رسالة شكر للمعلم
إلى الضوءِ والشمعة، وإلى المربّي العظيم، إليه وهو يلقّنُ الأجيال حكمة السنين الطويلة، مختصرًا عليهم آلاف الأميال وشارحًا لهم تجاربهُ الطويلة مع الحياة، رسالة شكر للمعلم أبعثُها معطّرة بالحب والأمل والجدّ والعمل، وبكلّ القيم الإنسانية التي أهداها للأجيال جيلًا وراء جيل.
إلى الذي كتبَ عنه الشعراء، وأبدع عنه الروائيّون والكتّاب، والذي يحملُ على عاتقِهِ مسؤوليّة أخلاق الأمة، وأفعالِها وتصرفاتِها، ويحمل مسؤولية تعليمِ أبنائها، إليه وهو يحاولُ بوقتِه وجهدِهِ وعرقِهِ بناء مجتمع الفضيلة القائم على العلم والمعرفة، إليه وهو أهلٌ لكل احترام وتقدير، وهو أهلٌ لما قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدتِه التي قال بها:
قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يبني وينشئُ أنفـسًا وعقولا؟
سـبحانكَ اللهمَّ خـيرَ معـلّمٍ علَّمتَ بالقلمِ القـرونَ الأولى
أخرجـتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ وهديتَهُ النـورَ المبينَ سـبيلا
وطبعتَـهُ بِيَدِ المعلّـمِ، تـارةً صدئِ الحديدِ، وتارةً مصقولا
رحمَ الله القائل: "من علَّمني حرفًا، كنتُ له عبدًا"، فمسيرةُ هذه الحياة قائمة على الكشف والمعرفة التي لا تنتهي، وقائمة على أنْ يتعلّم الإنسان في كل ساعة شيئًا لم يكن يعرفُهُ من قبل، فشكرًا لكلِّ معلّم على هذا الكوكب، لأنَّه عَمِلَ ودرسَ واجتهد ليكون في أقدس مهنة عرفتها الإنسانية، سائرًا على خُطا المعلّم الأوّل، سيّد الخلق الذي علّم البشرية الأخلاق والدين، وأهداها تعاليم سماوية تؤسس للمجتمع الفاضل الذي يحلم البشر، المعلّم الأول سيدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-.
كلّما حاولتْ يدايَ أن تكتبَ رسالة شكر للمعلم القدوة، ينضبُ ماء الكلمات وتتوارى عصافيرُ الكلام خجلًا من هذا المقام العظيم، فلا حروف ولا كلمات ولا أوتار تصف جلال المعلّم وتحدُّ فضائله، وفي هذا المقام لا بدّ أن يتكرّر استحضار أمير الشعراء في لاميّتِهِ الشهيرة التي قال فيها أيضًا:
ربُّوا على الإنصافِ فتيانَ الحِمـى تجدوهمُ كهفَ الحقوقِ كُهـولا
فهوَ الـذي يبني الطبـاعَ قـويمةً وهوَ الذي يبني النفوسَ عُـدولا
ويقيم منطقَ كلّ أعـوج منطـقٍ ويريه رأياً في الأمـورِ أصيـلا
وإذا المعلّمُ لم يكـنْ عدلاً مشى روحُ العدالةِ في الشبابِ ضـئيلا
وإذا المعلّمُ سـاءَ لحـظَ بصيـرةٍ جاءتْ على يدِهِ البصائرُ حُـولا
فمِن أعماق قلبي، إلى كلِّ معلّم عرفَتْهُ البشريّة، أسرابٌ من القُبلات، وآلاف من التحيّات، ومراسيل شكر وابتسامات، تقديرًا وشكرًا لعملِهم العظيم، وإنتاجهم المبارك، فليس في الأرض أعظمُ من إنتاج العقول، وزرع الأخلاق وريّها بماء الحب والجمال والنقاء، لتنبت سنابلُ من أملٍ وبياض، فيحصد المجتمع جيلًا قادرًا على إعادة تأهيل ما فسد، وبناء ما يحلم به الإنسان فردًا والمجتمع بشكل عامّ.