زهد معاذ بن جبل
اتَّصف مُعاذ بن جبل -رضي الله عنه- بالزُّهد، فلمَّا حضرته الوفاة قال إنَّه لم يكُن يُحبُّ الدُّنيا لما فيها من الأنهار والأشجار، ولكنَّه أحبها لمُنافسة العُلماء في العلم، وكثرة العِبادة،[١] كما ورد عنه عند وفاته أنَّه قال: "أعوذ بالله من ليلةٍ صباحها إلى النَّار"، وكان يرجو الله أن يرحمه، ثُمَّ بكى، فسأله النَّاس عن سبب بُكائه، فأخبرهم وقال لهم: ما أبكي جزعاً من الموت إن حلَّ بي، ولا دنيا تركتها بعدي، ولكن إنَّما هي القبضتان، فلا أدري من أي القبضتين أنا.[٢]
وظهر زُهدهُ في الحياة بابتعاده عن البُخل، وعن التعلُّق بالدُّنيا، وامتلاء قلبه بالإيمان والمحبة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد جعل الدُّنيا في يده وليس في قلبه، وأراد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ذات يومٍ أن يختبره، فبعث له بِصُرَّةٍ فيها أربعمئة دينارٍ، فوزَّعها على الفُقراء والمساكين، وأبقى له ديناران بعد أن أخبرته زوجتهُ أنَّهم مساكين،[٣][٤] وفي يومٍ من الأيام كان عليه دينٌ، فلبث في بيته لحين طلب غُرمائه له، فبعث النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- في طلبه، وأحضر غُرماءه، وطلب منهم أن يتصدَّقوا عليه، فتصدَّق بعضهم، ورفض آخرون، فبعثه النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- إلى اليمن ليقضي ما عليه من دين.[٢]
كرم معاذ بن جبل
تُعدُّ صفة الكرم من الصِّفات اللازمة لِصفة الزُّهد، فقد كان مُعاذ -رضي الله عنه- كريماً جواداً، واتَّصف بهذه الصِّفة؛ لشدَّة محبته لله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، مع أنَّه نشأ في بيت زوج أُمِّه الجد بن قيس المشهور بالبُخل، وقال عنه كعب بن مالك: من شدَّه كرمه ما كان يُسأل شيئاً إلَّا أعطاه حتى استدان ديناً استغرق جميع ماله.[٥]
تعريف بالصَّحابي معاذ بن جبل
هو مُعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس من الخزرج الأنصاريِّ، أسلم في صغره، وهو أعلم الأُمَّة بالحلال والحرام، وشهد جميع الغزوات مع النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وبعثه النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- بعد غزوة تبوك إلى اليمن؛ ليكون لهم قاضياً ومُعلِّماً، وخرج مع أبي عُبيدة -رضي الله عنه- في غزو الشَّام، وتولى القيادة بعد وفاته،[٦] ويُكنى بأبي عبد الرحمن،[٧] وشهد بيعة العقبة، وآخى النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- بينه وبين عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهُما-، وجاء عن ابن إسحاق أنَّه تآخى مع جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وقال الواقدي عنه: كان طويلاً، حسن الشَّعر، كبير العينين، أبيضاً، لم يولد له، وقيل: إنَّه ولد له عبد الرحمن،[٨] وتُوفي مُعاذ -رضي الله عنه- في السَّنة الثَّامنة عشر للهجرة، ودُفن في الأغوار.[٦]
المراجع
- ↑ محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 480، جزء 5. بتصرّف.
- ^ أ ب علي الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (1994)، أسد الغابة في معرفة الصحابة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 187، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ عبد الحميد طهماز (1994)، معاذ بن جبل، إمام العلماء، ومعلم الناس الخير (الطبعة الثالثة)، دمشق: دار القلم، صفحة 108-111. بتصرّف.
- ↑ عبد الحميد حمدان، إمام العلماء معاذ بن جبل، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، صفحة 106-107. بتصرّف.
- ↑ عبد الحميد طهماز (1994)، معاذ بن جبل، إمام العلماء، ومعلم الناس الخير (الطبعة الثالثة)، دمشق: دار القلم، صفحة 108-109. بتصرّف.
- ^ أ ب موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 512، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ يحيى العبدي الأصبهاني، أبو زكريا، ابن منده (1410)، معرفة أسامي أرداف النبي صلى الله عليه وسلم (الطبعة الأولى)، بيروت: المدينة للتوزيع، صفحة 38. بتصرّف.
- ↑ أحمد القرشي التيمي البكري، شهاب الدين النويري (1423هـ)، نهاية الأرب في فنون الأدب (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الكتب والوثائق القومية، صفحة 355-357، جزء 19. بتصرّف.