محتويات
السيدة مريم العذراء
الخوض في موضوع هذا المقال، سبب تسمية عيسى ابن مريم بالمسيح، يقتضي ذكر مقتطفات بعض المعلومات عن السيّدة مريم وابنها نبيّ الله عيسى -عليهما السّلام-، وفي بادئ الأمر سيتمّ التعريف بالسيّدة مريم -عليها السلام-، السيّدة الصالحة مريم بنت عمران -عليهما السّلام- هي امرأة عرفت بالصّلاح والرّشاد والورع، ولقد فضّلها الله -سبحانه وتعالى- واصطفاها على نساء العالمين، قال الله تعالى في سورة آل عمران: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}،[١] وقد جاء في الحديث الصّحيح ممّا رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- في صحيح مسلم: "ما مِن مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِن نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ، إِلَّا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ".[٢][٣]
سيدنا عيسى عليه السلام
في الحديث عن سبب تسمية عيسى ابن مريم بالمسيح وجب ذكر نبذة من حياة نبي الله عيسى -عليه السّلام-، فبعد أن نزلت الملائكة بالبشرى للسيّدة مريم العذراء -عليها السّلام- استنكرت الأمر في البداية ثمّ أسلمت أمرها وما في بطنها لله فهو القادر على كل شيء، فهو من خلق الأسباب وأعطاها القدرة في التأثير، وقادر على خلق عيسى كما خلق آدم بلا أب فهو رب كل شيء وخالقه، يقول الله تعالى في سورة آل عمران: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ* وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ* قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}،[٤] فحملته وانطلقت به إلى قومها، وكانت بداية المعجزات للنبي عيسى -عليه السّلام-.[٥]
فبعد أن رأوا هذا الحدث الجلل وقع في أنفسهم الشكّ في عذرية السيّدة مريم -عليها السّلام- فكان للنبي عيسى وهو في يد أمّه أن ينطق ويكلّم النّاس دفاعًا عن صدق والدته، قال الله تعالى في سورة مريم: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا* وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}،[٦] ولم يقتصر وجود معجزاته -عليه السّلام- على النطق فحسب، بل كان له عديد المعجزات، فقد كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله.[٥]
سبب تسمية عيسى ابن مريم بالمسيح
إنّ سبب تسمية عيسى ابن مريم بالمسيح هي واحدة من دلالاته على إحدى معجزاته -عليه السّلام-، فقد كان النبي عيسى -عليه السّلام- يبرئ الأكمه والأبرص إذا مسح مسحةً بيده الشريفة على الأكمه فيشفى، وكذلك الأعمى يرتدّ بصيرًا بإذن الله الشافي المعافي، فالقوّة والأمر بيد الخالق -سبحانه وتعالى- وما النبي عيسى -عليه السّلام-، إلّا نبيٌّ وعبدٌ من عباد الله الصّالحين، قال الله تعالى في سورة آل عمران: {وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}،[٧] وهذا هو سبب تسمية عيسى ابن مريم بالمسيح.[٨]
رفع المسيح إلى السماء
بعد بيان سبب تسمية عيسى ابن مريم بالمسيح وجب التنويه على أنّ المسيح -عليه السّلام- لم يمت، وإنّما خصّه الله تعالى، فكما أنّ لكلّ نبيٍّ جملةً من الخصائص والمعجزات كان للنبي عيسى -عليه السّلام- أن رفعه إليه بروحه وجسده، على أن يعود إلى الأرض في آخر الزّمان ويحكم النّاس بالعدل، وتلك من علامات يوم القيامة الكبرى، قال تعالى في سورة آل عمران: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}،[٩] وأكّد ذلك في مواضع أخرى من القرآن الكريم ومنها قوله تعالى في سورة النساء: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.[١٠][١١]
المسيح الدجال
وعند الخوض في موضوع سبب تسمية عيسى ابن مريم بالمسيح لا بدّ من توضيح أنّ هذا اللقب لم يقتصر على النبي عيسى عليه السّلام، وإنّما أُطلق هذا اللقب -المسيح- على الأعور الدّجال، وكما أنّ سبب تسمية عيسى ابن مريم بالمسح كانت لمسحه الأبرص والأكمه فيبرئهم -بإذن الله-، وقد انقسم العلماء إلى فريقين في سبب تسمية الدّجال بهذا الاسم، فالفريق الأوّل قال أنّ عينه الممسوحة العوراء هي سبب تسميته بهذا الاسم، وقال الفريق الآخر أنّ سبب تسميته أنّه يمسح الأرض في أربعين يومًا، ولقد ورد في الحديث الصّحيح ممّا رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ العَيْنِ مَكْتُوبٌ بيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرٌ، ثُمَّ تَهَجَّاها ك ف ر يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ".[١٢][١٣]
ويجدر الإشارة إلى أن فتنة المسيح الدّجال هي من أعظم فتن الأرض منذ نزول النبي آدم -عليه السّلام- حتّى قيام السّاعة، وقد وردت عدة أحاديث بالاستعاذة بالله من فتنته، والذي سينهي هذه الفتنة ويخلص الناس من شروه فهو النبي عيسى -عليه السلام-، وقد روى عمران بن الحصين في وصايا الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- لمن عايش زمن ظهور الدّجال، فقال: "من سمع بالدَّجَّالِ فلينأَ عنه، فو اللهِ إنّ الرجلَ ليأتيه و هو يحسبُ أنه مؤمنٌ، فيتبعُه، مما يبعثُ به الشُّبُهاتِ"،[١٤] وهذه الأحداث هي من علامات يوم القيامة الكبرى.[١٣]
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية: 42.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2366، [صحيح].
- ↑ "قصة مريم عليها السلام في القرآن"، www.articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-10-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 45-47.
- ^ أ ب "نبذة عن نبي الله عيسى عليه السلام"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 22-10-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 30-33.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 49.
- ↑ "سبب تسمية عيسى عليه السلام بالمسيح"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 22-10-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 55.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 157-158.
- ↑ "رفع عيسى إلى السماء بجسده وروحه وحكم من أنكر ذلك"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2933، [صحيح].
- ^ أ ب "فتنة المسيح الدجال"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 22-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم: 6301، صحيح.