خطبة مؤثرة عن حسن الخاتمة

كتابة:
خطبة مؤثرة عن حسن الخاتمة


مقدمة الخطبة

إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.[١]



الوصية بتقوى الله

أيها النَّاس، اتقوا الله تعالى حق تقاته، وراقبوه في كل الأحوال، وامتثلوا أوامره في الشدَّة والرَّخاء، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).[٢][٣]



الخطبة الأولى

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الخلق والمرسلين سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

عباد الله، قد جعل الله -تعالى- لكل مخلوقٍ أجل، فإذا جاء أجل هذه الخلائق لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وإن للإنسان عمرًا واحدًا، ينبغي أن لا يغفل فيه عن آخرته، ويبقى مستعدًا للقاء أجله في أيِّ لحظة، ليلاقي ربه وهو راضٍ عنه، وهذا الحس اليقظ يُبعد الإنسان عن الغفلة، والفتور، فإذا بقي هذا الشعور حيًا لدى الإنسان ساقه إلى حسن الخاتمة.[٤]



أيّها الإخوة، المؤمن هو من ينتفض قلبه عند الحديث عن الخاتمة، فهو حديث عن نهاية الحياة الدنيا، وفناء الخلائق، والحال التي سيلقى بها الإنسان ربه، فإما سعادة أبدية أو شقاء والعياذ بالله، ولأجل هذه اللحظات يبقى المؤمن حريصًا على قربه من ربه، ويتضرع له بالدعاء، والعمل الصالح؛ لينال رحمة من الله وفضلًا، وليدفع عن نفسه العقاب، فكم من الراجين لرحمة ربهم، هجروا اللذائذ، وجافوا النوم، وذرفوا الدموع، طمعًا بلقاء الله -تعالى- على الحال التي يحبها الله ويرتضيها لعباده المؤمنين.[٤]



وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- يكثر من دعاءه لله أن يرزقه حسن الخاتمة، فقد روى شهر بن حوشب ذلك حيث قال: (قُلتُ لأمِّ سلمةَ: يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- إذا كانَ عندَكِ؟ قالَت: كانَ أَكْثرُ دعائِهِ: يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ قالَت: فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ؟ قالَ: يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ، فمَن شاءَ أقامَ، ومن شاءَ أزاغَ، فتلا معاذٌ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا).[٥][٤]



عباد الله، إنما يخشى المؤمنون عمل الخاتمة؛ لأن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَنْ ماتَ على شيءٍ بَعثَهُ اللهُ عليْهِ)،[٦] وإنما الأعمال بالخواتيم فمن أحسن في حياتِه؛ أحسن الله ميتته، ومن أساء كان له السوء في ميتته، ومن يسعى لحسن الخاتمة؛ فإن ذلك يتطلب منه عقيدة صافية، ونية خالصة، وقلب صالح حيث قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (مَن ماتَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن ماتَ يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ).[٧][٤] ومن يريد حسن الخاتمة فإن عليه الالتزام والمداومة على العمل الصالح، وترك المعاصي والذنوب، حتى إذا جاءته المنية يلقى ربه بأحسن حال.[٤]


وإنّ خير الأعمال التي يجب على المسلم الحرص عليها، الصلوات الخمس حيث قال رسول الله: (مَن صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ)،[٨] فمن حافظ على صلاتي الفجر والعصر فمؤكد حفظه لبقية الفروض، ومن حافظ على الصلوات كلها رزقه الله حسن الخاتمة، وكذلك الدعاء بالثبات على الإسلام، والدعاء بحسن الخاتمة، ويجب على المسلم أن يترك الذنوب ويقلع عنها فالمعصية قد تخون صاحبها وتحضره في أحلك الظروف وأشد المواقف، ولا ينسى العبد أنّ الله -تعالى- قد جعل بابه مفتوحًا للمذنبين وما عليهم سوى التوبة النصوح لله -تعالى-.[٤]



من أسباب توفيق العبد لحسن الخاتمة، الإخلاص والصدق مع الله -تعالى-، واتباع هدي نبيه محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، فالنية الصادقة شرط لقبول الأعمال عند الله -تعالى-، ومن ذلك أيضًا الحفاظ على الصلاة، والصلاح، والإيمان، وتقوى الله -تعالى- ومراعاة حرماته في السرّ والعلن، والإقلاع عن الذنوب واجتناب الكبائر منها، ومن أسباب حسن الخاتمة أيضًا اتباع هدي رسول الله والابتعاد عن ظلم الناس، وعدم العدوان والبغي عليهم في مال، أو عرض، أو غيره، ومن ذلك الابتعاد عن البدع، فإنها ذات ضرر كبير وهي التي تفسد القلوب وتهدم الدين.[٩]



وإنّ من أعظم أسباب حسن الخاتمة أيضاً هو الحفاظ على العقيدة من كل ضلالة وبدعة قد تشوبها، والإخلاص لله في القول و العمل، والإحسان في العبادة والطاعة، والمبادرة إلى التوبة في حال اقتراف أي ذنب، ومن بعض علامات حسن الخاتمة، أن يكون آخر كلام العبد شهادة أن لا اله إلا الله، والموت بعرق الجبين، ونيل الشهادة في سبيل الله -تعالى-، وإعلاء كلمة الإسلام، والموت بداء البطن والطاعون، والغرق، والحرق وغيرها من العلامات.[١٠]



وكان السلف الصالح يبكون لمثل هذه اللحظات فهذا سفيان الثوري -رحمه الله- يبكي فيشفق عليه أهله لشدة بكائه فيقولون له: "أتبكي الذنوب؟ فيقول: "الذنوب أهون عليّ، إنما أخاف سوء الخاتمة!"، هؤلاء هم من وقفوا عند قول الله -تعالى-: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُون).[١١][٤]



والذي ينظر اليوم إلى حال البعض يرى الغفلة المطبقة عن العمل والاهتمام بالخاتمة الحسنة، فيعيشون بلهو الدنيا، ويضيعون أوقاتهم باللهو واللعب، ويحصرون على كل عمل دنيوي، وجلُّ تفكيرهم في المستقبل والأماني الدنيوية، ويهجرون الأعمال الصالحة التي تُعينهم على أمر الآخرة، فمن عمل لدنياه وهجر آخرته، تأتي الخاتمة فتكشف سِجِلِّ حياته، وتلخّص رحلة عمره، وتظهر للناس ما يشغل بالهم، ويهيمن على تفكيرهم، وتعلن عن أكبر اهتماماتهم في رحلة عمرهم،[٤]فمن الناس من يختم حياته بمعصية فيبعث عليها، ويلقى الله يوم القيامة، وهو عاصٍ له، ومنهم من يختم حياته بحديثه عن أشغال دنياه من عقاراتٍ، ومناصب، ومال، وغير ذلك، ومن الناس من لا يستطيع أن ينطق بذكر الله ويحرم من أن يموت وآخر كلامه في هذه الدنيا: "لا إله إلا الله". [٤]



أيها الأخوة الأفاضل، شتان بين اللاهي عن ذكر ربه وأضاع آخرته بدنياه، وبين المُتهيأ للقاء الله واستعد لآخرته طوال حياته، فمن استعد للقاء ربه، ختم الله له بخير، فمن المؤمنين من يموتون وهم يعملون الصالحات التي اعتادوا عليها في حياتهم، وآخر عهدهم في هذه الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، ولقد شهدنا قصصًا لحسن الخاتمة تجعل قلب المؤمن ينفطر للقاء الله، فهذا مجاهد بن جبر، وأبو ثعلبة الخشني جاءتهم المنية وهما ساجدان لله -تعالى-.[٤]



ومنهم عبد الرحمن بن أبان بن عثمان يخرج للمسجد ليؤدي فيه صلاة الضحى فيتوفاه الله فيه، ويحيى بن عمار يموت وهو يفسر سورة القيامة، وأبو زرعة المحدِّث خاتمته هي سرد سند حديث لرسول الله -صلَّى اللَّه وسلّم-، وعبد الحميد كشك الذي اهتدى بهدي رسول الله فاغتسل للجمعة وتطيب وذهب للصلاة فما إن انتهى من الركعة الأولى وشرع في الثانية حتى فارق الدنيا، وهذه الأمثلة مصداقًا لقول الله -تعالى-: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ).[١٢][٤]

نسأل الله حسن الخاتمة، وحسن المنقلب، أن يجعل آخر قولنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله.



الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتَّقين، ولا عدوان إلَّا على الظَّالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



أيُّها النَّاس، أمرنا الله بالحرص على نيل الخاتمة الحسنة، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)،[٢] وقد حثّنا -تعالى- على الاستعداد للقائه بالعمل الصالح، فقال: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).[١٣][١٤] وقد كان الأنبياء -عليهم السلام- يحرصون على هذه الوصية الثمينة ويوصون بها من يليهم، فقد ذكر الله -تعالى- ذلك في كتابه على لسان نبيه إبراهيم -عليه السلام- حيث قال: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)،[١٥] وكذلك يوسف -عليه السلام- حيث قال الله -تعالى-: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).[١٦][١٤]

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



الدعاء

  • اللهُمَّ أَحْسِن خَاتمَتَنَا في الأُمُورِ كُلِّهَا، وَاجْعَلْ خَيرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ لِقَائِك،.[١٧]
  • اللهم هوّن علينا سكرات الموت، واقبضنا إليك غير مفتونين، واختم لنا بالصالحات.
  • اللهم إنّا نسألك توبةً صادقةً وإنابةً كاملةً وعملاً صالحًا متقبلاً يا رب العالمين.[١٨]
  • اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الموْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.[١٩]





المراجع

  1. "إصلاح القلوب"، الموقع الرسمي للشيخ محمد صالح المنجد، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة آل عمران، آية:102
  3. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 7. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز "حسن الخاتمة"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
  5. رواه الترمذي، في صحيح الترمذي، عن أم سلمة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3522، حديث صحيح.
  6. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:6543، حديث صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:92، حديث صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:635، حديث صحيح.
  9. مجموعة من المؤلفين، خطب المسجد النبوي، صفحة 17. بتصرّف.
  10. محمد عبد العزيز العلي، أحوال المحتضر، صفحة 146. بتصرّف.
  11. سورة البقرة، آية:217
  12. سورة إبراهيم، آية:27
  13. سورة الكهف، آية:110
  14. ^ أ ب "حسن الخاتمة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية:132
  16. سورة يوسف، آية:101
  17. ياسر الحمداني، موسوعة الرقائق والأدب، صفحة 4826. بتصرّف.
  18. صالح السدلان، التوبة إلى الله، صفحة 64. بتصرّف.
  19. شحاته صقر، دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ، صفحة 99. بتصرّف.
6337 مشاهدة
للأعلى للسفل
×