محتويات
أصل المرابطين
ينحدرُ المرابطون من سلالة بربرية من الأمازيغ؛ حيث يرجع أصلهم إلى قبائل المغرب البربرية التي تبعت، وناصرت الحركة الإصلاحية التي أسسها عبد الله بن ياسين متأثرا بأفكار الشيخ يحيى بن إبراهيم؛ فقد قاد عبد الله بن ياسين الحركة الجهادية التي نشرت الدعوة الإسلامية على امتداد المناطق الواقعة غربي إفريقيا من موريتانيا إلى غانا، وصولًا إلى باقي مناطق الصحراء الغربية، وتاليًا ذكر لتاريخ دولة المرابطين في المغرب والأندلس، والتي استمرت بين 448 - 541 هـ، و1056 - 1147م.[١]
نشأة المرابطين وبداياتهم
اتّحدت قبائل صنهاجة ولمتونة ومسوفة وجدالة البربرية في بدايات القرن الخامس الهجري تحت قيادة زعيمهم تارسينا الصنهاجي المسلم، الذي تشبّع بروح الإصلاح والجهاد، وقاموا لمواجهة خطر امبراطورية غانا التي تسلّطت على مناطق شاسعة من الصحراء فخاضوا ضدّها المعارك الدامية، التي راح ضحيتها تارسينا نفسه سنة 413هـ، 1023م، فخلفه زوج ابنته يحيى بن إبراهيم شيخ قبيلة جدالة ليكمل رسالته، فأخذ يبحث عمّن يشاركه حمل أعباء الدّعوة الإصلاحية، حيث وقع اختياره على عبدالله بن ياسين الجزلي، الذي فشل في دعوة الملثّمين المنتشرين في الصحراء، فلجأ إلى رباط السنغال، وإلى هذا الرباط ترجع تسمية المرابطين، حيث ربّى عبد الله بن ياسين جماعة جهادية اعتمد رجالها على أنفسهم في الحصول على كل شيء من خلال الصيد في البرّ والبحر، والاكتفاء بالقليل من الطعام، فكانت حياتهم بسيطة لا يبتغون غير الدار الآخرة.[٢]
وقد تمخّضت جهودهم عن إسلام شعوب غرب إفريقية؛ كقبائل التكرور وقبائل الفلوبي والماندنجو والولوف، وقويت شوكة هذه الجماعة شيئًا فشيئًا؛ حتى كوّنت النواة الأولى لدولة المرابطين، وفي عام 447 هـ 1055م تمكن المرابطون من فتح مدينة أودغست الصحراوية الأمر الذي مهّد لهم عملية السيطرة على مناطق واسعة؛ لتبدأ ملامح دولة المرابطين بشكل واضح مع بداية عام 448هـ 1056م.[٢]
دولة المرابطين في المغرب والأندلس
قتل عبد الله بن ياسين في إحدى المعارك عام 451هـ، 1059م، فخلفه الشيخ يحيى بن عمر، ثم قاد الدولة بعد ذلك أبو بكر بن عمر، فاختار ابن عمه يوسف بن تاشفين ليكون ساعده القوي في تحقيق المبادئ التي انطلقت من رباط السنغال، وسلّمه بلاد المغرب في الشمال، فيما اتسع هو في رقعة الجهاد جنوبًا مسيطرًا على عاصمة غانا حتى امتدت دولة المرابطين ناشرة الإسلام إلى حدود الغابات الإفريقية.[٣]
أما يوسف بن تاشفين، فقد أظهر إدارة سياسية بالغة الحكمة بالإضافة إلى جهاده الذي لم يتوقف على مدّ البلاد في الشمال، فبنى مدينة مراكش، واستولى على مدينة فاس، وسرعان ما انتقل ابن تاشفين بالدولة من فكر المجتمع الصحراوي إلى عهد الدولة الملتفة حول هدف الجهاد، فسيطر على طنجة وسبتة، ثم انتصر على جيش تلمسان ليحوز بعد ذلك وهران وتنس وجبال وانشريش ووادي الشلف، حتى دخل مدينة الجزائر وبنى فيها مسجدًا يسمى إلى اليوم بالجّامع الكبير.[٣]
وفي عام 479 هـ استجاب يوسف بن تاشفين لاستنجاد المعتمد بن عباد أحد ملوك الطوائف الذي طلب النّصرة من المرابطين ضد جيوش الملك ألفونسو السادس ملك قشتالة الذي استغل اضطراب الأوضاع السياسية في الأندلس بعد انهيار الخلافة الأموية فيها وانشغال ملوك الطوائف بالتناحر على المدن والممالك التي بحوزة المسلمين تاركين عدوهم يتوسع في البلاد مسيطرا على المدن والقلاع واحدة تلو الأخرى، وفي الأندلس جرى يوسف بن تاشفين على عادته في الدهاء العسكري، فحقق النّصر على جيوش ألفونسو في معركة الزّلّاقة، فوضع حدا لامتداد الإسبان ثم عاد إلى المغرب تاركًا غنائم المعركة لملوك الطوائف بعد أن استناب أحد قواده على فرقة من ثلاثة آلاف مقاتل.[٣]
لكن ألفونسو الذي أصيب في معركة الزلاقة إصابة بالغة في فخذه عاد لقتال ملوك الطوائف، فعبر المعتمد بن عباد إلى المغرب وطلب النجدة مرة ثانية من المرابطين، فأغاثه يوسف بن تاشفين، وخرج على رأس الجيش، فلم يناصره في الأندلس هذه المرّة غير المعتمد صاحب أشبيلية، وابن عبد العزيز صاحب مرسية، وبعد أن تمكنوا مجتمعين من صد غارات ألفونسو عاد يوسف بن تاشفين إلى المغرب، وفي عام 483 هـ عبر يوسف بن تاشفين بجيش المرابطين، ولكن هذه المرة دون طلب نجدة من ملوك الطوائف، ولذلك لم يناصره أحد منهم في حصار طليطلة التي عسكر بها ألفونسو، فلم يتمكن من فتحها، وفكّ عنها الحصار، وعاد ليسيطر على مدينة غرناطة، ويجعلها قاعدة لدولة المرابطين في الأندلس لمواجهة ألفونسوا وجيوشه، ثم عاد هو إلى المغرب بعد أن أمرواليه سيرى بن أبي بكر بإخضاع جميع المدن والممالك في الأندلس لحكم دولة المرابطين، وهذا ما تحقق فعلًا في السنوات اللّاحقة.[١]
نهاية المرابطين وسقوط دولتهم
توفّي يوسف بن تاشفين سنة 500 هـ، فتولى أمر الحكم من بعده ابنه علي فسار في البداية على نهج أبيه، ثم بدأ الضعف يتسرّب إلى الدولة في السنوات الأخيرة من حكمه لأسباب عديدة من أهمها سيطرة طبقة من فقهاء المذهب المالكي، وفرض آرائهم المتعصبة على المجتمع، إضافة إلى ركون العديد من أمراء المرابطين في نهاية عهد علي بن يوسف إلى الدّعة والانغماس في الشّهوات متأثرين بالمجتمع الأندلسي حتى بدأ ظهور السفور والاختلاط، كما أن الأزمة الاقتصادية التي حلّت ببلاد المغرب والأندلس بسبب موجة الجفاف وانقطاع الغيث ما بين 524 و530 هـ، أثّرت بشكل كبيرة على الدولة وحياة الناس فيها، وسببت ضعف الموارد وانتشار الأمراض.[٤]
ثمّ تجلى الضعف بعد وفاة علي بن يوسف؛ حيث وقع التنازع بين الأمراء بدلًا من الشورى فيما بينهم، فعانت الدولة من التّمزق وعمّت الثورات في مدن الأندلس، وعلى رأسها قرطبة، وكذلك في مدينة فاس في المغرب، فانهارت هيبة الدولة، ولم يبقى من يدافع عن الحدود في مواجهة جيوش دعوة الموحدين، التي سرعان ما انتصرت وتقدمت وسيطرت على أراضي دولة المرابطين في المغرب والأندلس.[٤]
دولة المرابطين في ميزان التاريخ
دوّن التاريخ أن دولة المرابطين في المغرب والأندلس كانت إحدى أعظم الدول الإسلامية، فقد قامت على مبادئ إسلامية منذ نشأتها، وصبرت على نشر الدعوة والجهاد في سبيل الأمة، فكان من أثرها أن دخل عدد كبير من قبائل إفريقيا في الإسلامية، كما ارتبط تاريخها بمعركة الزلّاقة التي كانت سببًا أساسيا في استمرار الوجود الإسلامية في الأندلس لأربعة قرون أخرى.[٥]
وقد خلّفت دولة المرابطين في المغرب والأندلس آثارًا عمرانية خالدة إلى هذا اليوم من أبرزها التوسعة الكبرى لجامع القرويين لجعله جامعة لمختلف العلوم على عهد علي بن يوسف الذي بنى أيضًا المسجد الجامع في تلمسان وفق هندسة معمارية غاية في الجمال والإتقان، فضلًا عن آثارهم الحربية من قلاع وحصون من أهمها قلعة منقوط في بساتين مرسية في الأندلس، وقلعة تاسغيموت بالقرب من مراكش والعديد من الثغور على المساحات الواسعة التي امتدت علها دولة المرابطين.[٥]
المراجع
- ^ أ ب "مرابطون"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 16-07-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "المرابطون في المغرب نموذج رائع للإخلاص للإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-07-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت الدكتور علي محمد الصّلّابي (2009م)، تاريخ دولتي المرابطين والموحدين في الشمال الإفريقي (الطبعة الثالثة)، بيروت-لبنان: دار المعرفة، صفحة 72. بتصرّف.
- ^ أ ب "أسباب سقوط دولة المرابطين"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-07-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "من آثار المرابطين المعمارية في المغرب والأندلس"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-07-2019. بتصرّف.