خطبة مؤثرة عن عقوبة أكل الربا

كتابة:
خطبة مؤثرة عن عقوبة أكل الربا


مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، إنّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شُرور أنفُسِنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كثير الخيرات، وعظيم البركات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الهدى والرحمات، عليه من ربه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات، نُشهدُ الله أنه قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأُمّة، وكشف الله به الغُمّة، وعلى آله وأصحابه أهل التقى والكرامات، ومن تبعه بإحسان إلى يوم العرض على رب السماوات.[١]



الوصية بتقوى الله

عباد الله، اتقوا حق تقاته، واعلموا أنّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديّّ نبيه، واجتنبوا كُل ما يؤدي بكم إلى الافتتان بالمال، وابتعدوا عن الربا، واكتفوا بالمال الحلال، لِقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).[٢][٣]



الخطبة الأولى

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

 


عباد الله، اعلموا أنّ الله -تعالى- فرض عليكم فرائض فلا تُضيعوها، وحد حُدوداً فلا تعتدوها، وحرم عليكم أشياء فلا تنتهكوها، فقد فرض عليكم في مُعاملاتكم وبيوعكم الصدق والوضوح، وحرم عليكم الكتمان والكذب، فمن باع شيئاً يجبُ عليه أن يُبين ما فيه من العيوب، ولا يكتمُ من ذلك شيئاً، واحذروا من الربا، فالمُرابي يقوم يقوم القيامة كالمجنون الذي يتخبطه الشيطان من المس، كما أنه ملعونٌ من النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- لقوله: (لَعَنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ).[٤][٥]



واعلموا أن أغلب الربا يأتي من الدين، كأن يقول لمدينه: إما إن توفي دينك وإما أن أُأخرك مع زيادة على دينك، وقد يكون الربا عن طريق الحيلة، كأن يقول الرجل: استدن مني وأوفني أو اذهب إلى فلان واستدن منه وأنا أضمنك ثم أوفني، ثُمّ أُدينك مرةً أُخرى لكي توفيه، وقد حذر الله -تعالى- عباده المؤمنين من الربا في آياتٍ كثيرة، كقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).[٦][٧]



عباد الله، أنّ الربا تفشّى في كثيرٍ من مُعاملاتنا، فأصبح التاجر يُفكرُ في المال وجمعه من غير مبالاةٍ في مصدره، سواءً أكان من الحلال أو من الحرام، فالأصل أن يعلم المُسلم أنّ الله -تعالى- لم يجعل رزق عباده فيما حرم عليهم، ولم يجعل سعادتهم فيما يسوؤهم، فقد حذر في آياته من الربا من خلال ذكره لِعقوبة فاعله، كقوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ).[٨][٩]



وجاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّ المُرابي يُبعث يوم القيامة مجنوناً يُخنق، بل عدّ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- الربا من الكبائرالسبع المُوبقات؛ التي تُهلك الإنسان في دُنياهُ وآخرته، ورأى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- صورةً مُخيفةً لمن أكل الربا، وهي أنه يسبح يوم القيامة في نهرٍ ويأكُل الحجارة، بقوله: (وأَمَّا الرَّجُلُ الذي أتَيْتَ عليه يَسْبَحُ في النَّهَرِ ويُلْقَمُ الحَجَرَ، فإنَّه آكِلُ الرِّبَا)،[١٠] فآكل الربا يُحيطُ به عذاب الله، وغضبه، والطرد من رحمته، بل إنّ الربا من أكبر الأسباب المؤدية إلى تدمير المُجتمعات، وإفساد الحياة بين الناس.[٨][٩]



حيث أنّ الله -تعالى- أعلن الحرب على من أكل الربا وتعامل به، لِقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)،[١١] فالربا يوجبُ غضب الخالق، ويعد علامةٌ على وُقوع العذاب، ومن أنواع العذاب؛ ذهاب البركة، وقلّة الرزق، ومنعه من التوفيق، وفُقدان السعادة، ودمار البيوت، وكثرة المصائب.[٩]



وأمّا ما انتشر من أنواع الربا؛ كذهاب بعض الأشخاص للاقتراض من البُنوك أو المؤسسات مع فائدة وزيادة على هذا القرض، فيستدين ألفاً على أن يُرجعُها ألفاُ وخمسُ مئةٍ مثلاً، وعند موعد السداد فإن لم يستطع السداد يُزاد عليه في القرض ويتضاعف عليه بذلك، فهذا ما يُسمّى بربا الجاهلية، وهو حرام حتى لو كان المسلم مضطرّاً. 


ومن أنواع الربا؛ بيع العينة؛ وصورة ذلك: أن يقوم الإنسان بشراء أو بيع سلعةٍ على أن يدفع مؤجلاً، ثُمّ يقوم ببيعها بأقل من سعرها الحقيقيّ نقداً، وحرمه النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بقوله: (إذا تَبايعْتُم بالعِينَةَ، وأخذْتُم أذنابَ البقرِ، ورضِيتُمْ بالزرعِ، وتركتمُ الجهادَ سلَّطَ اللهُ عليكمْ ذلُّا، لا ينزعُهُ حتى ترجعُوا إلى دينِكمْ)،[١٢] ومن أنواع الربا أيضاً؛ بيع التاجر السلعة قبل حيازتها، وقد نهى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- عن بيع الإنسان ما ليس عنده، حيثُ أنها نوعٌ من أنواع بيع العينة، فعلى المُسلم أن لا يبيع شيئاً قبل حيازته وإدخاله في ملكه.[٩]



وقد بيّن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أنّ أكل الحرام؛ ومنه الربا، من أسباب عدم استجابة الدُعاء، لِقوله: (أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: (يا أيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحًا، إنِّي بما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وقالَ: (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟).[٨][٩]




الخطبة الثانية

الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اتقوا الله، عباد الله، وأعلموا أن للربا صوراً كثيرة فحريٌ بالمُسلم أن يعرفها؛ لكي لا يقع فيها، فمن صوره: كمن يذهب للبنك بقصد التحايل؛ فيشتري بضاعةً بصورةٍ غير حقيقيّة على حساب البنك، ثُمّ يبيعها لغيره من التُجار، أو صاحب دُكان، مُقابل أن يأخُذ منه مال، وذكر ابن تيمية أن هذا نوعٌ من الحيل التي أبطلها الإسلام.



وحتى لا يقع المُسلم في هذه الأنواع أن يقوم بسؤال الهيئات الشرعيّة التي تكون في البنك، وفي بعض البنوك تكون بها هذه الهيئات الرقابيّة الشرعيّة، وفي المُعاملات الاقتصاديّة الإسلاميّة ما يُغني عن المُعاملات المُحرمة؛ مثل المرابحة في البنوك الإسلامية.  
فاتقوا الله، عباد الله، واحذروا من التحايل على محارمه، واكتفوا بالمُعاملات الإسلاميّة البديلة الكثيرة، وليكُن أمام أعيُنكم قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهاتِ وقَعَ في الحَرامِ)،[١٣] وأن يترك الإنسان ما يُريبه إلى ما ليس فيه شكٌ وريبة.[١٤]



وليعلم كل مسلم أنّه مسؤول أمام ربه عن ماله، من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ ففي الحديث عن النبي -صلّى الله عليه وسلم- أنه قال: (لن تزول قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسأَلَ عن أربعِ خِصالٍ: عن عُمرِه فيما أفناه، وعن شبابِه فيما أبلاه، وعن مالِه من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن عِلمِه ماذا عمِل فيه).[١٥]اللهم وفقنا للطيبات، وجنبنا الربا والمحرمات، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.



الدعاء

  • اللهم زدنا ولا تنقصنا وأعطنا ولا تحرمنا، اللهم أكرمنا ولا تهنا، اللهم آثرنا وتؤثر علينا، اللهم أرضنا وارض عنا، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، اللهم افتح لنا من خزائن رحمتك، اللهم آتنا في الدُنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم أبعد عنا الربا، وارزقنا الرزق الواسع الحلال،[١٦] اللهم لا تجعل مُصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدُنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا مولانا رب العالمين.
  • اللهم اغفر لآباءنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهما كما ربّوْنا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، اللهم لا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمُسلمين والمُسلمات الأحياء منهم والأموات.[١٧]
  • اللهم طهر أموالنا من الربا والمال الحرام، اللهم واجعلنا ممن إذا رفعوا أيديهم لا يُقال لهم: لا يستجاب لكم، اللهم اجعلنا ممن أطابوا مطاعمهم ومشاربهم، ومن الذين عرفوا الحلال فأحلوه، وعرفوا الحرام فحرموه، واجعلنا ممن يقف عند حدودك لا يتعداها، وصلوا على نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي ما ترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذرنا منه.

المراجع

  1. يحيى الزهراني، "الربا"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
  2. سورة البقرة، آية:278
  3. عبد العزيز الغامدي (29-4-2017)، "خطبة عن خطر الربا"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 29/6/2021. بتصرّف.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله ، الصفحة أو الرقم:1598، صحيح.
  5. "الربا وخطره"، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 29/6/2021. بتصرّف.
  6. سورة آل عمران، آية:130-132
  7. محمد العثيمين (1988)، الضياء اللامع من الخطب الجوامع (الطبعة 1)، صفحة 241-242، جزء 2. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1015، صحيح.
  9. ^ أ ب ت ث ج حمزة آل فتحي (18-2-2018)، "آكل الربا"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سمرة بن جندب، الصفحة أو الرقم:7047، صحيح.
  11. سورة البقرة، آية:278-279
  12. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:512، حسن.
  13. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:1599، صحيح.
  14. عبد العزيز الغامدي (29-4-2017)، "خطبة عن خطر الربا"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.
  15. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن معاذ بن جبل ، الصفحة أو الرقم:298، إسناده صحيح .
  16. أحمد بن حنبل (1999)، الزهد (الطبعة 1)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 256. بتصرّف.
  17. عبد الرحيم الطحان (2010)، خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان، صفحة 19، جزء 136. بتصرّف.
5632 مشاهدة
للأعلى للسفل
×