكن المشاعر غارت، والأحاسيس تبلدت في جناب الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصدق المولى حين قال: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).[٢]


ولقد كان السلف الصالح تستوقفهم الآية أياماً كثيرة، بل إن بعضهم كانت تمرضهم الآية القرآنية إذا سمعوها أو وقفوا عندها، فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا قرأ هذه الآية: (وَإِن مِنكُم إِلّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتمًا مَقضِيًّا[٣] يبكي، ويقول: رب هل أنا ممن تنجي؟ أم ممن تذر فيها جيثياً؟، وهذا عبد الله بن رواحة يبكي من الآية نفسها بكاء شديداً.[٤]


عباد الله إن الله قد امتدح ملائكته الكرام بصفة الخوف من الله؛ يقول الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ يَسجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ مِن دابَّةٍ وَالمَلائِكَةُ وَهُم لا يَستَكبِرونَ* يَخافونَ رَبَّهُم مِن فَوقِهِم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ)،[٥]


والخوف من الله: هو الرهبة من عذابه وحسابه،[٦]وهو مقام عظيم من مقامات العبودية، وهو من مقتضيات الإيمان بالله -تعالى-، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "فكلَّما كان العبد باللَّه أعلَم كان له أخوفَ"، ونقل عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قوله: "كفى بخشية اللَّه علمًا".[٧]


ومن أمن من الله وعقابه في الدنيا، ولم يخف من مقامه -جل وعلا- فإنه سيكون من الفزعين الخائفين يوم القيامة، ومن خاف مقام ربه في الدنيا فإنه سيكون من الآمنين يوم القيامة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -عز وجل-: (وعزَّتي لا أجمَعُ على عبدي خوفَيْنِ وأمنَيْنِ؛ إذا خافني في الدُّنيا أمَّنْتُه يومَ القيامةِ، وإذا أمِنَني في الدُّنيا أخَفْتُه يومَ القيامةِ).[٨]


ومما ينبغي على المسلم مراعاته التوازن بين الخوف والرجاء في علاقته مع الله، ومن أنفس الكلام في هذا الشأن مقالة ابن القيم -رحمه الله- حيث يقول: "القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبّة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطَّير جيِّد الطّيران، ومتى قُطع الرأس مات الطائر، ومتى عدم الجناحان فهو عرضةٌ لكلِّ صائدٍ وكاسرٍ".[٩]


وفي جانب الموازنة بين الخوف والرجاء يقول -رحمه الله-: "ولكنَّ السلف استحبُّوا أن يقوى في الصِّحة جناحُ الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدُّنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف"،[٩]وأقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما ربنا أمر والصلاة والسلام على أزكى البشر محمد بن عبد الله قائد الغر المحجلين الكريم الأبر على وآله وأصحابه الميامين الغرر، أما بعد فاعلموا عباد الله أن الخوف من الله يستلزم الجنة؛ لقوله -تعالى-: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ[١٠]ومن مقتضيات الخوف من الله مجانبة هوى النفس (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).[١١]


وليكن شعارك يا عبد الله "إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ"؛ فوالله ما تُرك ذنب إلا بخوف من الله، ولا عُظِّمت حرماتٌ إلا بالخوف من الله، فخافوا على أنفسكم من مليككم وخالقكم فإنه والله إن غضب لاشتد عقابه وعسر حسابه وعظم عذابه.


ألا فصلوا وسلموا على نبيكم محمد امتثالاً لقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)،[١٢] لبيك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما بارك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.


الدعاء

  • اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات وأعز المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولذوي أرحامنا.
  • اللهم اجعلنا ممن يخشاك كأنه يراك، اللهم لا تجعلنا ممن استهان بحرماتك وكنت أهون الناظرين عليه.
  • اللهم بلغنا منازل الخائفين، واجعلنا لك خاشعين أوابين أواهين، لك ذكارين ولنعمك شكارين، اللهم أمنا يوم الخوف العظيم، اللهم أمنا يوم لا أمان إلا أمانك يا الله.
  • إلهنا ما خاب من دعاك ولا رُدَّ من رجاك، ولا شقي من طلب هداك.
  • اللهم أصلح أحوالنا، واهد شابنا، وقو عزائمنا.


عباد الله: (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ)،[١٣]فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة.

المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية:70-71
  2. سورة الحج، آية:74
  3. سورة مريم، آية:71
  4. ابن رجب الحنبلي، التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، صفحة 245. بتصرّف.
  5. سورة النحل، آية:49-50
  6. عبد الله بن صالح الفوزان، منحة العلام في شرح بلوغ المرام، صفحة 469. بتصرّف.
  7. ابن القيم، طريق الهجرتين وباب السعادتين، صفحة 615.
  8. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:640، صحيح.
  9. ^ أ ب ابن القيم، مدارج السالكين، صفحة 188.
  10. سورة الرحمن، آية:46
  11. سورة النازعات، آية:40-41
  12. سورة الأحزاب، آية:56
  13. سورة النحل، آية:90
4716 مشاهدة
للأعلى للسفل
×