سقيفة بني ساعدة

كتابة:
سقيفة بني ساعدة

وفاة الرسول

في فجرِ يوم الإثنين وآخر يوم من حياته، وبينما المسلمون يصلّون، إذ بالرسول -عليه الصلاة والسلام- يرفع سِتر حُجرة السيدة عائشة، فنظر إليهم وهم يصلون فابتسم لذلك، تأخّر أبو بكر الصديق إذ كان يَحسب أن النبيّ يريد أنّ يصلي بهم، فأشار النبيّ أن أكملوا الصلاة، ثمّ يبدأ النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ذلك بالاحتضار، أسند رأسه الشريف إلى صدر السيدة عائشة، رفع إصبعه أو يده وشخص بصره نحو السقف، وقال: "مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى" وكرّر -عليه الصلاة والسلام- الجملة الأخيرة ثلاث مرات، ثم مالت يده، وقُبضت روحه الطاهرة الشريفة، وتُوفّي -عليه الصلاة والسلام-، وعمره إذ ذاك ثلاثٌ وستّون سنة، وتاليًا حديث حول سقيفة بني ساعدة.[١]

سقيفة بني ساعدة

السقيفة هي بناء مسقوف واسع من جريد النخل وجذوع الأشجار غالبًا يُغطّى بالطين، تتكوّن من ثلاثة جدران والجهة الرابعة مفتوحة، فيها أعمدة، وترتفع أرضيتها عما حولها، يلتقي فيها أبناء القبيلة للتشاور في أمورهم، تقع سقيفة بني ساعدة في الجهة الشمالية الغربية للمسجد النبوي عند مساكن بني ساعدة الخزرجية، وكانت السقيفة داخل مزرعة يوجد بها بيوت متفرقة، فقبيلة بني ساعدة كانت تسكن داخل البساتين المتجاورة، وكانت سقيفة بني ساعدة كبيرة يجتمع فيها عدد كبير من الأنصار، ومن أمامها فسحة واسعة، ويوجد بجانبها بئر لبني ساعدة، تحولت السقيفة إلى مبنى، وتغيّرت أشكالها مع الزمن، وهي الآن حديقة ملاصقة للسور الغربي للمسجد النبوي الشريف.[٢]


في الوقت الذي أُعلن فيه خبر وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كانت المسألة الرئيسة والحاسمة هي مسألة قيادة المُسلمين بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، فلا يوجد نصّ صريح يحدّد الخليفة من بعد رسول الله أو أسس اختياره، ولم يُوصِ النبي باسم بعينه، لكن الله دعا إلى الشورى فقال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[٣]، وقال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[٤]، فكان رسول الله يتخذ مجلسًا للشورى من أهل الرأي والبصيرة، ويُكثر من مُشاورة الصحابة، بعد وفاة رسول الله اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة رسول الله، وتمَّت الدعوة للاجتماع دون إعلام المُهاجرين وهذا يعود لعدّةِ أمور لعلَّ أبرزها اعتقاد أهل المدينة أنَّهم أحق بالخِلافة لأنَّهم أوَّل من ناصر رسول الله واستقبلوه مع أصحابه وجاهدوا معه في سبيل الله، اجمع الأنصار على مُبايعة سعد بن عبادة، فأقعدوه وعصبوه بعصابة وثنوا له وسادة.[٥]


بينما كان المُهاجرون بعيدين عن المُناخ السياسيّ، منهم من شُغل بوفاة الرسول وتجهيزه ودفنه، ومنهم ما تزال الصدمة تملأ نفوسهم، وبعضهم اعتقد أنّ هذا الأمر آخرُ ما يمكن أن يقع فيه من اختلاف بين المسلمين، وقد وصل خبر اجتماع سقيفة بني ساعدة أبا بكر الصدّيق وعُمر بن الخطَّاب، فذهبا إلى السقيفة مسرعين لأهميَّة الموضوع، وذهب معهما أبو عُبيدة بن الجرَّاح[٥]، وفي طريقهم لَقِيَا رجلين صالحيْن من الأنصار، ممّن شهدوا بيعة العقبة الثانية ومعارك رسول الله معن بن عدي وعوين بن ساعدة -رضي الله عنهما-، فنصحوهما بألّا يقربا سقيفة بني ساعدة، وليقضي المهاجرون أمرهم فيما بينهم، وذلك خشية حدوث فتنة بين المهاجرين والأنصار، لكنّ الصدّيق وعمر أصرّا على الذهاب إلى السقيفة.[٦]


لمّا دخلوا سقيفة بني ساعدة ألقى أبو بكر خِطبة في المُجتمعين بيَّن وجهة نظر المُهاجرين من اختيار خليفة للنبيّ، فقال الحبَّاب بن المنذر: "منَّا أمير ومِنكم أمير"، لكنَّ أبا بكر والذين معه يُفضّلون وحدة الأمَّة التي أسّسها رسول الله، حدّد أبو بكر الأولويَّة بالأقدميَّة منذ بداية الإسلام، والعذاب في سبيل الإيمان والعقيدة دون أن يتجاهل دور الأنصار من التكريم والتغافل عن مزاياهم، فقام رجل من الأنصار، فأثنى على الله بما هو أهله وحمد الله، وقال: فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منَّا، وإنّ جماعةً من قومكم، يريدون أن يختزلونا من أصلنا، وأن يجنبونا من الأمر، فقام بشير بن سعد الأنصاري وأيد موقف المُهاجرين، قال عُمر: فلما سكت أردت أن أتكلم، فقال أبو بكر: على رسلك، فكان هو أحلم منّي وأوقر".[٥]


في تلك اللحظة تحرَّك أبو بكر لإقفال باب المُناقشة بعد تحوّل الموقف لصالح المُهاجرين، فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يُعرف هذا الأمر إلا للحيّ من قريش، فهم أوسط العرب نسباً وداراً، فأخذ بيدي عُمر بن الخطَّاب وأبي عُبيدة بن الجرَّاح، وقال: رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، لكن عُمر رفض، وبايع أبا بكر، وقال: فمن أحق بالخلافة من أفضل المُهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار، فطلب عُمر من أبا بكر أن يبسط يده ليُبايعه، فلحقه بشير بن سعد وأُسيد بن حضير ثمَّ اقدم الأوس والخزرج على مُبايعته، وقال له سعد بن عبادة: صدقت فنحن الوزراء، وأنتم الأمراء، جرت حادثة سقيفة بني ساعدة بينما كان عليّ بن أبي طالب والزُبير بن العوَّام، ونفر من بني هاشم، وطلحة بن عُبيد الله، مشغولين بجهاز النبي ومدفنه، فغابوا عن اجتماع السقيفة، إلَّا أنَّهم بايعوا أبا بكر البيعة العامَّة في المسجد.[٥]


العِبَر المستفادة من حادثة السقيفة

إنّ موقف الصحابة في سقيفة بني ساعدة يُحتذى به وجدير بكل إجلال وثناء واحترام، إنّه موقف يتسم بالشجاعة والشورى والحوار الأخلاقي والمسؤولية والحسم، ويكشف أنّهم رجال دين يعملون من أجل الله تعالى؛ فموت رسول الله لا يعني انتهاء الإسلام، وينهضون لإكمال الرسالة الإسلامية معًا نهوضًا مشرفًا يُرضي الله تعالى، ويُرضي عباده، ومن العبر المستفادة في حادثة سقيفة بني ساعدة ما يأتي:[٧]

  • حِكْمة عمر في فضِّ النِّزاع والاختلاف في سَقِيفة بني ساعدة، وذلك أنَّه بادرَ بأخذ أبي بكر فبايعه وانتهى الخلاف.
  • بلاغة أبي بكر في السَّقيفة، فأجاد وأفاد، فقال عمر: "تكلَّم أبلغَ الناس".
  • حكمةُ أبي بكر وحُسْنُ سياسته وبلاغته في خطبته يوم الثلاثاء، وبيَّن أن الكذب خيانة والصِّدق أمانة، وطلب من الناس يُطيعوه إذا أطاع الله ورسولَه.
  • حكمة عمر وشجاعَتُه القلبية والعقليَّة؛ فخطب بالناسَ قبل أبي بكر، وشدَّ من أزْرِ أبي بكر، وبيَّن أنّه صاحِبُ رسول الله، وثاني اثنين إذْ هما في الغار، وأحبُّ الناس إليه.
  • الدلالة على أن النبيَّ لم ينُصَّ صراحةً على خليفته، وهذه دلالةٌ على أنَّ الخليفة يُتْرك اختياره للمسلمين مِن بعده.
  • بيعة أبي بكرٍ تَمَّت بعد مُشاورات بين فُضَلاء المهاجرين والأنصار، وهذه دلالةٌ على أنَّ من يقوم بالاختيار هم علماء القوم ورُؤَساؤهم وفُضَلاء، وهم من يُسَمَّون بأهل الحَلِّ والعَقْد.
  • لا يُشترط إجماع القوم التامُّ على اختيار الخليفة؛ فلا ضير إنّ خالفة بعض القوم.
  • مشروعيَّة البيعة للخليفة تكون من قبل أهل الحَلِّ والعَقْد أولاً، ثم تتكون لعامَّة المسلمين ثانيًا.
  • لا يُشترط في اختيار الخليفة حضورُ جميع أهل الحَلِّ والعقد، فلم يضرَّ تخلُّف عليِّ بن أبي طالب والزُّبير بن العوام، حيث تخلَّفا لتجهيز النبِيّ.
  • سبب اختيار الصحابة أبا بكرٍ للخلافة فيه سابِقَتُه من تقديمُ النَّبيِّ له في الصلاة على جميع الصحابة.

المراجع

  1. "وفاة النبي صلى الله عليه وسلم"، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 09-07-2019. بتصرّف.
  2. "سقيفة بني ساعدة"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 09-07-2019. بتصرّف.
  3. سورة الشورى، آية: 38.
  4. سورة آل عمران، آية: 159.
  5. ^ أ ب ت ث "الخلافة الراشدة"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 09-07-2019. بتصرّف.
  6. "خلافة أبي بكر الصديق - (8) يوم السقيفة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 09-07-2019. بتصرّف.
  7. "الدروس والعبر المستفادة من حادثة سقيفة بني ساعدة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 09-07-2019. بتصرّف.
2926 مشاهدة
للأعلى للسفل
×