خير أمة أخرجت للناس
الخيرية في هذه الأمة
يقول -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)،[١]اتفق بعض المفسرين أن هذه الآية وردت في الصحابة؛ لكن تعدد الأقوال في التفاسير مشهور، وقد رجح كثير عمومها أنها نزلت في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدداً من الأحاديث التي تثبت ذلك، نذكر منها:[٢]
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: ("كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ"، قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ؛ تَأْتُونَ بهِمْ في السَّلَاسِلِ في أعْنَاقِهِمْ حتَّى يَدْخُلُوا في الإسْلَامِ).[٣]
- عن معاوية بن حيدة القشيري -رضي الله عنه-: (أنَّهُ سمعَ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- يقولُ في قولِهِ "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ"، قال: إنَّكم تُتمُّونَ سَبعينَ أمَّةً، أنتُمْ خَيرُها وأَكْرمُها علَى اللَّهِ).[٤]
ويتضح من هذه النصوص أنها تدل على ثبوت عموم الخيرية لعموم هذه الأمة، وهذا ما اختاره ابن كثير، وابن جرير الطبري، وابن حجر العسقلاني.
أوجه خيرية هذه الأمة
لم تنل هذه الأمة هذه المكانة العالية الجليلة من فراغ؛ فقد بيّن المولى -سبحانه- سبب خيريتها في ذات الآية المذكورة سابقاً: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)،[١] فإن فقدت هذه الأمور في جيل من أجيال هذه الأمة؛ لم يكن حريًا بهذه الخيرية التي حظيت بها هذه الأمة، وفيما يأتي توضيح لأهم أوجه هذه الخيرية:[٥]
- الإيمان بالله عز وجل
وهذا الوجه وإن كان يظهر للوهلة الأولى أنه غير مختص بهذه الأمة فحسب؛ لأن غيرها من الأمم يشاركها فيه، وما من أمة من الأمم بعث إليها رسول من الرسل إلا ووجد فيها من آمن به وصدقه واتبعه؛ إلا أن إيمان هذه الأمة يتميز عن إيمان سائر الأمم؛ بأنه إيمان عام شامل، يشمل جميع الرسل التي أرسلت، والكتب التي أنزلت على جميع الأمم التي خلت.
قال -تعالى-: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير).[٦]
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهذا من أعظم ما كانت به هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس؛ فهو من أظهر صفاتها، وأبرز ما تتميز به عن سائر الأمم، ولذلك قدمهما الله -عز وجل- في الذكر على الإيمان به -تعالى-، مع كون الإيمان متقدمًا عليهما في الوجود والرتبة.
وقد أمر الله هذه الأمة بأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأن يكون فيها من يقوم بذلك فقال -عز وجل-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)،[٧]كما أمر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ).[٨]
- كونها خير الأمم وأنفعها للناس
وذلك أن هذه الأمة لما قامت بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان من أعظم المعروف الذي تأمر به الإيمان بالله -عز وجل- وعبادته وحده، ومن أنكر المنكر الذي تنهى عنه وتحذر الناس منه: الإشراك بالله وعبادة غيره من دونه.
يقول سيد قطب: "إنَّ هذه الخيريَّة مسألة نسبيَّة بالنسبة للأمَّة، فقد ترتفع لتبلغ الذّروة؛ كما كانت الحال في جيل الصّحابة والقرون المفضّلة، وقد تنحسر في مجموعات وأفراد، كما هي في القرون المتأخرة، وذلك تبعًا لوجود مقومات الخيريَّة وصيانتها".[٩]
المراجع
- ^ أ ب سورة آل عمران، آية:110
- ↑ [ناصر بن علي عائض حسن الشيخ]، عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي، صفحة 59. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سلمة بن دينار المدني، الصفحة أو الرقم:4557، صحيح.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن معاوية بن حيدة القشيري، الصفحة أو الرقم:3001، صححه الألباني.
- ↑ [محمد با كريم محمد با عبد الله]، وسطية أهل السنة بين الفرق، صفحة 210-214. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:284
- ↑ سورة آل عمران، آية:104
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:49، صحيح.
- ↑ [ناصر العمر]، الوسطية في ضوء القرآن الكريم، صفحة 95.