محتويات
سبب نزول آية (وعلى الثلاثة الذّين خُلِّفوا)
قال -تعالى-: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا حَتّى إِذا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّـهِ إِلّا إِلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ).[١]
سبب تخلفهم عن الغزوة
حينما عزم الروم على غزو المدينة المنورة، وصل خبر ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فأعدّ جيش المسلمين، وأمرهم الله -تعالى- بالاستجابة لأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا قاتِلُوا الَّذينَ يَلونَكُم مِنَ الكُفّارِ وَليَجِدوا فيكُم غِلظَةً وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقينَ).[٢]
وبالرغم من صعوبة الأمر عليهم نظرًا لضيق الحال الذي كان المسلمون يعانون منه، إضافة إلى الحرِّ الشديد، وبُعد المسافة، وقوّة جيش الرّوم. إلّا أنّ الصحابة -رضوان الله عليهم- استجابوا لأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ وأعدّوا عُدّة الجيش وانطلقوا للقاء عدّوهم متجاوزين جميع صعوبات الموقف.[٣]
إلّا بضع نفر من الصحابة مُختَلف في عددهم؛ ذكر ابن كثير في تفسيره عن كعب بن مالك أنهم بضع وثمانون نفر،[٣]وقال ابن عباس: "كانوا عشرة رهط تخلّفوا عن الغزوة".[٤]
حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهم
ولمّا رجع -صلى الله عليه وسلّم- هَمّ المُخلفون يحلفون ويعتذرون لرسول الله تخلفهم عن الغزوة، فاستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله، وفي رواية أنهم قيّدوا أنفسهم ولم يطلقوها حتى يعود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويستغفر لهم ويطلق سراحهم، ولما عاد إلى المدينة طلبوا منه أن يستغفر لهم الله؛ فاستغفر لهم.[٥]
وأنزل الله فيهم قوله: (لَقَد تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ الَّذينَ اتَّبَعوهُ في ساعَةِ العُسرَةِ مِن بَعدِ ما كادَ يَزيغُ قُلوبُ فَريقٍ مِنهُم ثُمَّ تابَ عَلَيهِم إِنَّهُ بِهِم رَءوفٌ رَحيمٌ)،[٦]إلا ثلاثة من هؤلاء المُخلّفين صدقوا رسول الله القول ولم يلقوا إليه أعذارهم؛ إنما قالوا إنما خَلَّفهم عن الالتحاق بالجيش كان تقاعسهم عن القتال.
ذكرهم بعض أهل العلم عن جابر -رضي الله عنه- قالَ: "في قولِهِ -تعالى- وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا قال هم كَعبُ بنِ مالِكٍ، وَهِلالُ بنُ أميَّةَ، ومُرارةُ بنُ الرَّبيعِ وكلُّهم منَ الأنصارِ"،[٧] وقد ثبت ذلك في صحيحي البخاري،[٨] ومسلم في حديث كعب بن مالك.[٩]
وأرجأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمرهم حتى يحكم الله فيه ونهى الناس أن يكلموهم، وبعد أربعين يوماً من اعتزال الناس لهم أمر -صلى الله عليه وسلم- زوجاتهم أن يعتزلوهم إلا زوجة مرارة بن الربيع لأنه كان كبيراً في السن ولا يستطيع خدمة نفسه فطلبت زوجته من رسول الله أن تبقى مع زوجها فسمح لها على أن لا يقربها. [١٠]
توبة الله -سبحانه وتعالى- عليهم
وصف الله شدة ضيقهم وحيرتهم كأن الأرض ضاقت عليهم بسبب إعراض النّاس عنهم، وضاقت عليهم قلوبهم من فرط الوحشة والغم بحيث لا يسعها أنس ولا سرور فأيقنوا أن لا مهرب من سخط الله إلا أن يستغفروه.[١١]
وبعد خمسين يوماً من عزلتهم أنزل الله رحمته عليهم؛ بقبول توبتهم واستقامتهم عليها رغم ابتلائهم، في قوله: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا حَتّى إِذا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ).[١][١١]
المراجع
- ^ أ ب سورة التوبة، آية:118
- ↑ سورة التوبة، آية:123
- ^ أ ب ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 206. بتصرّف.
- ↑ أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، أسباب النزول، صفحة 258. بتصرّف.
- ↑ مقبل بن هادي الوادعي، الصحيح المسند من اسباب النزول، صفحة 114. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية:117
- ↑ مجموعة من المؤلفين، موسوعة التفسير بالمأثور، صفحة 710. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم:4418، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم:2769، حديث صحيح.
- ↑ مقبل بن هادي الوادعي، الصحيح المسند من اسباب النزول، صفحة 114-115. بتصرّف.
- ^ أ ب ناصر الدين البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، صفحة 101. بتصرّف.