محتويات
دروس وعبر من قصة أصحاب الأخدود
أصحاب الأخدود هم طائفة من المؤمنين الذين ثبتوا على دينهم فقام أعداء الإيمان بحفر أخدود كبير لهم، والأخدود هو الحفرة الكبيرة في الأرض، وأضرموا فيه ناراً موقدة وألقوهم فيها بسبب إيمانهم بالله وقد ثبتوا على هذا الإيمان ثباتاً عظيماً وصبروا على نار الدنيا، فصاروا مضرب المثل في حسن الثبات على الإيمان.[١]
وقد تعددت آراء أهل التفسير في تحديد هذه الطائفة المؤمنة، فمنهم من قال إنهم طائفة من أهل فارس رفضوا زواج المحارم، ومنهم من قال بأنهم طائفة من بني إسرائيل، ومنهم من قال بأنهم أهل بلد الفتى الذي تعلم السحر والإيمان من الساحر والراهب.[١]
وقد رجح كثير من أهل العلم أن أصحاب الأخدود هم أصحاب الفتى الذي تعلم السحر والإيمان، ثم علم أن السحر باطل وأن الإيمان حق، فافتتنه ملكه وقتله، وقصته معروفة وقد رواها الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود.[١]
دروس إيمانية من قصة أصحاب الأخدود
تعلمنا قصة أصحاب الأخدود كثيراً من الدروس والعبر المتعلقة بالإيمان بالله -تعالى- ومن هذه الدروس ما يلي:[٢]
- الثبات على الإيمان ثباتاً أشد من ثبات الجبال الراسخات في الأرض، وقد ضرب أصحاب الأخدود أروع الأمثلة في الثبات على الإيمان ولم يرهبهم بلاء الملك بالنار، لأنهم كانوا يعلمون أن العاقبة بعد هذا البلاء خير، سواء في الدنيا أو الآخرة.
- المؤمن لا يتردد في الحق ولو أُرهب أشد الترهيب، ولا يتزحزح عن الحق ولو افتتن بالمال والمنصب وجميع مغريات هذه الدنيا، لأن التردد يؤدي بالمؤمن إلى إضعاف موقفه، بينما الصلابة في الموقف وعدم التردد تؤدي إلى تمكين الموقف الحق.
- المؤمن ينظر إلى العاقبة الآخرة، فكان نظر هؤلاء المؤمنين إلى عاقبة الثبات والإيمان ولم ينظروا إلى المصلحة الآنية الزائلة، فكانوا مضرب المثل في القرآن بالثبات وهذا شرف عظيم لهم.
- لا يفلح السحر والساحر حيث أتى، ولا يفلح إلا الإيمان بالله حق الإيمان.
- على الإنسان أن يتحرى الحق ويبحث عنه؛ فالغلام في القصة دعا الله أن يبين له الحق، فقال: "اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها"، فاستجاب الله دعاءه وبين له الحق.
- أن يُنسب الفضل لله -تعالى- ولا ينسبه الإنسان لنفسه؛ فقد نسب الغلام الفضل في مداواة الناس لله -تعالى- ولم ينسبه لنفسه.
- عدم الخوف في قول الحق أمام السلطان الجائر الظالم، وقول كلمة الحق أمام السلطان الظالم من أفضل الأعمال عند الله -تعالى-، ويظهر ذلك من فعل الراهب والرجل جليس الملك الأعمى والغلام وأهل البلد الذين آمنوا.
- التضحية بالنفس من أجل إعلاء كلمة الله -تعالى- وفي سبيل الدعوة إلى الله؛ فقد علم الغلام أنه سيقتل إن قام الملك برمي السهم باسم الله، ولكنه علم أن الناس ستعلم أن الخير في دين الغلام، فقتل الغلام بإذن الله فآمن الناس برب الغلام.
- إن الله يُجري المعجزات، ويهيئ أسباب الفرج لعباده الصالحين الأتقياء المخلصين، فقد هز الله الجبل وهيج البحر إكراماً لذلك الغلام وحفظاً له.
- أن يلجأ الإنسان إلى الدعاء؛ لما فيه الخير، وقد لجأ الفتى إلى الدعاء مرات كثيرة واستجاب الله له.
- ليست العبرة في المؤمن الداعية إلى الله أن يرى نتائج دعوته ولا ينتظر ذلك؛ وإنما عليه أن يدعو إلى الله سواء رأى نتائج وأثر دعوته أو لم ير؛ فقد آمن الناس برب الغلام بسبب دعوته والغلام لم ير ذلك الإيمان.
رسائل للطغاة الظالمين من قصة أصحاب الأخدود
تحمل قصة أصحاب الأخدود مجموعة من الرسائل للطغاة الظالمين ومن ذلك ما يأتي:
- اللعنة والغضب الرباني يتنزل على كل طاغية كما قال الله -تعالى-: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ)؛[٣] أي لعنوا لعنا كبيرا بسبب فعلتهم الشنيعة.[٤]
- العاقبة للمتقين والله مظهر أمره ولو بعد حين، فقد أظهر الله -تعالى- الإيمان في البلد عن طريق غلام واحد.
- لن ينفع الظالمون ظلمهم يوم القيامة، وكل هذه الدنيا زائلة ولكن الحق باق، فعلى الظالمين أن يعتبروا لذلك أشد الاعتبار.
المراجع
- ^ أ ب ت تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، صفحة 366. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز الراجحي، توفيق الرب المنعم بشرح صحيح مسلم، صفحة 447-454. بتصرّف.
- ↑ سورة البروج ، آية:4
- ↑ الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 240. بتصرّف.