مقدمة الخطبة
إنّ الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شُرور أنفُسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مُضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، نحمده سُبحانه بأن شرع لنا التُقرب إليه في يوم العيد بالأُضحية، فهي سُنة أبينا إبراهيم -عليه السلام-، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن مُحمداً عبده ورسوله، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
الوصية بالتقوى
عباد الله، أوصيكم ونفسي المُقصرة بتقوى الله ولُزوم طاعته، فالتقوى سببٌ للسعادة والنجاة في الدُنيا والآخرة، وأُحذّركم ونفسي من مُخالفته وعصيان أوامره، لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).[١]
الخطبة الأولى
معاشر المُسلمين، اعلموا أن من نِعمِ الله -تعالى- علينا ما شرعه لنا من الأضاحي، فهي سُنة أبينا إبراهيم -عليه السلام-، سنة ونبيّنا مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام-، وقد جعل الله -تعالى- لنا حسنة بكل شعرةٍ أو صوفٍ منها، وإنّ أفضل ما يقوم به المُسلم في يوم العيد هو التقرب إلى ربه بذبح الأضاحي.[٢]
وتعود بنا الأضحية -إخواني الكريم- إلى تذكّر قصة فداء إسماعيل -عليه السلام-، فعندما كبر وتعلق به والداه، وأصبح يُرافق أباه في شؤون حياته، ويعينه على مصالح دُنياه؛ رأى سيدنا إبراهيم -ورؤيا الأنبياء حق- أنه يذبح ابنه في المنام، فقصّ -عليه السلام- رؤياه على ابنه، فما كان منه إلا أن استسلم لأمر الله -تعالى-، فلما أراد أن يذبحه بالسكين فإذا بها تتوقّف عن القطع وتُسلب قوّتها -بإذن الله-، ثمّ فداه الله بكبشٍ عظيم.[٣]
ومضت هذه السُنة في العالمين تذكيراً وتخليداً لهذه الذكرى بين الأب وابنه اللذيْن صبرا على أمر الله -تعالى-، وأخبر الله -تعالى- عن هذه القصة بقوله: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).[٤][٥]
إخواني في الله، لقد شرع الله -تعالى- لنا الأضحية؛ تعظيماً له ولشعائره، وللتوسعة على خلقه، وجعلها الله -تعالى- سبباً لتحصيل التقوى في نفس المُضحي، فقد قال -تعالى-: (لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).[٦]
وسبب تسميتها بذلك؛ لأن أفضل وقت للتضحية هو في ضُحى يوم العيد، وينبغي للمُسلم القادر أن لا يتركها؛ لأنها من السُنن المؤكدة عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في أقواله وأفعاله وتقريراته.[٧] ويجوز للمُسلم أن يذبحها عن نفسه وعن أهل بيته؛ ليحصل الجميع على هذا الأجر العظيم.
وقد فعل ذلك نبينا مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام-، حيث قام بذبح الأُضحية عنه وعن أهل بيته، كما يجوز للمُسلم أن يُضحّي بما شاء من بهيمة الأنعام، مع مراعاة الالتزام بشروطها التي أخبر بها نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وذلك بأن تبلغ السن المُعتبر لها في الشرع؛ وهو في الإبل خمسُ سنين، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن نصف سنة.[٢]
واعلموا -إخواني الكرام- أن من شروط الأضحية كذلك أن تكون سليمةً من العيوب، لقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (أربعٌ لا يجْزينَ في الأضاحي: العوراءُ البيِّنُ عورُها، والمريضة البيِّنُ مرضُها، والعرجاء البيِّن ظلعُها والعجفاء التي لا تُنْقي)،[٨] وأمّا من كانت مريضةً بمرضٍ يسير لا يظهر عليها؛ فيجوز الأُضحية بها، ولكن كُلما كانت الأُضحية كاملةً في ذاتها وصفاتها فهو الأفضل.[٢]
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كُل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبيُّ الأمين، والنذير المبين، وصلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين، أما بعد:
معاشر المُسلمين، اعلموا أن أفضل ما يُضحي به المُسلم الإبل، وقيل: الكبش، وأفضلها ما كان سميناً، وأكثر لحماً، وأكمل صفةً وخِلقةً، وأحسن منظراً، وأغلى ثمناً؛ لأن المُسلم يقدم ما يجده أفضل ابتغاء وجه -تعالى-، ويحرص على أن يُضحي في أول أيام العيد، حتى تكون فرجاً للفقير والمسكين وصاحب الحاجة في هذه الأيام المباركة.[٩]
الدعاء
- اللهم تقبّل منّا صالح أعمالنا.
- اللهم اغفر لنا ذُنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبّت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
- اللهم لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.
- اللهم اعف عنا واغفر لنا وارحمنا.
- اللهم آتنا في الدُنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى، وينهى عن الفحشاء والمُنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية:1
- ^ أ ب ت محمد العثيمين (1988)، الضياء اللامع من الخطب الجوامع (الطبعة 1)، صفحة 198-199، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ أحمد بن عبد الله الحزيمي، "خطبة قصة الأضحية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 9/3/2022. بتصرّف.
- ↑ خطأ استشهاد: وسم
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة
5930e10a_c8a9_403c_b624_7cabdeb89e9b
- ↑ سورة الصافات، آية:102-107
- ↑ سورة الحج، آية:37
- ↑ ملتقى الخطباء الفريق العلمي، "شعيرة الأضحية حكمها وصفتها"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 1/3/2022. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن البراء بن عازب ، الصفحة أو الرقم:886، صحيح.
- ↑ "أحكام الأضحية"، الموقع الرسمي للشيخ محمد صالح المنجد، اطّلع عليه بتاريخ 1/3/2022. بتصرّف.