الذنوب
لا شكَّ أنّ العبد مهما بلغ من الطاعة والقرب من الله تعالى، لا بُدّ له أن يقع في الذنوب، وهذه هي حال البشر عمومًا، ولكن الذي ينبغي على المسلم الصادق فعله؛ أن يُبادر بالتوبة والاستغفار، وترك ما فعله من الذنوب، وعدم الإصرار عليه، فمن فعل ذلك أثبت حقيقته الآدمية من الخطأ والتوبة، فحال العبودية الدائم هو حال الملائكة فقط، كما أنّ حال العصيان الدائم هو حال الشياطين، ومن مال به الحال إلى أحد هذين الأمرين اتّخذ جانبًا أقرب إلى صفة أصحاب ذلك الجانب، فمن كانت طاعته طاغيةٌ على معاصيه؛ كان أقرب للملائكة، ومن كانت معاصيه طاغية على طاعته فقربه إلى الشياطين أكبر، وفي هذا المقال بيان ذنوب الخلوات وطرق التخلص منها.[١]
ذنوب الخلوات وطرق التخلص منها
يتسائل الكثير من الناس عن الأمور التي تُذهب الحسنات؛ ومنها ذنوب الخلوات وطرق التخلص منها، وفي هذه الفقرة بيان بعض ذنوب الخلوات وأثرها على العبد وطرق الخلاص منها:[٢]
- ما يرد على المرء من تخيُّلات وخواطر وحديث نفسٍ في الأصل أنّه معفيٌ عنه؛ ما لم يستمر عليه صاحبه ويستقرَّ في النفس، حتى إن تضمن ذلك تخيلاتٍ جنسية، ما دام أنّ العبد يسعى جاهدًا إلى مدافعتها، وعدم الاستمرار فيها، أمّا إن استرسل معها، وأضاف إليها أخرى من خلال استدعائها، وإمعان التفكُّر فيها؛ فإنّه يكون آثمًا، وسيصل بالنتيجة إلى الحرام.
- التحاسد بين الناس، فالحسد من الأخلاق المذمومة التي ينبغي على المسلم الابتعاد عنها ما أمكنه، ويعني الحسد أن يتمنى شخصٌ أن تزول النعمة عن غيره من الناس، أو كراهية ما بلَّغهم الله إياه من النِّعم الظاهرة.
- إظهار العبد الصلاح والتقى؛ فإذا خلا بمحارم الله انتهكها، وقد مرَّ بيان هذه الذنوب وخطرها في الحديث النبوي، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا".[٣]
أما طريقة التَّخلص من ذنوب الخلوات فهي عديدةٌ أهمها: أن يحذر العبد من استمراء الذنب والتمادي فيه، فإنّ العبد إذا استمرأ في الذنب يكون قد بارز الله بالمعاصي، ومبارزة العبد لخالقه من خلال عصيانه تجعله يسقط من عين الله، كما يجب على المسلم أن يُصلح حاله مع الله في السرِّ قبل العلانية؛ لأنّ ذلك دليل الصلاح والتقى، مع التَّنبه إلى أنّ المقصود بذلك لا ينطبق على كلِّ معصيةٍ تقع في السر، فبعض صغائر الذنوب يقع فيها جميع الناس فكلُّ ابن آدم خطّاء، ولكن يُقصد بهذا تحديدًا أهل النفاق والرياء الذين يظهرون للناس الصلاح والتقوى، فإن ابتعد عنهم الناس أو ابتعدوا عنهم؛ أظهروا ما يُبطنون من انتهاك حرمات الله ومبارزة الله بالمعاصي.[٢]
مساوئ ذنوب الخلوات
إنّ لذنوب الخلوات مساوئ كثيرة لا يمكن حصرها، ولكن بعضها ظاهرٌ جلي، ومن بعض مساوئ ذنوب الخلوات التي ذكرها العلماء: أن لا يكون العبد كامل العبودية لله، فمن استوت سريرته وعلانيته كان كامل العبودية، ومن لم تستوِ سريرته وعلانيته كان نصف عبد، كما أنّ المؤمنين ينفرون من العبد الذي يُعرف في باطنه بالفساد وذلك بترتيبٍ رباني؛ فإنّ العبد إن أخفى معصيةً فإنّ الله سيظهرها في قسمات وجهه وملامحه، وما أخفى العبد طاعةً إلّا ظهرت عليه كذلك، وبناءً عليه يُحبه الناس أو يبغضونه، والخلوة بمثابة اختبارٍ من الله لعبده؛ فمن صلُح عمله في خلوته في الدنيا، ظهرت له نتيجة صدقه مع الله في خلوته يوم القيامة، حيث قال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}.[٤][٥]
وإنّ من أهمُّ مساوئ ذنوب الخلوات أنّها تنسف حسنات المسلم في الملأ، فبعد أن يجتهد العبد في الطاعة ليجني الحسنات تأتي ذنوب الخلوات فتنسفها، وهي كذلك توصل إلى سوء الخاتمة لمن استمرَّ على هذه الحال حتى ينتهي أجله، والذي ينبغي أن يتنبَّه له المسلم أنّ ذنوبه وأعماله ستُعرض عليه يوم القيامة كما فعلها، فليخجل من عرض ذنوبه في الخلاء أمام ملك الملوك بل أمام الناس وعلى أعينهم في موقفٍ هو أحوج فيه إلى الحسنة.[٥]
المراجع
- ↑ "بيان أقسام الذنوب"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-2-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب "ما هي ذنوب الخلوات"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 16-2-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجة، عن ثوبان مولى رسول الله، الصفحة أو الرقم: 3442، حديث صحيح.
- ↑ سورة الطارق، آية: 9.
- ^ أ ب "ذنوب الخلوات"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-2-2020. بتصرّف.