محتويات
دع اللوم إن اللوم عون النوائب لابن الرومي
دعِ اللَّومَ إن اللَّومَ عونُ النوائِبِ
- ولا تتجاوز فيه حدَّ المُعاتِبِ
فما كلُّ من حطَّ الرحالَ بمخفِقٍ
- ولا كلُّ من شدَّ الرحال بكاسبِ
وفي السعي كَيْسٌ والنفوسُ نفائسٌ
- وليس بكَيْسٍ بيعُها بالرغائبِ
وما زال مأمولُ البقاء مُفضّلاً
- على المُلك والأرباحِ دون الحرائبِ
حضضتَ على حطبي لناري فلا تدعْ
- لك الخيرُ تحذيري شرورَ المَحاطبِ
وأنكرتَ إشفاقي وليس بمانعي
- طِلابي أن أبغي طلابَ المكاسبِ
ومن يلقَ ما لاقيتُ في كل مجتنىً
- من الشوك يزهدْ في الثمار الأَطايبِ
أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَرَّه الغِنَى
- إليَّ وأغراني برفض المطالبِ
فأصبحتُ في الإثراء أزهدَ زاهدٍ
- وإن كنت في الإثراء أرغبَ راغبِ
حريصًا جبانًا أشتهي ثم أنتهي
- بلَحْظي جناب الرزق لحظَ المراقبِ
ومن راح ذا حرص وجبن فإنه
- فقير أتاه الفقر من كل جانبِ
ولما دعاني للمثوبة سيّدٌ
- يرى المدح عارًا قبل بَذْل المثَاوبِ
تنازعني رغْبٌ ورهب كلاهما
- قويٌّ وأعياني اطِّلاعُ المغايبِ
فقدمتُ رجلًا رغبةً في رغيبةٍ
- وأخّرتُ رجلاً رهبةً للمعاطبِ
أخافُ على نفسي وأرجو مَفازَها
- وأستارُ غَيْب اللّهِ دونَ العواقبِ
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي
- ومن أين والغاياتُ بعد المذاهبِ
ومِنْ نكبةٍ لاقيتُها بعد نكبةٍ
- رَهِبتُ اعتساف الأرضِ ذاتِ المناكبِ
وصبري على الإقتار أيسرُ مَحْملًا
- عليَّ مِنَ التغرير بعد التجاربِ
لقِيتُ من البَرِّ التّباريحَ بعدما
- لقيتُ من البحر ابيضاضَ الذوائبِ
سُقيتُ على ريٍّ به ألفَ مَطْرةٍ
- شُغفتُ لبغضِيها بحبّ المجَادِبِ
ولم أُسْقَها بل ساقَها لمكيدتي
- تَحامُق دهرٍ جَدَّ بي كالمُلاعبِ
إلى اللَّه أشكو سخفَ دهري فإنه
- يُعابثني مذ كنت غيرَ مُطائبِ
أبَى أن يُغيثَ الأرضَ حتى إذا ارتمتْ
- برحلي أتاها بالغُيوثِ السواكبِ
سقى الأرضَ من أجلي فأضحتْ مَزِلَّةً
- تَمايَلُ صاحيها تمايُلَ شاربِ
لتعويقِ سيري أو دحوضِ مَطيَّتي
- وإخصابِ مُزوَّرٍ عن المجد ناكبِ
فملتُ إلى خانٍ مُرثٍّ بناؤُه
- مميلَ غريقِ الثوب لهفانَ لاغِبِ
فلم ألقَ فيه مُستراحًا لمُتعَبٍ
- ولا نُزُلًا أيانَ ذاك لساغِبِ
فما زلتُ في خوفٍ وجوعٍ ووحشةٍ
- وفي سَهَرٍ يستغرقُ الليلَ واصبِ
يؤرِّقني سَقْفٌ كأّنيَ تحته
- من الوكفِ تحت المُدْجِنات الهواضبِ
تراهُ إذا ما الطينُ أثقلَ متنَهُ
- تَصِرُّ نواحيه صريرَ الجنادبِ
وكم خَانِ سَفْرٍ خَانَ فانقضَّ فوقهم
- كما انقضَّ صقرُ الدجنِ فوق الأرانبِ
ولم أنسَ ما لاقيتُ أيامَ صحوِهِ
- من الصّرِّ فيه والثلوج الأشاهبِ
وما زال ضاحِي البَرِّ يضربُ أهلَهُ
- بسوطَيْ عذابٍ جامدٍ بعد ذائبِ
فإن فاته قَطْرٌ وثلج فإنه
- رَهين بسافٍ تارةً أو بحاصبِ
فذاك بلاءُ البرِّ عنديَ شاتياً
- وكم ليَ من صيفٍ به ذي مثالبِ
ألا رُبَّ نارٍ بالفضاء اصطليتُها
- منَ الشَّمسِ يودي لَفْحُهَا بالحواجبِ
إذا ظلتِ البيداءُ تطفو إِكامُها
- وترسُبُ في غَمْرٍ من الآلِ ناضبِ
فدعْ عنك ذكرَ البَرِّ إني رأيتُهُ
- لمن خاف هولَ البحر شَرَّ المَهاربِ
كِلا نُزُلَيْهِ صيفُهُ وشتاؤُهُ
- خلافٌ لما أهواهُ غيرُ مُصاقبِ
لُهاثٌ مُميتٌ تحت بيضاءَ سُخْنَةٍ
- وَرِيٌّ مُفيتٌ تحت أسْحَمَ صائبِ
يجفُّ إذا ما أصبح الرّيقُ عاصبًا
- ويُغدقُ لي والرّيق ليس بعاصبِ
ويمنع منّي الماءَ واللَّوحُ جاهدٌ
- ويُغرِقني والريُّ رَطْبُ المحَالِب
وما زال يَبغيني الحتوفَ مُوارِباً
- يحوم على قتلي وغيرَ مُواربِ
فطورًا يُغاديني بلصٍّ مُصَلِّتٍ
- وطورًا يُمَسّيني بورْدِ الشَّواربِ
إلى أنْ وقاني اللَّه محذورَ شرّهِ
- بعزتِهِ واللَّه أَغلب غالبِ
فأفلتُّ من ذُؤبانهِ وأُسودِهِ
- وحُرَّابِهِ إفلاتَ أَتوب تائبِ
وأما بلاءُ البحر عندي فإنه
- طواني على رَوعٍ منَ الروح واقبِ
ولو ثاب عقلي لم أدعْ ذكرَ بعضهِ
- ولكنه من هولِهِ غيرُ ثائبِ
وَلِمْ لا ولو أُلقيتُ فيه وصخرةً
- لوافيت منه القعرَ أوّلَ راسبِ
ولم أتعلم قط من ذي سباحةٍ
- سوى الغوص والمضعوف غيرُ مغالِب
فأيسرُ إشفاقي من الماء أنني
- أمرُّ به في الكوز مرَّ المُجانبِ
وأخشى الردى منه على كل شاربٍ
- فكيف بأَمْنِيه على نفس راكبِ
أظلُّ إذا هزتهُ ريحٌ ولألأتْ
- له الشمسُ أمواجاً طِوالَ الغواربِ
كأني أرى فيهنّ فُرسانَ بُهمةٍ
- يُليحون نحوي بالسيوف القواضبِ
فإن قُلْتَ لي قد يُركَبُ اليمُّ طامياً
- ودجلةُ عند اليمِّ بعضُ المَذانبِ
فلا عذرَ فيها لامرىءٍ هابَ مثلَها
- وفي اللُّجَّةِ الخضراء عذرٌ لهائبِ
فإنّ احتجاجي عنك ليس بنائمٍ
- وإن بياني ليس عني بعازبِ
لدجلةَ خَبٌّ ليس لليمِّ إنها
- تُرائي بحلمٍ تحته جهلُ واثبِ
تَطامَنُ حتى تطمئنَّ قلوبُنا
- وتغضبُ من مزحِ الرياح اللواعبِ
وأَجرافُها رهْنٌ بكلِّ خيانةٍ
- وغَدْرٍ ففيها كُلُّ عَيْبٍ لِعائبِ
ترانا إذا هاجتْ بها الرِّيحُ هَيْجةً
- نُزَلزَلُ في حَوماتها بالقواربِ
نُوائِلُ من زلزالها محو خسفها
- فلا خيرَ في أوساطها والجوانبِ
زلازلُ موجٍ في غمارٍ زواخرٍ
- وهدَّاتُ خَسْفٍ في شطوطٍ خواربِ
ولليمِّ إعذارٌ بعرضِ متونِهِ
- وما فيه من آذيِّهِ المتراكبِ
ولستَ تراهُ في الرياحِ مزلزلاً
- بما فيه إِلّا في الشداد الغوالبِ
وإنْ خيفَ موجٌ عيذ منه بساحلٍ
- خليٍّ من الأجرافِ ذات الكَباكبِ
ويلفظُ ما فيهِ فليس مُعاجلاً
- غريقًا بغتٍّ يُزهقُ النفسَ كاربِ
يعلِّلُ غرقاهُ إلى أن يُغيثَهم
- بصنعٍ لطيفٍ منه خيرِ مصاحَبِ
فتُلفَى الدلافينُ الكريمُ طباعُها
- هناك رِعالًا عند نَكبِ النواكبِ
مراكبَ للقومِ الذين كبا بهم
- فهم وَسْطه غرقى وهم في مراكبِ
وينقضُ ألواحَ السفينِ فكُلُّها
- مُنَجٍّ لدى نَوْبٍ من الكَسْر نائبِ
وما أنا بالراضي عن البحر مركباً
- ولكنني عارضتُ شَغْبَ المشاغبِ
صدقْتُك عن نفسي وأنت مُراغمي
- وموضعُ سري دون أدنى الأقاربِ
وجرَّبتُ حتى ما أرى الدهرَ مُغرِباً
- عليّ بشيءٍ لم يقعْ في تجاربي
أرى المرءَ مذ يلقى الترابَ بوجهِهِ
- إلى أن يُوارَى فيه رهن النوائبِ
ولو لم يُصَبْ إِلّا بشرخِ شبابِهِ
- لكان قد استوفى جميعَ المصائبِ
ومن صَدَق الأخيارَ داوَوْا سقامَهُ
- بصِحَّةِ آراءٍ ويُمْنِ نَقائبِ
وما زال صدقُ المستشير معاونًا
- على الرأي لُبَّ المستشار المحازِبِ
وأبعدُ أدواءِ الرجالِ ذوي الضّنى
- من البرء داءُ المستطِبِّ المكاذبِ
فلا تنصبنَّ الحربَ لي بملامتي
- وأنت سلاحي في حروب النوائبِ
وأجدى من التعنيف حسنُ معونةٍ
- برأيٍ ولينٍ من خطابِ المخاطبِ
وفي النصح خيرٌ من نصيحٍ مُوادِعٍ
- ولا خيرَ فيهِ من نصيحٍ مُواثبِ
ومثليَ محتاجٌ إلى ذي سماحةٍ
- كريمِ السجايا أريحيِّ الضرائبِ
يلينُ على أهلِ التسحُّب مَسُّهُ
- ويقضي لهم عند اقتراح الرغائبِ
له نائلٌ ما زال طالبَ طالبٍ
- ومرتادَ مرتادٍ وخاطبَ خاطبِ
ألا ماجدُ الأخلاقِ حُرٌّ فَعالُهُ
- تُباري عطاياهُ عطايا السحائبِ
كمثل أبي العباس إنَّ نوالَهُ
- نوال الحيا يسعى إلى كلِّ طالبِ
يُسيِّر نحوي عُرْفَهُ فيزورني
- هنيئًا ولم أركبْ صعابَ المراكبِ
يَسير إلى مُمتاحه فيجودُهُ
- ويكفي أخا الإمحال زَمَّ الركائبِ
ومن يكُ مثلاً للحيا في عُلُوِّهِ
- يكنْ مثلَهُ في جودهِ بالمواهبِ
وإنَّ نِفاري منه وهو يُريغني
- لَشيءٌ لرأي فيه غيرُ مناسبِ
وإن قعودي عنهُ خيفةَ نكبةٍ
- لَلؤمُ مَهَزٍّ وانثناءُ مَضاربِ
أُقرُّ على نفسي بعيبي لأنني
- أرى الصدقَ يمحو بَيّنات المعايبِ
لَؤُمْتُ لَعمر اللَّه فيما أَتيتُهُ
- وإن كنتُ من قومٍ كرام المناصِبِ
لهم حِلْمُ إنسٍ في عَرامة جِنّةٍ
- وبأسُ أُسودٍ في دهاء ثعالبِ
يصولون بالأيدي إذا الحربُ أَعملتْ
- سيوفَ سُريجٍ بعد أرماح زاعبِ
ولا بد من أن يَلؤُم المرءُ نازعاً
- إلى الحَمَأ المسنونِ ضربة لازبِ
فقل لأبي العباس لُقِّيتَ وجهَهُ
- وحَسْبُك مني تلك دعوةَ صاحبِ
أمَا حقُّ حامي عِرض مثلك أن يُرى
- له الرفدُ والترفيهُ أَوْجَبَ واجبِ
أَمِنْ بعدِ ما لم تَرْعَ للمالِ حرمةً
- وأسلمتَهُ للجود غيرَ مُجاذبِ
فأعطيتَ ذا سلمٍ وحربٍ وَوُصلةٍ
- وذنبٍ عطايا أدركتْ كلَّ هاربِ
ولم تُشخِصِ العافين لكنْ أتتهُمُ
- لُهاك جَليباتٍ لأكرمِ جالبِ
عليمًا بأنّ الظَّعْنَ فيه مشقّةٌ
- وأنّ أَمرَّ الربح ربحُ الجلائبِ
تُكلّفني هولَ السِّفارِ وغولَهُ
- رفيقَ شتاءٍ مُقْفعِلَّ الرواجبِ
ولاسيّما حين ارتدى الماءُ كِبْرَهُ
- وشاغَب أنفاسَ الصَّبا والجنائبِ
وهرَّتْ على مُستطرِقي البَرَّ قَرَّةٌ
- يَمسُّ أذاها دونَ لوثِ العصائبِ
كأن تمامَ الودِّ والمدح كلَّهُ
- هُوِيُّ الفتى في البحر أو في السَّباسبِ
لعمري لئن حاسَبْتني في مثوبتي
- بخفضي لقد أجريتَ عادةَ حاسبِ
حَنانَيْك قد أيقنتُ أنك كاتبٌ
- له رتبةٌ تعلو به كلَّ كاتبِ
فدعني من حكمِ الكتابة إنهُ
- عدوٌ لحكم الشعر غيرُ مقارِبِ
وإِلّا فلَم يستعملِ العدلَ جاعلٌ
- أَجَدَّ مُجدٍّ قِرْنَ أَلعبِ لاعبِ
أيعزُبُ عنك الرأيُ في أن تُثيبني
- مقيمًا مصونًا عن عناء المطالبِ
فتُلفى وأُلفَى بين صافي صنيعةٍ
- وصافي ثناءٍ لم يُشَبْ بالمعاتِبِ
وتخرج من أحكام قومٍ تشدّدوا
- فقد جعلوا آلاءهم كالمصائبِ
أيذهبُ هذا عنك يا ابن محمدٍ
- وأنت مَعاذٌ في الأمور الحوازبِ
لك الرأي والجودُ اللذان كلاهما
- زعيمٌ بكشف المطبِقات الكواربِ
وما زلت ذا ضوء نوءٍ لمجدبٍ
- وحيرانَ حتى قيل بعضُ الكواكبِ
تغيث وتَهدي عند جدبٍ وحيرةٍ
- بمحتفل ثَرٍّ وأزهر ثاقِبِ
وأحسُن عرفٍ موقعاً ما تنالُهُ
- يدي وغُرابي بالنوى غيرُ ناعبِ
أراك متى ثَوَّبتني في رفاهةٍ
- زففتَ إليَّ المُلْكَ بين الكتائبِ
وأنت متى ثوَّبتني في مشقّةٍ
- رأيتك في شخصِ المُثيب المعاقِبِ
ولو لم يكن في العرف صافٍ مهنّأٌ
- وذو كَدَرٍ والعرفُ شتَّى المَشاربِ
إذاً لم يقل أعلى النوابغِ رتبةً
- لمِقوَلِ غَسّانِ الملوكِ الأَشايبِ
عليَّ لعمروٍ نعمةٌ بعدَ نعمةٍ
- لوالِده ليستْ بذات عقاربِ
وما عقربٌ أدهَى من البين إنه
- له لَسْعةٌ بين الحشا والترائبِ
ومن أجل ما راعى من البين قوله
- كليني لهمٍّ يا أميمةَ ناصبِ
أبيتَ سوى تكلِيفك العرفَ مُعْفِيًّا
- به صافيًّا من مؤذيات الشوائبِ
بل المجدُ يأبي غيرَ سَوْمِك نفسَهُ
- ورفعِك عن طود المُنيل المحاسبِ
فصبرًا على تحميلك الثِّقلَ كلَّهُ
- وإن عزَّ تحميلُ القرومِ المَصاعبِ
ولا يعجبنَّ الناسُ من سعي متعَبٍ
- مُشيحٍ لجدوى مستريح مُداعبِ
فمن ساد قومًا أوجب الطولُ أن يُرى
- مُجِدّاً لأدناهُمْ وهم في الملاعبِ
ومن لم يزل في مَصْعَدِ المجد راقيًّا
- صعابَ المَراقي نال عُليا المراتبِ
ألم ترني أتعبتُ فكري مُحكِّكًا
- لك الشعرَ كي لا أُبتلى بالمتاعبِ
نَحلتُك حَلْياً من مديحٍ كأنه
- هَوى كلِّ صبٍّ من عِناق الحبائبِ
أنيقًا حقيقًا أن تكون حِقاقُهُ
- من الدرّ لا بل من ثُدِيِّ الكواعبِ
وأنت له أهلٌ فإن تجْزني به
- أزِدْك وإن تُمْسِكْ أقفْ غيرَ عاتِب
فإن سَألتْنِي عنك يوماً عصابةٌ
- شهدتُ على نفسي بسوء المناقبِ
وقلت دعاني للندى فأتيتُهُ
- فأمسكَهُ بل بثَّهُ في المناهبِ
وما احتجزتْ مني لُهاهُ بحاجزٍ
- ولا احتجبتْ عني هناك بحاجبِ
ولكن تَصدَّتْ وانحرفتُ لحرفتي
- ففاءت ولم تظلِم إلى خيرِ واهبِ
وما قلت إلا الحقَّ فيك ولم تزل
- على منهجٍ من سُنّةِ المجد لاحبِ
وإني لأشقَى الناس إن زُرَّ ملبسي
- على إثمِ أفَّاكٍ وحسرةِ خائبِ
وكنتَ الفتى الحرَّ الذي فيه شيمةٌ
- تَشيم عن الأحرار حدَّ المَخالبِ
ولست كمن يعدو وفي كلماتِهِ
- تظلُّمُ مغصوبٍ وعدوانُ غاصبِ
يحاول معروفَ الرجالِ وإن أَبوْا
- تعدَّى على أعراضهم كالمُكالبِ
وأصبح يشكو الناسَ في الشعر جامعاً
- شكايَة مسلوبٍ وتسليطَ سالبِ
فلا تَحرمنّي كي تُجِدَّ عجيبةً
- لقومٍ فحسبُ الناس ماضي العجائبِ
ولا تنتقصْ من قدر حظّي إقامتي
- سألتك بالداعين بين الأَخاشبِ
وما اعتقلتني رغبةٌ عنك يَمَّمت
- سواك ولكن أيُّ رهبة راهبِ
كأني أرى بالظعن طعنَ مُطاعِنٍ
- وبالضرب في الأقطار ضربَ مضاربِ
وليس جزائي أن أَخيب لأنني
- جَبُنْتُ ولم أُخْلَق عتادَ مُحارِبِ
يُطَالبُ بالإقدام من عُدَّ مُحْرَباً
- وسُمِّي مذ ناغى بقودِ المَقانبِ
ولم يمشِ قيدَ الشبرِ إلا وفوقه
- عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائبِ
فأمَّا فتىً ذو حكمةٍ وبلاغةٍ
- فطالبْهُ بالتسديد وسط المَخاطبِ
أَثبني ورَفِّهني وأَجزلْ مثوبتي
- وثابرْ على إدرارِ بِرِّي وواظبِ
لتأتيني جدواك وهي سليمةٌ
- من العيب ما فيها اعتلالٌ لعائبِ
أثقِّلُ إدلالي لتحملَ ثِقْلَهُ
- بطوع المُراضي لا بكرهِ المغاضبِ
وما طلبُ الرِّفْد الهَنيء ببدعةٍ
- ولا عجبُ المُسترفدِيهِ بعاجبِ
وذاك مَزيدٌ في معاليك كلُّهُ
- وفي صدقِ هاتيك القوافي السواربِ
وما حَقُّ باغيك المزيدَ انتقاصُهُ
- ولاسيما والمالُ جَمُّ الحلائبِ
وأنت الذي يضحي وأدنى عطائِهِ
- بلوغُ الأماني بل قضاءُ المآربِ
وتوزَنُ بالأموال آمالُ وفدِهِ
- وإرفادُ قومٍ بالظنون الكواذبِ
أقمتُ لكي تزدادَ نعماك نعمةً
- وتَغْنَى بوجهٍ ناضرٍ غيرِ شاحبِ
وكي لا يقولَ القائلون أثابَهُ
- وعاقَبَهُ والقولُ جَمَّ المَشاعِبِ
وصَوْني عن التهجين عُرفَك موجِبٌ
- مَزيدَك لي في الرفد يا ابن المَرازِبِ
بوجهك أضحى كلُّ شيءٍ منورًا
- وأبرزَ وجهاً ضاحكاً غيرَ قاطبِ
فلا تبتذلْهُ في المَغاضب ظالمًا
- فلم تؤتَ وجهاً مثله للمغاضبِ
نشرت على الدنيا شعاعًا أضاءها
- وكانت ظلامًا مُدلهِمَّ الغياهبِ
كأنك تلقاءَ الخليقةِ كلّها
- مشارقُ شمسٍ أشرقتْ لمغاربِ
لِيَهنِ فتىً أطراك أنْ نال سُؤْلَهُ
- لديك وأنْ لم يحتقِب وِزْرَ كاذبِ
رضا اللّهِ في تلك الحقائب والغنى
- جميعًا ألا فوزًا لتلك الحقائبِ
كأني أراني قائلًا إنْ أعانني
- نداك على ريب الخطوب الروائبِ
جُزيتَ العلا من مستغاثٍ أجابني
- جوابَ ضَحوكِ البرقِ داني الهيادبِ
وفي مُستماحي العرفِ بارقُ خُلَّبٍ
- ولامعُ رقراقٍ ونارُ حُباحبِ
تسحّبتُ في شعري ولان لجلدتي
- ثراه فما استخشنتُ مسَّ المسَاحبِ
وليس عجيباً أن ينوبَ تكرُّمٌ
- غذيتُ به عن آمِلٍ لك غائبِ
أقمْهُ مُقامي ناطقًا بمدائحي
- لديك وقد صدّرتها بالمنَاسبِ
ذماميَ تَرْعَى لا ذمامَ سفينة
- وحَقِّيَ لا حقَّ القِلاصِ الذَّعالبِ
وفي الناس أيقاظٌ لكل كريمةٍ
- كأنهمُ العِقبانُ فوقَ المَراقبِ
يُراعون أمثالي فيستنقذونهم
- وهم في كروبٍ جمّةٍ وذَباذبِ
إلى اللَّه أشكو غُمّةً لا صباحُها
- يُنير ولا تنجاب عني بجائب
نُشوبَ الشَّجا في الحلق لا هو سائغ
- ولا هو ملفوظ كذا كلُّ ناشِب
قصائد أخرى لابن الرومي
يُمكن الاطلاع على القصائد الأخرى الخاصة لابن الرومي على النحو الآتي:
أبيات مُختارة من قصيدة يا أخي أين ريع ذاك اللقاء
يا أخي أين رَيْعُ ذاك اللِّقاءِ
- أين ما كان بيننا من صفاءِ
أين مصداقُ شاهدٍ كان يحكي
- أنك المخلصُ الصحيحُ الإخاءِ
شاهدٌ ما رأيت فعلك إلا
- غير ما شاهدٍ له بالذكاءِ
كشفَتْ منك حاجتي هَنواتٍ
- غُطِّيتْ برهةً بحسن اللقاءِ
تركتْني ولم أكن سَيِّئَ الظن
- نِ أسيءُ الظنونَ بالأصدقاءِ
قلت لمّا بدتْ لعينيَ شُنْعاً
- رُبَّ شوهاءَ في حَشا حسناءِ
أبيات مُختارة من قصيدة قد قلت للعذال عند تتبعي
قد قلت للعذَّالِ عند تَتَبُّعي
- بالقصِّ شيباً كلَّ يوم يَحدثُ
كثر الخبيثُ من النبات فهُذِّبتْ
- منه الأَطايبُ وهي بعدُ ستَخبُثُ
وإخال أنِّي للخضاب محالفٌ
- وَهُوَ المحالف لا محالَةَ ينكثُ
أضحى الزمانُ بلمتي مُتَعَبِّثاً
- وأمامَ أحداثِ الزمان تَعَبُّثُ
ولما كُرِثْتُ لأن شَيْبيَ شائعٌ
- لكنَّ ما يَجْنِي ويُعقِبُ يُكْرِثُ
قصيدة يا للرجال توسموا وتبينوا
يا لَلرجالِ توسّموا وتبيَّنوا
- في خالدٍ شبهًا منَ الحجاجِ
إغضاؤُهُ عمَّن يُقرُّ بذنبه
- وحلول نقمته بكلِّ مُداجي
رجل يحب الصادقين لصدقهم
- والصدقُ أفضل نَجوةٍ للناجي
صَدقَتْهُ أمُّ عياله عمّا بها
- من شهوة الإِيلاج والإِخراجِ
فأباحها شهواتِها وأَجَرَّها
- حبلَ السِّفاح كأكرم الأزواجِ