سبب نزول آية (نساؤكم حرث لكم)

كتابة:
سبب نزول آية (نساؤكم حرث لكم)

سبب نزول آية (نساؤكم حرث لكم)

تعددت الروايات التي بيَّنت سبب نزول قول الله -تعالى-: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)،[١] وفيما يأتي ذكرها:

  • الرواية الأول

نزلت هذه الآية عندما ادَّعى اليهودُ أنَّ الرجلَ إذا جامع زوجته من الدبر فإنَّ الولدَ يُخلقُ أحولاً،[٢] وقد جاء ذلك صريحاً في قول الصحابيُّ جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- حيث قال: (كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: إذَا جَامعهَا مِن ورَائِهَا جَاءَ الوَلَدُ أحْوَلَ، فَنَزَلَتْ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)).[٣]

  • الرواية الثاني

إنَّ رجلًا في عهدِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد جامع زوجته من الدبرِ، فوجدَ من ذلك حرجاً ووجدً شديداً،[٤] فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- قوله: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).[١]

  • الرواية الثالث

إنَّ نفراً من اليهودِ بيَّنوا حرمةِ إتيانِ المرأةِ إلَّا إن كانت مستلقيةً، وعدَّوا إتيانها بغيرِ وضعيةِ الاستلقاءِ ذنبٌ عند الله،[٥] فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- قوله -تعالى-: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).[١]

تفسير آية (نساؤكم حرث لكم)

سنذكر تفسير الآية فيما يأتي:[٦]

  • (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ)[١]

في هذه الآية الكريمة يشبِّه الله -عزَّ وجلَّ- الزوجةَ بالأرضِ المعدَّةِ للزراعةِ، ووجهُ الشبهِ بينهما أنَّ كليهما سببٌ في بقاءِ وجودِ الإنسانِ؛ فالزوجة سببٌ في تكوينِ الإنسانِ داخلِ رحمها، والأرضَ سببٌ في تكوينِ البذورِ التي يتغذى عليها الإنسانُ وتكونُ سبباً في بقائه على قيدِ الحياةِ.

وكذلك يُعدُّ رحم الزوجة منبتاً للنطفةِ التي تُلقى بداخله، كالأرضِ المحروثة التي تكونُ منبتاً للبذرةِ التي تُلقى بها، وبناءً على هذا الفهمِ، يُمكن القولُ بأنَّ مرادَ الله -عزَّ وجلَّ- من قوله -تعالى-: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ)، أنَّ زوجاتكم هنَّ موضعُ نسلكم.

  • (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)[١]

يأمر الله -عزَّ وجلَّ- الأزواج أن يأتوا زوجاتهم بأيِّ طريقةٍ شاؤوا، ومن أيِّ جهةٍ أرادوا، من غيرِ منعٍ ولا حظرٍ لجهةٍ دونَ جهةٍ، بل يُباحُ لهم جماعهنَّ كما أرادوا وعلى أي حالٍ أرادوا، شريطةَ أن يكونَ موضع الجماعِ هو القبلُ لا الدبرُ.

  • (وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ)[١]

وبعد ذلك يأمر الله -عزَّ وجلَّ- المؤمنينَ بأن يُقدموا من الأعمالِ الصالحةِ ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، وأن يراعوا الدينَ عند اختيارِ الزوجةِ، ويأمرهم بأن يسيِّروا حياتهم بالطريقةِ التي شرعها الله -عزَّ وجلَّ- لهم.

  • (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ)[١]

وبعد ذلك يأمرهم الله -تعالى- بصيانة أنفسهم عن كلِّ من نهاهم عنه، وأخبرهم بأنَّهم سيلاقوه لا محالة، وأنَّه سيجازيهم على كلِّ ما صدرَ منهم من أعمالٍ، كلٌّ بما يستحقَّ.

  • (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[١]

ثمَّ ختمَ -تباركَ وتعالى- الآيةَ الكريمة بأمره لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنّ يبشِّر كلَّ من آمنَ به وعملَ صالحاً، وأطاع ربَّه بكلِّ ما كلَّفه به بشارةً طيبةً.

الأحكام الشرعية المستنبطة من آية (نساؤكم حرث لكم)

لقد استنبط أهل العلم من قول الله -تعالى-: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)،[١] عدداً من الأحكامِ الشرعيةِ المهمة، وفيما يأتي ذكر هذه الأحكام بشيءٍ من التفصيلِ:[٧]

  • الحكم الأول

لقد أباحَ الشرع الحنيفُ للمسلمِ إتيانَ زوجته ومعاشرتها بأيِّ طريقةٍ ووضيعةٍ شاءَ وأحبَّ، فلم يحظر عليه طريقةً بعينها ما دام موضع الإيلاج سيكون في القبلِ.

  • الحكم الثاني

لقد حرَّم الشرعُ الحنيف على المسلمينَ وحظرَ عليهم في هذه الآية الكريمة إتيانَ زوجاتهم ومعاشرتهم في موضعِ الدبرِ، وجعل ذلك كبيرة من كبائرِ الذنوبِ، وقد جاء ما يؤكد هذا الحكمِ في السنةِ النبوية؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أتى كاهِنًا فصدَّقَهُ بما يقولُ أو أتى امرأةً حائضًا أو أتى امرأةً في دُبُرِها فقد برئَ ممَّا أنزلَ اللَّهُ على محمَّدٍ).[٨]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ سورة البقرة، آية:223
  2. عبد الحي يوسف، دروس الشيخ عبد الحي يوسف، صفحة 5، جزء 17. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن محمد بن المنكدر، الصفحة أو الرقم:4528، صحيح.
  4. خالد المزيني (2006)، المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة (الطبعة 1)، الدمام- المملكة العربية السعودية:دار ابن الجوزي، صفحة 273، جزء 1.
  5. مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي (1423)، تفسير مقاتل بن سليمان (الطبعة 1)، بيروت:دار إحياء التراث، صفحة 140، جزء 5. بتصرّف.
  6. محمد سيد طنطاوي (1997)، التفسير الوسيط (الطبعة 1)، الفجالة- القاهرة:دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 498-499، جزء 1. بتصرّف.
  7. شمس الدين القرطبي (1964)، الجامع لأحكام القرآن (الطبعة 2)، القاهرة:دار الكتب المصرية، صفحة 93، جزء 3. بتصرّف.
  8. رواه الألباني، في صحيح أبي داوود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3904، أخرجه أبو داوود وصححه الألباني.
4084 مشاهدة
للأعلى للسفل
×