محتويات
سبب نزول (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ)
تعددت أقوال المفسرين في تحديد سبب نزول قوله -تعالى- (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا)،[١] على عدة أقوال وبيانها على النحو الآتي:
- نزلت في أصحاب النبي بشكل عام، حيث روي عَنْ قَتَادَةَ -رحمه الله- قَالَ: "ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ نَرَاكَ فِي الدُّنْيَا، فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّكَ تُرْفَعُ عَنَّا بِفَضْلِكَ فَلَا نَرَاكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ".[٢]
- نزلت في صحابي من أصحاب النبي
نزلت في صحابي من أصحاب النبي دون تحديده وقد روي أنَّه: "جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من أهلي ومالي وأحب إلي من ولدي".[٣]
"وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك فلم يرد عليه النبي شيئا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية".[٣]
وقد صحح الشيخ الألباني -رحمه الله- هذه الرواية في السلسلة الصحيحة،[٤]ولم تُحدد هذه الرواية اسم هذا الصحابي كما هو في الرواية وقد جاءت بعض الروايات الأخرى بتحديد هذا الصحابي بأنَّه ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
- نزلت في الصحابي ثوبان
كان مولى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد بدا عليه الحزن الشديد حينما تأمل في أحوال الآخرة وظنَّ أنَّه سيفترق عن حبيبه النبي -صلى الله عليه وسلم- فشكا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله -تعالى- فيه هذه الآية الكريمة.
وهذه قصة ذلك كما عند الواحدي في أسباب النزول: "نَزَلَتْ فِي ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لَهُ قَلِيلَ الصَّبْرِ عَنْهُ، فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَنَحِلَ جِسْمُهُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: يَا ثَوْبَانُ مَا غَيَّرَ لَوْنَكَ؟".[٥]
"فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي مِنْ ضُرٍّ وَلَا وَجَعٍ غَيْرَ أَنِّي إِذَا لَمْ أَرَكَ اشْتَقْتُ إِلَيْكَ وَاسْتَوْحَشْتُ وَحْشَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَلْقَاكَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ الْآخِرَةَ وَأَخَافُ أَنْ لَا أَرَاكَ هُنَاكَ، لِأَنِّي أَعْرِفُ أَنَّكَ تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَأَنِّي وإن دَخَلْتُ الْجَنَّةَ كُنْتُ فِي مَنْزِلَةٍ أَدْنَى مِنْ مَنْزِلَتِكَ، وَإِنْ لَمْ أَدْخُلِ الْجَنَّةَ فَذَاكَ أَحْرَى أَنْ لَا أَرَكَ أَبَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ".[٥]
المعنى العام للآية
يخبر الله -تعالى- أنَّ من أطاع الله -تعالى- وسار على منهاج الإسلام قولاً وعملاً، سيكون مصيره يوم القيامة في جنات الله -تعالى- يترافق فيها مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، كلٌ بحسب عمله ومقدار طاعته، وبيَّن الله -تعالى- أنَّ هذه الرفقة هي أحسن الرفقات يوم القيامة وسيحسن حالهم كثيراً.
الدروس المستفادة من الآية
الفوائد المستوحاة من هذه الآية الكريمة كثيرة ذكر بعضها فيما يأتي:
- طاعة الله -تعالى- وطاعة الرسول أمر واحد لا يمكن فصل واحد منهما عن الآخر؛ إذ يُكمِّل أحدهما الآخر؛ فيظهر من ذلك أهمية طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
- بيان درجات الفضل بين الناس حيث رتب الله الفضل فجعل أفضل الناس الأنبياء ثم الصديقين ثم الشهداء ثم الصالحين.
- درجة الصديقية هي أعظم الدرجات بعد النبوة، وهي أن يصل الإنسان إلى درجة عالية في الصدق مع الله -تعالى- ومع رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يصدق قوله عمله وأن يصدق عمله إيمانه القلبي.
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية:69
- ↑ الواحدي، أسباب النزول، صفحة 169.
- ^ أ ب مقبل الوادعي، الصحيح المسند من أسباب النزول، صفحة 70-71. بتصرّف.
- ↑ ناصر الدين الألباني، سلسلة الحاديث الصحيحة، صفحة 1044-1045. بتصرّف.
- ^ أ ب الواحدي، أسباب النزول، صفحة 165. بتصرّف.