رجع بخفي حنين

كتابة:
رجع بخفي حنين

كثيرًا ما نسمع المثل الذي يتردد على ألسنة الكثيرين حين يقولون: "رجع بخُفيّ حُنين" والحقيقة أن هذه العبارة التي تدل على الإخفاق والفشل في محاولةٍ ما لها قصة واقية حصلت في زمن من الأزمان.

والقصة هي أن رجلا كان يُدعى حُنين يعمل مصلحًا وصانعًا للأحذية في مدينة الحيرة بالعراق، وكان مشهورًا بصناعته وإتقانه وخبرته بها، وفي يوم من الأيام مر أمام دكانه أعرابي يركب على بعير، فأناخ بعيره جوار الدكان ودخل إلى حُنينٍ يسأله وينظر للأحذية التي يصنعها ويدقق فيها، وقد أعجبه أحد هذه الأحذية فسأل عن السعر وبدأ بالجدال والمساومة حول السعر كأنه يريد أن يشتريه، وبعد طول جدال أخذ الكثير من وقت حُنين اتفق معه على سعر وإذا بالأعرابي يترك الدكان ولم يأخذ الحذاء ولم يشتريه ولم يُعِر حُنين أي اهتمام، فسبب هذا التصرف لحُنين الغضب لأن هذا الأعرابي أخذ منه الكثير من الوقت وعطّله عن عمله وعن زبائنه الذي رأوه منشغلًا به عنهم فانصرفوا عنه، فخسر زبائن اليوم ولم يبع الأعرابي شيء؛ لذلك أراد أن ينتقم من تصرف الأعرابي وأن يفرّغ غضبه بطريقة انتقاميّة، فراح يلحق به وسلك طريقًا جانبيًا أسرع من الطريق الذي سلكه الأعرابي فأصبح أمامه بمسافةٍ، وأخذ الخُفين ووضع أحدهما على الطريق، وعلى بعد أمتارٍ منه وضع الحذاء الثاني واختبأ في مكانٍ يراقب منه الأعرابي عندما يصل لهذه المنطقة.

وعندما وصل الأعرابي ووجد الحذاء، قال ما أشبهه بخفي حُنين، لكن هذا حذاء واحد فلو كان الثاني معه لأخذته، فتركه وسار في طريقه، وبعد مسافةٍ وجد الحذاء الثاني، وقال كأنه هذا وذاك خفي حُنين، فأخذ الثانية ورجع للأولى كي يلتقطها، وترك دابته مكان الحذاء الأول، وهنا كان حُنين يتربّص به فلما ترك دابته ورجع للحذاء الأول، أخذ حنين دابته وهرب بها، وعندما عاد الأعرابي لمكان الدابة لم يجدها وعاد إلى أهله فارغ اليدين وقد كان عائدًا من السفر محملًا بالأغراض والهدايا، فسأله أهله ماذا أحضرت لنا، فقال أحضرت لكم خُفيّ حُنين.

ويقال هذا المثل في كثيرٍ من الأحيان، حين يذهب شخص ما لعملٍ أو لمقابلةٍ أو لإجراء حدثٍ ما، أو لشراء شيءٍ ويعود كما ذهب وأقل من ذلك، كأن يذهب لشراء شيء كبير فيعود بشراء أشياء تافهة وصغيرة بسعر الشيء الكبير، فهو في الواقع عاد بخُفيّ حُنين.

وخفي حُنين دليلُ الإخفاق، لكنّها قبل ذلك دليلُ بعض من التهاون وسوء الإدارة وسوء التصرف الذي يودي بالشخص إلى أخفاقاته التي تُرجعه لنقطة الصفر وبلا أي نقطةٍ زيادة على رصيد أعماله وإنجازاته.

وأيضًا خفي حُنين دليل اليأس وعدم القدرة على المحاولة وفقدان الأمل، فلو بحث الأعرابي حوله عن دابته لوجدها، ولاستطاع أن يلحق بحُنين، ولكنّه يئس بمجرد أنه لم يرى دابته في مكانها التي تركها فيها.

3818 مشاهدة
للأعلى للسفل
×