علم الحديث
يُعرَّف علم الحديث أو ما يُسمَّى علم مصطلح الحديث الشريف بأنَّه أحد العلوم الإسلامية، ويهتمُّ هذا العلم بدراسة ومعرفة سند ومتن الحديث النبوي الشريف من حيث قبوله وردِّه،[١] وبما أنّه يُعرَّف بأنَّه علم يبحث في أصول سند الأحاديث النبوية ومتنِها، فقد أطلق عليه اسم علم أصول الحديث، وتظهر أهمية هذا العلم من خلال ما يُتِيحُهُ من تعرُّفٍ وبحثٍ في ألفاظ ومفردات الأحاديث النبوية، واستخراج ضوابط الشريعة الإسلامية منها، إضافة إلى الاهتمام بالأحاديث النبوية على أنَّها مرجعٌ نَحْويٌّ من مراجع اللغة العربية،[٢] وجاء في تعريف علم الحديث رواية أنَّه علم يجمع أقوال وأفعال وصفات وإرشادات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويقوم هذا العلم بضبط سند ومتن هذه الأقوال، كما أنَّه يقوم بشرح وتبيان معنى الأحاديث النبوية، أمَّا علم الحديث دراية فهو ما يحيط بقواعد معرفة حال السند والمتن ومعرفة أحوال الرواة عبر التاريخ، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على درجات الحكم على الحديث النبوي الشريف.[٣]
درجات الحكم على الحديث
في الحديث عن درجات الحكم على الحديث النبوي، لا بدَّ من القول إنَّ من أهم ما يميز الأمة الإسلامية عبر التاريخ هي الدقة والحذر في نقل النصوص، فنقل الأحاديث النبوية الشريفة كان نقلًا موصولًا بدقَّة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقد اهتمَّ السلف في مسألة أخذ الدين من الرواة الثقات، والحديث النبويُّ جزء من الدين الإسلامي، لذلك كان لزامًا عليهم تحرِّي المصداقية والدقة في أخذ الدين عن الرواة وفي البحث عن أصل الرواة ومدى عدالتهم وصدقهم، ومن هنا ظهر علم أصول الحديث الذي يُعنى بالبحث في أصل الرواة ومدى اتصالهم ببعضهم وصولًا إلى الصحابة الكرام الذين أخذوا بدورهم عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد قال السلف: "إنَّ هذا العلم دينٌ فانظروا عمن تأخذون دينكم"، وقيلَ أيضًا: "إن الإسناد من الدِّين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"،[٤] ومن الجدير بالذكر أيضًا إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حذَّر من الكذب على لسانه، أي من أنَّ ينسب الإنسان إلى رسول الله ما لم يقله، حيث روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: "مَن كذَبَ عليَّ فلْيتبَوَّأْ مَقعَدَه منَ النَّارِ مُتعمِّدًا، قاله مرَّتيْنِ، وقال مرَّةً: مَن كذَبَ عليَّ مُتعمِّدًا"،[٥] فالكذب على رسول الله وقول عنه ما لم يقل من الأمور الخطيرة في الشرع، لذلك كان لا بدَّ من وضع درجات الحكم على الحديث النبوي، فالحديث الشريف يكتسب صفته بين القوة والضعف بحسب رواته ومدى عدالتهم وضبطهم وحفظهم وغير ذلك، ويكون الحديث ضعيفًا أو صحيحًا أو حسنًا بحسب إسناده إن كان متصلًا أو منقطعًا أو مضطربًا أو غير ذلك، وعليه يمكن القول إنَّ درجات الحكم على الحديث النبوي هي ثلاث درجات: حديث صحيح، حديث حسن، حديث ضعيف، تُقسم هذه الدرجات إلى فروع سيتم التفصيل فيها ما يأتي.[٦]
الحديث الصحيح
بعد الحديث عن درجات الحكم على الحديث النبوي، سيتم المرور على أوَّل هذه الدرجات، وهو الحديث النبوي الصحيح، ويُعرَّف الحديث الصحيح بأنَّه الحديث الذي جاء عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بسند متصل، وبنقل الرواة الثقات العدول إلى منتهاه، ولا يكون هذا الحديث شاذًا ولا معللًا،[٧] وقد عرَّف ابن الصلاح الحديث الصحيح قائلًا: "هو الحديث المسند، الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذا ولا معللا"، وقال ابن كثير في تعريف الحديث الصحيح أيضًا: "هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط، حتى ينتهي إلى رسول الله -صلى اله عليه وسلم- أو إلى منتهاه من صحابي أو من دونه ولا يكون شاذًا ولا معللًا بعلة قادحة"، واختصر الإمام النووي هذه التعريفات قائلًا: "هو ما تصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة"،[٨] وفيما يأتي تفصيل في شروط الحديث الصحيح وأقسامه وأبرز المصنفات في الحديث الصحيح أيضًا:
شروط الحديث الصحيح
بعد تعريف الحديث الصحيح الذي هو درجة من درجات الحكم على الحديث النبوي في الإسلام، إنَّ للحديث الصحيح شروطًا يجب أن تتوفر فيه حتَّى يكون هذا الحديث صحيحًا، وإذا اختلَّ شرط واحد من هذه الشروط، تغيَّرت درجة الحديث بين درجات الحكم على الحديث النبوي، وفيما يأتي الشروط التي يجب أن تجتمع حتَّى يحكم على الحديث النبوي بأنَّه حديث صحيح:[٩]
- اتصال سند الحديث: ومعنى هذا الشرط أنَّ يكون قد ثبتَ أنَّ كلَّ راوٍ من رواة الحديث عبر السنين قد تلقَّى الحديث ممن فوقه من الرواة، وهكذا بسند متصل إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وبكمال هذا الشرط يخرج الحديث من دائرة الأحاديث المرسلة أو المنقطعة أو المعضلة أو المدلسة وغيرها من الأحاديث التي لم يتصلِ السَّند فيها.
- عدالة جميع الرواة: ومعنى هذا الشرط أيضًا أن يكون جميع رواة الحديث عدولًا، يُشهد لهم بالصلاح والاستقامة، وأن يكون مشهودًا لجميع رواة الحديث بالمروءة والعدل والتقوى والصدق والأمانة، ولا تكون هذه الأمور إلَّا باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه كلِّها والابتعاد عن كلِّ خوارم المروءة.
- اتصاف الرواة بالضبط: ومعنى اتصاف الرواة بالضبط أنَّ يكون الراوي يقظًا غير غافل، لديه قدرة على الحفظ والكتابة السليمة، والفهم الدقيق، فلا يُخشى عليه من الخطأ إذا حدَّث بالحديث أو رواه.
- عدم الشذوذ: أي أن يتفق الرواة على الحديث، فلا يحدث اختلاف بين الرواة الثقات، ولا يخالف راوٍ ثقةٌ من هو أرجح منه بين الرواة، فلا يُؤخذ ما اختُلف عليه ولا يُجمع.
- السلامة من العلة: ومعنى أن يكون الحديث سليمًا من العلَّة: أي أن يكون معنى الحديث خاليًا من أي علَّة تخلُّ في صحته، مثلَ ألَّا يُخالف الحديث النَّص القرآني مثلًا، وإذا قُدح الحديثُ بِعلَّة، سيخرج من دائرة الأحاديث الصحيحة، وسيكون حديثًا معللًا وهو نوع من أنواع الأحاديث التي سيأتي ذكرُها.
وبعد التفصيل في شروط صحة الحديث الصحيح الخمسة، لا بدَّ من القول إنَّ وجه دلالة هذه الشروط هو أنَّ العدالة والضبط يؤكدان وصول الحديث كما سُمع من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وعدم الشذوذ في الحديث يؤكِّد أن الحديث لم يدخله وهم أو زيادة أو نقصان، وخلوُّه من العلة دليل على سلامة معناه ومقصوده، لذلك كان لزامًا أن تتوفر هذه الشروط الخمسة في الحديث النبوي حتَّى يكون هذا الحديث صحيحًا عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالإجماع، والله تعالى أعلم.[١٠]
أقسام الحديث الصحيح
استكمالًا في الحديث عن درجات الحكم على الحديث النبوي، وبعد تعريف الحديث الصحيح وبيان شروطه، يُقسم الحديث الصحيح في علم الحديث إلى قسمين اثنين، وهما: الحديث الصحيح لذاته، والحديث الصحيح لغيره، وفيما يأتي تفصيل في النوعين:[١١]
- الحديث الصحيح لذاته: وهو الحديث الذي اجتمعت في شروط الحديث الصحيح الخمسة، أي هو الحديث ذو السند المتصل، الذي اتصفَ رواته بالعدالة والضبط، الخال من الشذوذ والعلل.
- الحديث الصحيح لغيره: وهو الحديث الحسن لذاته، ولكن اجتماع عدَّة طرق حسنه جعلته يرتقي إلى درجة الحديث الصحيح، فُسمِّي حديثًا صحيحًا لغيره.
أبرز المصنفات في الحديث الصحيح
لقد سعى علماء الحديث عبر التاريخ بجهد وأمانة في جمع الأحاديث النبوية الصحيحة في مصنفات خاصَّة من باب تيسير الوصول إليها من عامة الناس، ولأخذ تعاليم الشريعة الإسلامية من هذه الأحاديث الشريفة، ولعلَّ أبرز المصنفات في الحديث الصحيح هي: صحيح الإمام البخاري، صحيح الإمام مسلم، صحيح ابن خزيمة، صحيح ابن حبان، مستدرك الحاكم، وفيما يأتي نبذة عن كلِّ مصنف من هذه المصنفات:
- صحيح الإمام البخاري: هو أصدق الكتب بعد كتاب الله تعالى، وهو أعظم مصنف في مصنفات الحديث الصحيح، جمعه الإمام البخاري واعتنى به خير عناية، حيث قال البخاري: "صنَّفتُ الجامعَ من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة، وجعلتُه حجَّةً فيما بيني وبين الله"، وقال النووي: "اتَّفَق العلماءُ -رحمهم الله- على أنَّ أصحَّ الكُتب بعد القرآن العزيز: الصحيحان البخاري ومسلم، وتَلقَّتْهما الأمَّةُ بالقَبول، وكتاب البخاري أصحُّهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صَحَّ أنَّ مُسلمًا كان ممَّن يَستفيد من البخاري ويَعترف بأنَّه ليس له نظير في علم الحديث".[١٢]
- صحيح الإمام مسلم: هو واحد من أهم الكتب في الحديث الصحيح، يحتوي صحيح الإمام مسلم على العقائد والأحكام والآداب والتفاسير والتاريخ والمناقب، وهو أصدق الكتب بعد القرآن الكريم وصحيح الإمام البخاري، يضم الكتاب ثلاثة آلاف وثلاثة وثلاثين حديثًا نبويًا غير مكرر.[١٣]
- صحيح ابن حبان: هو أحد المصنفات في الحديث الصحيح، صنَّفه الإمام العلامة مُحمَّدُ بنُ حِبَّان بن أَحمدَ بن حِبَّان التّميميُّ الدَّارمِيُّ البُسْتِيُّ، قال الإمام أحمد عن صحيح ابن حِبَّان: "صحيح ابن حبان كتاب نفيس، جليل القدر، عظيم الفائدة، حرَّرَهُ مؤلفه أدق تحرير، وجوَّده أحسن تجويد، وحقق أسانيده ورجاله، وعلل ما احتاج إلى تعليل من نصوص الأحاديث وأسانيدها، وتوثق من صحة كل حديث اختاره على شرطه".[١٤]
- مستدرك الحاكم: كتاب من كتب الحديث النبوي الصحيح، جمع ما فيه الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، وقد ضمَّ هذا الكتاب الأحاديث النبوية التي اعتقدَ الحاكم أنَّها صحيحة على شرط الشيخين البخاري ومسلم.[١٥]
- صحيح ابن خزيمة: وهو كتاب من كتب الحديث النبوي الصحيح، وهو من أهم كتب الصحيح بعد صحيح البخاري وصحيح مسلم، وقد قال السيوطي عن هذا الكتاب: "صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان، لشدة تحرّيه، حتى أنّه يتوقف في التصحيح لإدنى كلام في الإسناد"، وجاء عن الحازمي أنَّه قال: "صحيح ابن خزيمة أعلى رتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه، فأصح من صنّف في الصحيح بعد الشيخين، ابن خزيمة فابن حبان فالحاكم".[١٦]
الحديث الحسن
بعد التفصيل الذي جاء عن الحديث الصحيح، إنَّ من درجات الحكم على الحديث النبوي الحديثُ الحسن، ويُعرَّف الحديث الحسن على أنَّه الحديث الذي اجتمعت فيه شروط الحديث الصحيح الخمسة، ولكنَّ راويًا من رواة هذا الحديث خفَّ الضبط عنده، ولم يصل إلى مرتبة ردِّ أحاديثه التي رواها، وجدير بالذكر إنَّ الحديث الحسن قد يرتقي ليصبح حديثًا صحيحًا لغيره إذا كثرت الطرق التي روي فيها، كما قد يرتقي الحديث الضعيف إلى مرتبة الحسن لغيره،[١٧] وقد عرَّف الخطابي الحديث الحسن بقوله: "هو ما عُرف مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء"، وقد قال الحافظ عن تعريف الخطابي: "فإنْ كان المعرّف هو قوله: ما عُرف مخرجه واشتهر رجاله فالحديث الصحيح كذلك، بل والضعيف، وإن كان بقية الكلام من تمام الحد فإنا ننازعه بقوله: ما عُرف مخرجه واشتهر رجاله"،[١٨] وفيما يأتي سيتم تسليط الضوء على مسألة الاحتجاج بالحديث الحسن وأقسامه وأبرز المصنفات فيه:
الاحتجاج بالحديث الحسن
يُعدُّ الحديث الحسن حديثًا مقبولًا عن الفقهاء والعلماء، وهم يحتجون به ويعملون بما جاء في متنه، وهذا ما عُرف به المحدثون والأصوليون، وسبب العمل والاحتجاج بالحديث الحسن هو أنَّ راوي الحديث معروف بسلامة سنده وإنَّ خفَّ ضبطه قليلًا، وخفَّة الضبط لا تنفي أحاديث الراوي كلَّها، بل هي تضعُ أحاديثه في درجة أدنى من درجة الحديث الصحيح، كما أنَّ الحديث الحسن تقبله النفس ويميل إليه القلب لسلامته وسلامة معناه،[١٩] وقال ابن حجر في كتابه نزهة النظر في مسألة حجية الحديث الحسن: "فإنْ خَفَّ الضبطُ، أي قَلَّ، يُقال: خَفَّ القومُ خُفوفًا: قَلُّوا، والمُرادُ معَ بقيَّةِ الشُّروطِ المُتقدِّمَةِ في حدِّ الصَّحيحِ، فهُو الحسنُ لذاتِهِ، لا لشيء خارجٍ، وهو الذي يكون حُسْنُه بسببِ الاعتضاد نحو حديثُ المستُور إِذا تعَدَّدَتْ طُرُقُه، وخَرَج باشتراطِ باقي الأوْصافِ الضعيفُ، وهذا القِسمُ مِنَ الْحَسَنِ مشاركٌ للصحيح في الاحتجاج به، وإِنْ كان دُونَهُ، ومشابِهٌ لهُ في انْقِسامِه إِلى مراتبَ بعضُها فوقَ بعض"، وجاء في كتاب التدريب عن الحديث الحسن: "ثم الحسن كالصحيح في الاحتجاج به وإن كان دونه في القوَّة، ولهذا أدرجته طائفة في نوع الصحيح، كالحاكم وابن حبان وابن خزيمة مع قولهم بأنه دون الصحيح المبين أولًا"، والله تعالى أعلم.[٢٠]
أقسام الحديث الحسن
استكمالًا في الحديث عن درجات الحكم على الحديث، وتحديدًا الحديث الحسن، يمكن القول إنَّ الحديث الحسن يُقسم إلى نوعين: الأول هو الحديث الحسن لذاته، والآخر هو الحديث الحسن لغيره، وفيما يأتي تفصيل في النوعَيْن:[٢١]
- الحديث الحسن لذاته: هو الحديث الذي تجتمع فيه شروط الحديث الصحيح الخمسة، ولكنْ خفَّ ضبط راويه فنزل عن مرتبة الحديث الصحيح.
- الحديث الحسن لغيره: هو الحديث الضعيف في الأصل، وضعفه ضعف يسير، ولكنَّ جاء من طرق مختلفة فارتقى إلى رتبة الحديث الحسن لغيره.
أبرز المصنفات في الحديث الحسن
لم يصنِّف أهل العلم مصنفات خاصَّة بالحديث الحسن كما صنَّفوا وجمعوا الحديث الصحيح، ولكنْ ثمَّة بعض الكتب التي كثر فيها ذكر الحديث الحسن، ولعلَّ أبرز هذه الكتب: كتاب سنن الترمذي، كتاب سنن أبي داود، كتاب سنن الدَّارقطني، وفيما يأتي تفصيل في هذه الكتب:
- سنن الترمذي: هو كتاب جامع الترمذي، واحد من كتب الحديث النبوي الستة، وقد قام الألباني بتقسم هذا الكتاب إلى صحيح الترمذي وضعيف الترمذي.[٢٢]
- سنن أبي داود: هو كتاب عُرف باسم السنن، وهو واحد من كتب الحديث الستة، ولهذا الكتاب مكانة رفيعة عند أهل السنة والجماعة، صنَّف هذا الكتاب الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السَجِسْتاني، وجمع فيه 5274 حديثًا نبويًا.[٢٣]
- سنن الدَّارقطني: كتاب ألَّفه أبو الحسن الدارقطني، وقد جمع فيه الأحاديث الضعيفة والمضطربة، وهو من أشهر الكتب التي تحوي الأحاديث المعللة والغريبة.[٢٤]
الحديث الضعيف
إنَّ آخر درجات الحكم على الحديث النبوي هو الحديث الضعيف، ويُعرَّف الحديث الضعيف بأنَّه الحديث الذي لم تجتمع فيه أي صفة من صفات القبول، وأسباب تضعيف الحديث الضعيف كثيرة، منها ما يكون له علاقة بسند الحديث، ومنها ما يتعلَّق بالمتن وغير ذلك، والحديث الضعيف هو الحديث الذي اختلَّت به إحدى شروط الحديث الصحيح الخمسة، والتي هي: اتصال السند، عدالة الرواة، تحقق الضبط عند الرواة، السلامة من الشذوذ، السلامة من العلل،[٢٥] وقد عرَّف ابن الصلاح الحديث الضعيف بقوله: "كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن"، وعرَّف ابن دقيق العيد الحديث الضعيف بقوله: "هو ما نقص عن درجة الحسن"،[٢٦] وفيما يأتي سيتم الحديث عن حكم العمل بالحديث الضعيف وشروطه، وعن آراء العلماء في الاحتجاج بالحديث الضعيف، وعن أقسام الحديث الضعيف وأبرز المصنفات فيه:
حكم العمل بالحديث الضعيف
إنَّ قضية حكم العمل بالحديث الضعيف قضية من القضايا التي اختلف فيها أهل العلم، وذهبوا فيها إلى آراء متعددة، فمنهم من أباح العمل به، ومنهم من حرَّم العمل به، ومنهم من أباح العمل به في مواطن خاصَّة، وفيما يأتي تفصيل في الآراء أو المذاهب الثلاثة التي تتحدَّث عن حكم العمل بالحديث الضعيف:[٢٧]
- المذهب الأول: رأى قسم من أهل العلم أنَّه لا يجوز العمل بالحديث الضعيف مطلقًا، فلا يجوز الأخذ بالحديث الضعيف في مسائل الأحكام، ولا يجوز العمل به في الفضائل عند أصحاب هذا الرأي، وذهب إلى هذا الرأي الشيخان البخاري ومسلم، وابن حزم الظاهري وغيرهم.
- المذهب الثاني: رأى قسم آخر من العلماء أنَّه يجوز العمل بالحديث الضعيف مطلقًا، والشرط ألَّا يكون الحديث موضوعًا أو شديد الضعف، وذهب إلى هذا الرأي أبو داود والإمام أحمد بن حنبل.
- المذهب الثالث: ورأى قسم من أهل العلم أنَّه يجوز العمل بالحديث الضعيف ولكن بشروط، وهذه الشروط هي: أن يكون الضعف في الحديث غير شديد، أن يكون للحديث أصل صحيح ثابت أي يندرج ما فيه تحت أصل عام، ألَّا يظنَّ العامل بالحديث الضعيف أنَّ هذا الحديث ثابت عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
شروط العمل بالحديث الضعيف
بعد ما جاء في مسألة حكم العمل بالحديث الضعيف، إنَّ بعض أهل العلم أباحوا العمل بالحديث الضعيف بشروط، إذا تحققت هذه الشروط يكون مباحًا العمل به في الفضائل والأحكام، وهذه الشروط هي:[٢٨]
- أن يكون ضعف الحديث ضعفًا يسيرًا غير شديد.
- أن يكون للحديث أصل في الدين، أي أنَّه لا يرغِّب ويحكي بحكم جديد غير معهود في الصحيح، ولا يرهب أو ينهى عن حكم معروف في الصحيح.
- أن يؤمن المستدل والعامل بالحديث الضعيف بضعف الحديث، ولا يعتقد أبدًا أنَّه ثابت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
أبرز ما جاء عن العلماء في الاحتجاج بالحديث الضعيف
إن اختلاف أهل العلم في مسألة الاحتجاج بالحديث الضعيف، مسألة آراء ووجهات نظر، وقد أبدى كلٌّ منهم وجهة نظره في هذه المسألة الشائكة، وفيما يأتي بعض آراء العلماء في الاحتجاج بالحديث الضعيف:[٢٧]
- يقول ابن حزم الظاهري: "والخامسُ شيءٌ نقل كما ذكرنا إما بنقل أهل المشرق والمغرب أو كافة عن كافة أو ثقة عن ثقة حتى يبلغ إلى النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلا أن الطريق فيه رجلٌ مجروحٌ يكذب أو فيه غفلةٌ أو مجهولُ الحال فهذا أيضًا يقول به بعض المسلمين، ولا يحلُّ عندنا القولُ به ولا تصديقُُه ولا الأخذُ بشيء منه".
- يقول الإمام النووي: "ويَجُوز عِنْد أهل الحديث وغيرهم التَّساهُل في الأسَانيد، ورِوَاية ما سِوَى الموضُوع من الضَّعيف، والعمل به من غير بَيَان ضعفه، في غير صِفَات الله تعالى، والأحْكَام، كالحَلالِ والحَرَام، ومِمَّا لا تعلُّق له بالعَقَائد والأحْكَام".
- يقول ابن الصلاح: "يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد، ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة، من غير الحلال والحرام وغيرهما، وذلك كالمواعظ، والقصص، وفضائل الأعمال، وسائر فنون الترغيب والترهيب، وسائر ما لا تعلُّق له بالأحكام والعقائد".
- قال الإمام مسلم: "اعلم -وفقك الله- أنَّ الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين: أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع".
أقسام الحديث الضعيف
كثيرة هي أقسام الحديث الضعيف، وكلُّ نوع من هذه الأنواع يختلف عن الآخر في سبب التضعيف، وهذه الأنواع هي: الحديث الموضوع والمرسل والمعضل والشاذ والمضطرب والمنقطع والمقلوب والمعلل،[٢٩] وفيما يأتي نبذة عن كلِّ نوع من هذه الأنواع:
- الحديث الموضوع: وهو الحديث المكذوب، المختلق على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أو الحديث المُختلق على صحابة رسول الله وعلى أحد من التابعين.[٣٠]
- الحديث المرسل: هو الحديث الذي يرفعه التابعي إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"، والمعروف أنَّ التَّابعي لم ير رسول الله في حياته، بل رأى أحدًا من الصحابة.[٣١]
- الحديث المعضل: هو الحديث الذي سقط من سنده راويان على التتابع، أي أن يسقط من سند الحديث راو من الطبقة الأولى والثانية، فإذا سقط راوٍ من الطبقة الأولى والثالثة لم يكن الحديث معضلًا لأن السقوط ليس على التتابع.[٣٢]
- الحديث الشاذ: هو الحديث الذي يرويه أحد الرواة الثقة، ويخالف فيه غيره من الثقات، حيث قال الإمام الشافعي: "هو أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره".[٣٣]
- الحديث المضطرب: هو الحديث الذي يختلف الرواة في روايته، حيث يرويه راويان بوجهين مختلفين، وقد عرَّفه ابن الصلاح قائلًا: "هو الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مخالف له، وإنما نسميه مضطربا إذا تساوت الروايتان".[٣٤]
- الحديث المنقطع: هو الحديث الذي سقط من سنده أكثر من راوٍ، ولا يُشترط فيه سقوط الرواة على التوالي، وهو حديث ضعيف وضعفه شديد جدًا، ويُقسم الانقطاع إلى أربعة أقسام، وهي:[٣٥]
- إذا كان الانقطاع في أول سند الحديث، يُسمِّى بالمعلق.
- إذا كان الانقطاع آخر السند، سُمِّي بالمرسل.
- إذا كان الانقطاع في السند بأحد الرواة أو أكثر على غير التوالي، سمي بالمنقطع.
- إذا كان الانقطاع في السند براويَيْن أو أكثر على التوالي، سمي بالمعضل.
- الحديث المعلل: هو الحديث الذي فيه علَّة خفية، تقدح صحَّة الحديث، على الرغم من أنَّ ظاهره يكون سليمًا، ومن هذه العلل انقطاع في السند أو تبديل، أو تدليس أو شذوذ.[٣٦]
- الحديث المقلوب: وهو الحديث الذي يحدث فيه إبدال لفظ بلفظ آخر في سند أو متن الحديث، كأن يقدم الراوي شيئًا أو يؤخر شيئًا في المتن أو السند.[٣٧]
أبرز المصنفات في الحديث الضعيف
لقد ألَّف أهل العلم الكثير من المؤلفات في الحديث الضعيف، وذلك لتحذير الناس منها وتعريفهم عليها، ولعلّ أبرز هذه المؤلفات: كتاب الموضوعات، كتاب تذكرة الموضوعات، كتاب المنار المنيف في الصحيح والضعيف، كتاب اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، كتاب الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، وفيما يأتي تفصيل عن هذه الكتب:[٣٨]
- الموضوعات: جمع هذا الكتاب الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، وهو من الكتب الواسعة اليسيرة في هذا الباب، وذلك لسهولة التبويب واستخراج المراد منه.
- تذكرة الموضوعات: ألَّف هذا الكتاب الحافظ محمد بن طاهر المقدسي، وقد رتَّب المؤلف في هذا الكتاب الأحاديث بسبب بداياتها من حروف المعجم، وهو كتاب مختصر مقارنة بالكتب المؤلفة في هذا المجال.
- المنار المنيف في الصحيح والضعيف: ألَّفه ابن قيم الجوزية، لخَّص في هذا الكتاب كتاب الموضوعات لابن الجوزي، فكان هذا الكتاب جامعًا مفيدًا يسيرًا على صغره وبساطته.
- اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: ألَّفه الحافظ السيوطي، وانتقد في هذا الكتاب كتاب ابن الجوزي، وزاد على كتاب الموضوعات أحاديث كثيرة.
- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: ألَّف أبو عبد الله محمد بن علي الشوكاني اليماني، وقد ضمَّن هذا الكتاب فوائد كثيرة حسنة، فاختلف فيها عمن سبقه من المؤلفين.
المراجع
- ↑ "مصطلح الحديث ( تعريفه - فوائده - غاياته )"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-15. بتصرّف.
- ↑ "كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-15. بتصرّف.
- ↑ "كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-15. بتصرّف.
- ↑ "أنواع الحديث الشريف من حيث الثبوت والقبول والرد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-15. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:12154، إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- ↑ "الديباج المذهب في مصطلح الحديث"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-15. بتصرّف.
- ↑ "كتاب منهج النقد في علوم الحديث"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-15. بتصرّف.
- ↑ "مباحث في الحديث الصحيح"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-15. بتصرّف.
- ↑ "كتاب منهج النقد في علوم الحديث"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-15. بتصرّف.
- ↑ "كتاب منهج النقد في علوم الحديث"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-15. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الوسيط في علوم ومصطلح الحديث"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-15. بتصرّف.
- ↑ "صحيح البخاري"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
- ↑ "صحيح مسلم"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16.
- ↑ "التعريف بصحيح ابن حبان"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "المستدرك على الصحيحين (كتاب)"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "صحيح ابن خزيمة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "كتاب شرح البيقونية - محمد حسن عبد الغفار"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "كتاب دورة تدريبية في مصطلح الحديث"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "كتاب منهج النقد في علوم الحديث"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "الاحتجاج بالحديث الحسن"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "كتاب دورة تدريبية في مصطلح الحديث"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "سنن الترمذي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "سنن أبي داود"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "سنن الدارقطني"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "الحديث الضعيف"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "كتاب تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ^ أ ب "الحديث الضعيف روايته وحكم العمل به"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "الحديث الضعيف"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "كتاب تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الوسيط في علوم ومصطلح الحديث"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "كتاب تحرير علوم الحديث"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "شرح كتاب التدليس في الحديث للدميني - محمد حسن عبد الغفار"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "كتاب مجلة البحوث الإسلامية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "أرشيف ملتقى أهل الحديث - 2"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "كتاب شرح البيقونية - محمد حسن عبد الغفار"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "المؤلفات في الأحاديث الموضوعة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.