خطبة مؤثرة عن فضل الصدقة

كتابة:
خطبة مؤثرة عن فضل الصدقة


مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين يدخل من يشاء في رحمته، ويظل المتقين تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ويتفيؤ المتصدقون بظل صدقتهم يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين وعن التابعين وأتباعهم إلى يوم الدين.[١]



الوصية بتقوى الله

أيُّها الناس، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله في السرّ والعلن، اتقوه فإنّ سبب التقوى ما يكون بقلب العبد من تعظيم الله محبةً وخوفًا ورجاءً، فكلّما عظم العبد ربه دعاه ذلك إلى تقواه، وامتثال أمره واجتناب نهيه،[٢] فاتقوا الله امتثالاً لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).[٣]



الخطبة الأولى

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الخلق والمرسلين سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

أيها الناس، عليكم بالتوبة إلى الله، والمبادرة إليه بالعمل الصالح، واعلموا أنّ الصلة بينكم وبين ربكم هي كثرة ذكره وعبادته، ومن أعظم العبادات كثرة الصدقة سرًا وعلانيةً، فإنّ المتصدق يُرزق ويُنصر ويُجبر، فاقصدوا بأموالكم المحتاجين، والضعفاء، والفقراء والمساكين، فإن أعطيتموهم؛ فسيعطيكم الله، وإن ترحموهم يرحمكم الله، واعلموا أنّ التجارة مع الله تجارةٌ رابحة، بل هي تجارة لن تبور أبدًا.[٤]



عباد الله، ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا فى المسلم، نعم ذهب أهل الدثور بالأجور والدرجات الرفيعة والنعيم المقيم، -وأهل الدثور هم أصحاب المال من المؤمنين، وأصحاب الطاعات والأعمال الصالحة-، يصلّون ويصومون ويتصدقون بأفضل مالهم، فما أجملها من منزلة، حتى قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا حسدَ إلا في اثنتيْنِ:رجلٌ آتاه اللهُ مالًا فسلَّطَه على هلكتِه في الحقِّ، ورجلٌ آتاهُ اللهُ حكمةً فهو يقضي بها ويُعلِّمُها).[٥][٤]



أيها الإخوة، امتدح رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المُنفق، يمدُّ يده بالخير للنّاس، ويسعى لتفريج كربهم، وقضاء حوائجهم، فقال: (الأيدي ثلاثةٌ: فَيدُ اللَّهِ العُليا، ويدُ المُعطي الَّتي تَليها، ويدُ السَّائلِ السُّفلَى، فأعطِ الفضلَ ولا تعجَزْ عن نفسِكَ)،[٦] فاليد العليا هي المنفقة، واليد السُفلى هي يد السائل، فاسعَ أخي أن تكون يدك هي العليا ما استطعت ذلك، واعلم أنّ الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، فأنفقوا مما أتاكم الله من فضله وجعلكم مستخلفين فيه، أنفقوا فإنّ الله يحب الإنفاق من الكسب الطيب، ولا تقربوا الخبيث فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وما تنفقوا من خير فإنّ الله يُخلفه، بل سيؤتيكم خيراً منه، يقول -تعالى-: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)،[٧] واعلم أيّها المنفق أنّ ما تتصدق به لا يضيع عنده، وسيرزقك الله البركة بالمال، فلا ينقص مال المتصدق، وهذا من فضل الله على عباده، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِن مالٍ).[٨][٤]



ومن عظيم فضل الصدقة أنّها تُطفئ الخطيئة، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الصدقةُ تُطفئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النارَ)،[٩] ومن عظيم فضلها أنّها تُظل صاحبها يوم القيامة، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (كلُّ امرِئٍ في ظِلِّ صدقتِه حتى يُقْضَى بين الناسِ)،[١٠] والصدقة تطفئ غضب الرب، وهي حجاب من النار لمن تصدق ابتغاء الأجر عند الله -تعالى-.[٤]



أيُّها المسلمون، إنّ أفضل الصدقات الصدقة الخفية؛ فهي أقرب إلى الإخلاص من الصدقة المعلنة، والله -تعالى- يقول: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[١١] وثانيها الصدقة في حال القوة والصحة، فهي أفضل من الصدقة في حال المرض وغيره، وكذلك بذل الإنسان ما يستطيع وصدقته مع أنّه محتاج وشحيح، يقول الله -تعالى-: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)،[١٢] فالله تعالى قد وعد عباده المتصدقين المغفرة والفضل.[١٣]



عباد الله، اعلموا أنّ خير الصدقة ما كان للأرحام، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا أنفقَ الرَّجلُ علَى أهلِه، وَهوَ يحتسبُها كانت لَه صدقةً).[١٤] فالقريب الذي لا تلزمك نفقته أحق بالصدقة من غيره، لأنّ الصدقة على القريب أجرها مضاعف، فهي على المسكين صدقة وعلى القريب صلة وصدقة، فرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (يدُ المعطي العليا وابدأ بمن تعولُ أمَّكَ وأباكَ وأختَك وأخاكَ ثمَّ أدناكَ أدناكَ)،[١٥] فعليكم بالمسارعة إلى الخيرات.[٤]


ومن الصدقات التي لها فضل عظيم، النفقة على الأولاد، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا أنفقَ الرَّجلُ علَى أهلِه، وَهوَ يحتسبُها كانت لَه صدقةً)،[١٤] وكذلك الصدقة على الجار، فقد أوصى به -تعالى- حيث قال في كتابه: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا).[١٦][١٣]



ومن الصدقات التي خُصّت بالفضل؛ الصدقة الجارية، وهي ما تبقى للإنسان بعد وفاته، ويبقى أجرها مستمرًا، فالصدقة لها معنًى واسع، فهِي تشمَل كل عملَ فيه خير، فإرشادُ الضال صدقة، والعدلُ بين اثنين صدقة، وإماطةُ الأذى صدقة، والتبسُّم في وجه أخيك المسلم، وغرسُ شجرة، وتعليمُ علمٍ نافع، وإصلاح المتاخصمين، والكلمَة الطيبة صدقة، وكل عمل صالح يُقصد به الخير هو صدقة تحتسب عند الله تعالى.[١٣]أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبيُّ الأمين، والنذير المبين، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين.



أيُّها النّاس، عليكم بطاعة الله وتقواه، وإيتاء الزكاة، وكونوا ممن يسارعون بالخيرات ويؤتون أفضل مالهم للصدقات؛ فإنّ الصدقة أجرها عظيم، وفضلها كبير، وأعظم هذه الصدقات أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تخاف الفقر وتأمل الغنى، ولا تؤخر هذا العمل الصالح فقد يكون شق التمرة الذي تصدقت به، أو لقمة الخبز التي جعلتها للفقير؛ سببًا في دخولك الجنة، فمن سألكم بالله أعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، فإن للسائل حقًّا ولو جاء على فرس، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله من فضله.[٤]



الدعاء

  • اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، اللهم زدنا ولا تنقصنا وأعطنا ولا تحرمنا، اللهم أكرمنا ولا تُهنّا، اللهم آثرنا ولا تُؤثر علينا، اللهم أرضِنا وارض عنا، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك وبطاعتك عن معصيتك، اللهم اجعلنا من المتصدقين فى السراء والضراء، وفى الصحة والمرض، والفقر والغنى، اللهم قوِّ إيماننا وارفَع درجاتنا، وتقبَّل صلاتنا يا رب العالمين.[١٧]
  • اللهم اجعلنا من المتصدقين والمنفقين في سبيلك واجعلنا من المحسنين، اللهم إنا نعوذ بك من جَهد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، اللهم لا تُزغْ قلوبَنا بعد إذ هديتنا، اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم إنا نعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والهِرَم، والبخل، ونعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات.
  • اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، اللهم لا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبيناء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا والحمد لله رب العالمين،[١٧] اللّهمّ آتنا فِي الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسَنة وقنا عَذَاب النَّار.[١٨]

المراجع

  1. سليمان بن حمد العودة، شعاع من المحراب، صفحة 237. بتصرّف.
  2. عبد العزيز آل الشيخ، جامع خطب عرفة لعبد العزيز آل الشيخ، صفحة 101. بتصرّف.
  3. سورة آل عمران، آية:102
  4. ^ أ ب ت ث ج ح "خطبة عن الصدقة وفضلها"، الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 27/6/2021. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:3411، حديث صحيح.
  6. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن مالك بن نضلة الجشمي، الصفحة أو الرقم:2/42 ، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
  7. سورة سبأ، آية:39
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2588، حديث صحيح.
  9. رواه ابن عثيمين، في شرح رياض الصالحين، عن رجل، الصفحة أو الرقم:201.
  10. رواه الألباني، في مشكلة الفقر، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:118، حديث صحيح.
  11. سورة البقرة، آية:271
  12. سورة البقرة، آية:268
  13. ^ أ ب ت "خطبة عن الصدقة وأهميتها"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27/6/2021. بتصرّف.
  14. ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبو مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 2544، حديث صحيح.
  15. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن طارق بن عبدالله المحاربي، الصفحة أو الرقم:2531، حديث صحيح.
  16. سورة النساء، آية:36
  17. ^ أ ب الشيخ عبد الرحيم الطحان، خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان، صفحة 19. بتصرّف.
  18. المقدسي، الترغيب في الدعاء والحث عليه لعبد الغني المقدسي، صفحة 19. بتصرّف.
9365 مشاهدة
للأعلى للسفل
×