محتويات
مفهوم الألوان
إنَّ كلمة الألوان في اللغة العربية هي الجمع من كلمة لون، ولون الشيء هو صفته وماهيَّته من البياض أو السواد أو الحمرة أو الصفرة أو غيرها، وأمَّا اللون الأساسي فهو الذي يندرج منه ألوانٌ أخرى ويُعد الأزرق والأحمر والأخضر من الألوان الأساسيَّة الرئيسة التي تتفرع عنها باقي الألوان، ويُقال هذا الرَّجل لوَّن شيئًا أي جعله ذا لونٍ مُعيَّن، واللون لا يُدرك أو يُميَّز إلا من خلال النَّظر قال تعالى في سورة فاطر: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}[١] ويُقال عن الرَّجل ذو لونين إذا كان منافقًا، فالألوان هي علمٌ بحدِّ ذاته قائمٌ بنفسه لا بدَّ من الوقوف عليه في ظلِّ القرآن الكريم، ومعرفة دلالات الألوان التي وردت في كتاب الله سبحانه؛ لذلك سيتمُّ الحديث في الفقرة القادمة عن دلالات الألوان في القرآن الكريم.[٢]
دلالات الألوان في القرآن الكريم
إنَّ اللون هو واحدٌ من أهمِّ وسائل التَّعبير سواءٌ كان ذلك في القرآن الكريم أو في الحياة عامة، على أنَّه في القرآن الكريم أعلى وأجل ويُؤدي العديد من الوظائف البلاغيَّة إلى جانب الحلية اللفظية التي يُضفيها على النَّص، وقد تبيَّن بالوقوف على دلالات الألوان المختلفة في القرآن الكريم أثرها في تأدية المعنى المطلوب بأدق صورة، فكلُّ لونٍ يخدم التعبير الذي أُريدَ منه وفق ما هو مرادٌ في السياق، ولا يُمكن استقراء الدلالات إلا من خلال تحليلها تحليلًا دقيقًا تتضافر فيه العلوم اللغوية والنفسية والطبية وغيرها،[٣] ولذلك كان لا بدَّ من مقالٍ يتمُّ فيه الحديث بالتَّفصيل عن دلالات الألوان في القرآن الكريم:
اللون الأبيض
إنَّ اللون في كتاب الله لا يختصُّ دائمًا بوصفٍ واحدٍ فتتغير دلالاته ومعانيه تبعًا للسياق الذي ذُكر فيه، فاللون الأبيض مثلًا قد ذُكر لأكثر من دلالةٍ في آيات الله، فأمَّا في سياق المُعجزات فقد ذُكر اللون الأبيض عندما أرسل الله موسى متحدِّيًا فرعون بمعجزاتٍ من بينها أن يُدخل موسى يده في جيبه ومن ثم يُخرجها لتكون بيضاء خاليةً من أيِّ عيبٍ أو سوء قال تعالى في سورة الأعراف: {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ}[٤] وأمَّا في سياقٍ آخر فيكون تعبيرًا عن عمى يعقوب -عليه السلام- لما قاساه من فراق يوسف قال تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}[٥] إذ اختار الله اللون الأبيض في هذه الحالة كأنسبِ لونٍ للتعبير عن السكون والثبات والصمت في حالة الحزن والأسى التي يمرُّ بها يعقوب، وأمَّا في موضعٍ آخر فقد كان اللون الأبيض رمزًا للصفاء والجمال واللذة عندما وصف الله به خمرة أهل الجنة وهي واحدةٌ من اللذات التي وعد الله بها عباده المتقين قال تعالى: {بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ}[٦] وفي الحديث عن أهل الجنَّة وأحوالهم وما أعدَّه الله لهم من الحوريات ذات اللون الأبيض النَّاصع الذي دلَّ على أعلى مراتب الجمال لهنّ قال تعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ}[٧] وبذلك تنوَّعت دلالات اللون الأبيض حسب السياق القرآني،[٨] وقد كان لأهل العلم اختلافهم في مسألة دلالة اللون الأبيض واللون الأسود فيما إذا كان قد أُريد بذلك اللون حقيقته وصفته أم هناك شيءٌ فوق الحقيقة فأمَّا في قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[٩] رأيان، فذهب الرأي الأوَّل أنَّ البياض المُراد به في هذه الآية هو الاستبشار وإشراق الوجه للظفر بما وعدهم الله به، واسوداده هو علامةٌ على الأسى والحزن الذي ظهر على وجوههم لما سيصير أمرهم من العذاب والعقاب، وأمَّا الرَّأي الثاني فقال إنَّه أُريد بالبياض والسواد حقيقتهما وهما النور والظلمة.[١٠]
اللون الأسود
وأمَّا دلالة اللون الأسود في القرآن الكريم فهي مختلفةٌ حسب سياقها شأنها في ذلك شأن دلالة اللون الأبيض، وقد ورد اللون الأسود في إحدى آيات كتابه سبحانه للدلالة على الكراهية وهذا ما بيَّنه تعالى في قوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}[١١] إذ استُخدم اللون الأسود لبيان الحالة النفسية لأهل الجاهلية المفعمة بالسواد والأسى لشدة كرههم بالمولودة الأنثى وكأنَّ ذلك السواد صار ملتَمسًا في الوجوه، وأمَّا ما جاء أيضًا من دلالات اللون الأسود فكان وصفًا لوجوه المشركين والكافرين الذين وعدهم الله بالعذاب الأليم قال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ}[١٢] وقد يأتي اللون الأسود للدلالة على ظلام الليل وشدة سواد قال تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[١٣] وفي ذلك تبيينٌ لدلالات اللون الأسود في القرآن الكريم.[٨]
اللون الأخضر
وأمَّا اللون الأخضر فهو اللون الذي وصف الله فيه لباس أهل الجنة وفرشهم، وهو لون السَّعادة والجمال والسلام قال تعالى فيسورة الكهف: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْانْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}[١٤] وهو بذلك لون الاستقرار والسلام والهدوء،[١٥] واللون الأخضر هو لون الحياة والتجدد والحيوية وقد برز ذلك في التَّعبير عن السنابل الخضر الذين ذكروا فيسورة يوسف بقوله تعالى: {وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}[١٦] وبذلك فإنَّ اللون الأخضر هو من أكثر الألوان الإيجابية المُفرحة للنفس.[٨]
اللون الأحمر
وأمَّا اللون الأحمر فهو أقلُّ الألوان ذكرًا في كتاب الله تعالى، فلم يرد إلا مرةً واحدة في سورة فاطر عند توبيخ الله للكفار الذين كفروا بآلاء الله وكذبوا رسله، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ}[١٧] وفي الآية حديثٌ عن عظمة الله وقدرته من خلال ذكر مخلوقاته من الجبال والصخور وألوانها وأنواعها ووصفها بشكلٍ دقيق.[٨]
اللون الأزرق
وأمَّا اللون الأزرق فإنَّ شأنه من الألوان شأن اللون الأحمر من حيث ندرة الورود في كتاب الله، إذ لم يرد إلا مرَّةً واحدة في الحديث عن أحوال البعث والنشور قال تعالى في سورة طه: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}[١٨] واختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية فمنهم من ذهب إلى أنَّهم يُحشرون وعيونهم زرقاء، ومنهم من ذهب إلى أنَّ وجوههم ستكون زرقاء.[٨]
اللون الأصفر
وقد تبيَّن من خلال الوقوف على العديد من الآيات التي ذكر فيها اللون الأصفر أنَّه مختلف الدلالة بشكلٍ كبيرٍ حسب السياق فأمَّا في قوله تعالى: {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}[١٩] فقد ورد اللون الأصفر في الآية السابقة للدلالة على الجمال؛ لأنَّ ذلك اللون على البقرة سيُبهر النَّاظرين، وقد ذهب العديد من المفسرين إلى أنَّ اللون الأصفر هو أحد الألوان التي تبعث سرورًا في النفس والقلب، وأمَّا في مواقع أخرى فقد ذُكر لوصف جهنم قال تعالى: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ}[٢٠] وقد ذُكر الأصفر في موقعٍ آخر للدلالة على إحياء الأرض بعد موتها قال تعالى في سورة الزمر: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ}[٢١] وفي ذلك تبيينٌ لدلالات الألوان في القرآن الكريم، والله في ذلك هو أعلى وأعلم.[٨]
المراجع
- ↑ سورة فاطر، آية:28
- ↑ "تعريف و معنى لون في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ "الألوان في القرآن بلاغةٌ وبيان"، www.researchgate.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:108
- ↑ سورة يوسف، آية:84
- ↑ سورة الصافات، آية:46
- ↑ سورة الصافات، آية:49
- ^ أ ب ت ث ج ح "ما صحة ما ورد في موضوع : الألوان التي ورد ذكرها في القرآن الكريم"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:106
- ↑ "البياض والسواد في القرآن الكريم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية:58
- ↑ سورة الزمر، آية:60
- ↑ سورة البقرة، آية:187
- ↑ سورة الكهف، آية:31
- ↑ " اللون الاخضر في القران الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18.
- ↑ سورة يوسف، آية:46
- ↑ سورة فاطر، آية:27
- ↑ سورة طه، آية:102
- ↑ سورة البقرة، آية:69
- ↑ سورة المرسلات، آية:33
- ↑ سورة الزمر، آية:21