سورة العنكبوت
تعدُّ سورة العنكبوت من السور المكية التي نزلتْ على قلب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في مكة المكرمة، باستثناء الآيات من 1 حتى 11 فهي مدنيّة نزلتْ على النَّبيِّ -عليه الصّلاة والسّلام- في المدينة المنورة، وهي من سور المثاني، نزلت بعد سورة الروم، ويبلغ عدد آياتِها 69 آية، وهي السورة التاسعة والعشرين من ترتيب المصحف الشريف، حيث تقع في الجزء الواحد والعشرين والحزب الأربعين والواحد والأربعين، وهذا المقال مخصص للحديث عن هذه السورة المباركة من جوانب عدّة، كسبب التسمية وسبب النزول.
سبب تسمية سورة العنكبوت
تختلف أسباب التسمية في السور القرآنية بين سورة وأخرى، وهذا عائد لمعايير عدّة، كالموضوع الذي تعرضُهُ كلُّ سورة، فهناك بعضُ السور تُسمّى بحسب الموضوع الذي تتناولُهُ كسورة الطلاق مثلًا، وهناك بعض السور تُسمّى بحسب قصّة وردتْ في آياتِها كسورة البقرة، وبعض السور تُسمّى بأسماء كلمات وردتْ في مطالعها كسورة القارعة والواقعة، وأمّا فيما يخصُّ سورة العنكبوت على وجه الخصوص، فقد سُمِّيتْ بهذا الاسم لأنَّ الله تعالى أتى على ذكر هذه الحشرة في إحدى آياتِها حين قالَ جلَّ من قائل: "مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" [١]، والعنكبوت حشرة تشتهر بأنّها تصنع بيتًا من الخيوط التي تفرزُها وهذا البيت شديد الوهن والضعف، فشبَّه الله تعالى الذين يكفرون به بالعنكبوت التي تتخذ بيتًا واهنًا ضعيفًا، والله تعالى أجلُّ وأعلم [٢].
سبب نزول سورة العنكبوت
إنَّ علمَ أسباب النزول علمٌ كبير واسع، فيه من الاختلاف ما فيه، فكلُّ آية من آياتِ الله تنفرد بسبب نزول خاصٍّ بها، وهذا السبب يختلف عن غيرهِ من الأسباب باختلاف الحادثة التي اقتضت هذا السبب الذي اقتضى نزول الآية القرآنية، وجديرٌ بالذكر أنّه هناك كثير من الآيات القرآنية التي لم يردْ في سبب نزولها أي سبب صريح، وبالتحديدِ في سبب نزول سورة العنكبوت يظهر أنَّ سببَ نزول بعض آياتِها واردٌ في روايتين عن النَّبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- هما:
- قال الشعبي: "نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقرّوا بالإسلام، فكتبَ إليهم أصحاب النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- من المدينة: إنَّهُ لا يُقبلُ منكم إقرارٌ ولا إسلامٌ حتَّى تهاجِرُوا، فَخَرجُوا عامدين إلى المدينة، فاتَّبعهم المشركون، فآذوهم، فنزلتْ فيهم هذه الآية، وكتبوا إليهم: أنْ قد نزلت فيكم آية كذا وكذا، فقالوا: نخرج، فإن اتبعنا أحدٌ قاتلناه، فخرجوا فاتبعهم المشركون، فقاتلوهم، فمنهم من قُتِلَ، ومنهم منْ نَجَا، فأنزلَ الله تعالى فيهم قولَهُ: "آلم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" [٣].
- قال مقاتل: نزلت في مهجَعِ مولى عمر بن الخطاب، كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر، رماهُ عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، فقال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يومئذ: "سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة"، فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية، وأخبر أنه لا بد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله تعالى [٤]
فضل سورة العنكبوت
إنَّ كتاب الله الحكيم كلُّهُ خيرٌ وبركة وفضل، فهو منهاج للحياة الكريمة وهو أساس بناء المدينة الفاضلة التي يحلمُ بها البشر أجمعين، لذلك فقد خصَّ الله تعالى أجرًا وثوابًا عظيمًا لقارئ هذا القرآن ودارسِهِ، وهذا ما وردَ في السنة النبوية الشريفة، في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النَّبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها" [٥] [٦].
وفيما يخصُّ فضل سورة العنكبوت تحديدًا، فلم يَرِدْ في فضلها عن النَّبيِّ ما صح عن فضل خاصٍّ بها دون باقي السور، ولكنَّ المتمعِّنَ في تفسير هذه السورة العظيمة سيشاهد فضلها العظيم جليًّا في الموضوعات القيمة التي حملتَها في آياتِها فهي تبين حقيقة الإيمان، وتوضح قاعدة الابتلاء والفتنة من الله تعالى، وتتطرق لمصير المؤمنين والكافرين والمنافقين ترغيبًا وترهيبًا من الله سبحانه، وتؤكّد على مبدأ أنَّ الله لا يُحمِّلُ أحدًا من عبادِهِ ذنبَ أحدٍ؛ فَكُلُّ إنسان يتحمل عواقب أفعالِهِ في الدنيا، كما عرضت هذه السورة -ككثير من السور القرآنية- بعض قصص الأنبياء ضاربة الأمثال للناس من باب العبرة والموعظة، فضلًا من الله تعالى وتوضيحًا وتبيانًا [٧].
المراجع
- ↑ {العنكبوت: الآية 41}
- ↑ مقاصد سورة العنكبوت, ، "www.alukah.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 31-10-2018، بتصرّف
- ↑ {العنكبوت: الآية 1-2-3}
- ↑ أسباب النزول: سورة العنكبوت, ، "www.islamweb.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 31-10-2018، بتصرّف
- ↑ الراوي: عبدالله بن مسعود، المحدث: السيوطي، المصدر: مطلع البدرين، الصفحة أو الرقم: 54، خلاصة حكم المحدث : صحيح
- ↑ حفظ القرآن وفضائل بعض السور, ، "www.islamqa.info"، اطُّلِع عليه بتاريخ 31-10-2018، بتصرّف
- ↑ تفسير القرآن الكريم: سورة العنكبوت, ، "www.al-eman.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 31-10-2018، بتصرّف