سيرة حياة أبي بكر بن العربي

كتابة:
سيرة حياة أبي بكر بن العربي

حياة أبي بكر بن العربي ونشأته

هو محمد بن عبدالله، بن محمد المعافري ويكنى بأبي بكر، ولد سنة 468هـ وعاش في إشبيلية في الأندلس، وبعد انتهاء فترة حكم بني عباد رحل عن إشبيلية،[١] وكان أهله يتمتعون بمنزلة رفيعة لدى بني عباد، ونشأ ابن العربي في أسرة جمعت بين العلم والسياسة.[٢]

وكان أبوه فقيهًا ومفوضًا على رأس وفد إشبيلية إلى المستنصر العباسي،[٢] وتوجه في شبابه إلى المشرق العربي، فعاش فترة في الإسكندرية، ثم رجع إلى الأندلس، وولي في المشورة، في القضاء ثم عُيّن قاضيًا، لما عرف من نباهة، وحسن في التصرف، وسدادة في الرأي.[١]

انتقل إلى قرطبة التي كانت تُعد معقلًا للعلماء والفقهاء والمفكرين والفلاسفة، فانقطع عن العمل من أجل طلب العلم وتأليف الكتب، ثم عاد إلى إشبيلية، وبعد انتهاء حكم المرابطين رحل إلى مراكش بعد نشأة دولة الموحدين لمبايعة أميرها.[١]

ومن أهم شيوخ الإمام أبو بكر العربي، الإمام أبو المطرف المالقي، والإمام أو القاسم الإشبيلي، والإمام أبو بكر الطرطوشي، الذي كان له الأثر البالغ في تشكيل مذهب أبي بكر العربي، وكان يذكره كثيرًا في كتبه، أما عن وفاته فقد تُوفي الإمام أبو بكر العربي في شهر ربيع الأول سنة 543هـ، في مدينة مراكش في المغرب، ولكنه دُفن في مدينة فاس.[١]

مذهب ابن العربي وعقيدته

قام مذهب الإمام ابن العربي على مجموعة من الأُسس، أهمها:

تشييده للمذهب المالكي

يُعد أبي بكر العربي من أهل السنة والجماعة، لأنه قدم مجموعة من الآراء حول الفرق الإسلامية كالمعتزلة، والأشاعرة، والجبرية، وكان جوهر هذه الآراء يتمحور حول فكرته في المذهب المالكي، فهو من أتباع الإمام مالك بن أنس، وكان للإمام ابن العربي علم كبير في الفقه، وعدت آراؤه الفقهية مرجعية أساسية لمن أراد دراسة المذهب المالكي.[٢]

وأهم ما ميز مذهب الإمام أبي بكر، هو المنهجية التي سار عليها في دراسته للفقه المالكي، لأنه لم يكن يدرس الآيات التي لم تحتوي على أحكام فقهية، بل وجه كل تركيزه للآيات التي تحتوي على حكم أو أكثر من حكم فقهي، ويقول في ذلك: "فنذكر آليةً، ثم نعطف على كلماتها، بل حروفها، فنأخذ بمعرفتها مفردة، ثم نركبها على أخواتها مضافة".[٢]

"ونحفظ في ذلك قسم المبالغة، ونتحرز عن المناقضة في الأحكام والمعارضة، ونحتاط على جانب اللغة، ونقابلها في القرآن بما جاء في السنة الصحيحة، ونتحرى وجه الجميع، إذ الكل من عند الله، وإنما بُعث محمد -صلى الله عليه وسلم- ليبين للناس ما نُزل إليهم، ونعقب على ذلك بتوابعَ لا بد من تحصيل العلم بها منها، حرصا على أن يأتي القول مستقلًا بنفسه، إلا أن يخرج من الباب فنحيل عليه في موضوعه مجانبين للتقصير والإكثار، وبمشيئة الله نستهدي".[٢]

البحث في أسباب النزول

ولابن العربي رأي في أسباب النزول؛ إذ يُعد سبب النزول أساسًا لفهم الآيات القرآنية، فلا يُمكن استنباط الأحكام الفقهية دون الرجوع إلى سبب نزول الآية التي تتضمن حكمًا فقهيًا، وبحسب وجهة نظر الإمام ابن العربي، فإنَّ معرفة أسباب النزول لها أثر كبير؛ كإزالة الغموض عند تفسير الألفاظ تحقيقًا للغاية التي قصد الشارع إلى تحقيقها من تشريع الأحكام أو منعها، فلا يوجد حكم في شريعة الله عبثًا، وإنما كله من تقدير العزيز الحكيم.[٢]

سعيه إلى الترجيح بين الآراء الفقهية

حاول الإمام ابن العربي الاستزادة على الأحكام الفقهية، فلم يكن من الناقلين للآراء المالكية فحسب، وإنما قارن بين الأحكام المالكية، والمذاهب الأخرى، معتمدًا على الأدلة، ومرجحًا بينها من خلال اعتماده على البحث في أسباب النزول.[٢]

علاقة ابن العربي بالقضاء

عمل الإمام ابن العربي في المشورة لدى القضاة، وبعدها تم تعيينه قاضيًا، وكان ذلك سنة 528هـ، وذكر المؤرخون أنَّه قام به أحسن قيام، وكان من القضاة الصارمين في إشبيلية، حتى ثار عليه مجموعة من الناس بسبب ما صدر منه من أحكام قضائية قطعية.[٣]

رحلات ابن العربي

للإمام ابن العربي العديد من الرحلات لطلب العلم، أهمها ما يأتي:[١]

  • رحلته إلى المشرق العربي
لم تذكر المراجع موعد الرحلة بالتحديد، لكنَّ الإمام أبي بكر العربي رحل إلى المشرق لآداء مناسك الحج، وعاش في الإسكندرية لفترةٍ التي تُوفي فيها والدُه سنة 439هـ، وأخذ عن علماء الإسكندرية وشعرائها. 
  • رحلته إلى قرطبة

ذهب الإمام ابن العربي إلى قرطبةَ بقصد التفرغ التام للكتابة والانقطاع عن مشاغل إشبيلية للأخذ عن العلماء وقراءة كتبهم ولم تذكر المصادر زمن انطلاق ابن العربي في هذه الرحلة، إلا أنه بعدها رجع إلى إشبيلية.

تلاميذ ابن العربي

درَّس الإمام أبو بكر ابن العربي الفقه للعديد من الطلبة الذين أصبحوا فيما بعد من أهم العلماء، ومن أشهرهم:[١]

  • أبو الفضل القاضي عياض، المالكي

وتوفي سنة 544هـ، وهو مؤلف كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى، وقد أجاز له ما يزيد على المئة شيخ بعلمه.

  • أبو عبدالله القاضي الشاطبي
توفي 565هـ، ويعد من الراسخين في العلم، والفقه، وعُرف بتفننه في المعارف، وبعدله في الأحكام. 
  • أبو بكر محمد الإشبيلي

توفي سنة 575هـ، ويعد من أهم علماء الأندلس، وصاحب كتاب الفهرسة المشهورة، وعرف بكتبه التي بيعت بأثمان غالية بعد وفاته، نظرًا لغزارة مكتبته.

مؤلفات ابن العربي

ألَّف الإمام أبي بكر بن العربي العديد من الكتب التي تعد من أُمَّهات الكتب في المذهب المالكي، ومن أهمها ما يأتي:

  • أحكام القرآن

وراجعه وحققه محمد عبد القادر رضا، وخرَّج أحاديثه، صدر عن دار الكتب العلمية في بيروت، عام 2002م، ويقع كتاب أحكام القرآن في أربعة مجلدات، من خلاله حاول الإمام تفسير القرآن الكريم، مستندًا إلى الآيات، وأسباب نزولها والأحاديث، واجتهادات الفقهاء.[٤]

  • عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي
ويعد من أشهر كتبه، بسبب عدد مجلداته الكبيرة، فقد صدر عن دار الكتب العلمية، نشر عام 1997م، ويقع في أربعة عشر مجلدًا، شرح من خلالها صحيح الترمذي، أشرف جمال مرعشلي على تحقيقه.[٥]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح عبدالقادر سلطاني، مظاهر التجديد الفقهي عند القاضي أبي بكر العربي، صفحة 9-19. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ دكتور نزار عطا الله أحمد صالح، أسباب النزول وأثرها في فهم النص القرآني عند ابن العربي المالكي من خالل تفسيره "أحكام القرآن"، صفحة 13-20. بتصرّف.
  3. عبدالقادر سلطاني، مظاهر التجديد عند القاض أبي بكر بن العربي، صفحة 28-29. بتصرّف.
  4. أبو بكر بن العربي المالكي، أحكام القرآن، صفحة 1-10. بتصرّف.
  5. أبو بكر العربي المالكي، عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، صفحة 1-5. بتصرّف.
5353 مشاهدة
للأعلى للسفل
×