شرح آية (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)

كتابة:
شرح آية (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)

شرح آية (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)

جاءت هذه الآية في مقطع من سورة الأنعام؛ يتحدث عن ضرورة عدم اكتراث النبي الكريم بملة الكفر الذين صاروا شيعاً؛ يناصر بعضهم بعضاً ضد الحق وأهله، رغم أنهم كانوا قبل ذلك متفرقين متحاربين، فيكون الخطاب في هذا المقطع: اتركهم يا محمد واستمر في طريقك الدعوي، فإنما حسابهم يوم الحساب عند الحكم العدل.[١]

ورغم أنَّ النبي الكريم رؤوف رحيم بالمؤمنين، إلا أنَّ رأفة الله ورحمته لا يمكن قياسها بأي رأفة ورحمة؛ فإنه يتودَّد للمنيب إليه ويُقدِّم له مثالاً على كرمه: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)،[٢] وكل ذلك له حسابه المنسجم مع فضل الله -تعالى-، وبمقتضى مشيئته وحكمته، وعلمه بأحوال مَن يستحق ذلك من المحسنين.[٣]

ووردَ عن بعض السلف حصر الآية في الأعراب الذين آمنوا بعد الهجرة؛ حيث ضاعَفَ الله لهم حسناتهم؛ لكل حسنة أجر عشر حسنات مِن غيرهم، وهذا الرأي مرجوح لسببين:[٤]

  • الأول: أن سورة الأنعام مكية، نزلت دفعة واحدة قبل الهجرة.
  • الثاني: أنَّ هذا التأويل يحتاج إلى دليل صحيح من القرآن والسنة، ولا دليل مرفوع صحيح الإسناد على ذلك.

التفسير التحليلي للآية

سنذكر التفسير التحليلي للآية فيما يأتي:[٥]

  • (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)

يتفضَّل الله على مَن يشاء مِن عباده بزيادة الأجر على عملهم الصالح فيُنميه لهم، ولعل التحديد بالعشرة لا يُراد به الحصر؛ فمن الممكن أن تكون الزيادة عليه أضعافاً كثيرة لا حصر لها، كقولك لخصمك مهدداً له: "إنْ كلَّمتني واحدة أكلمك عشراً".

  • (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا)

هذا مِن كرم الله -تعالى-، والشقي هو الذي -رغم كل هذا الكرم الإلهي- تزيد آحاد سيئاته على عشرات حسناته.

  • (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

أي لا ينقص من ثواب الطاعات لأولئك الناس، كما لا يزيد على عقابهم بتكثير السيئات كما زاد الحسنات وكثرها لغيرهم.

بشارة عظمى في الحديث القدسي

ثبت في الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة عن النبي الكريم، أنَّ الله -سبحانه وتعالى- قال: (إذا تَحَدَّثَ عَبْدِي بأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً، فأنا أكْتُبُها له حَسَنَةً ما لَمْ يَعْمَلْ، فإذا عَمِلَها، فأنا أكْتُبُها بعَشْرِ أمْثالِها، وإذا تَحَدَّثَ بأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فأنا أغْفِرُها له ما لَمْ يَعْمَلْها، فإذا عَمِلَها، فأنا أكْتُبُها له بمِثْلِها).[٦]

ويزيد الحديث القدسي البشارة: (قالتِ الملائِكَةُ: رَبِّ، ذاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، وهو أبْصَرُ به، فقالَ: ارْقُبُوهُ فإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها له بمِثْلِها، وإنْ تَرَكَها فاكْتُبُوها له حَسَنَةً، إنَّما تَرَكَها مِن جَرَّايَ. وَقالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: إذا أحْسَنَ أحَدُكُمْ إسْلامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُها تُكْتَبُ بعَشْرِ أمْثالِها إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، وكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُها تُكْتَبُ بمِثْلِها حتَّى يَلْقَى اللَّهَ).[٦]

وفيما سيأتي بيان ما ورد من البشارة في الحديث القدسي؛ زائداً عن بشارة الآية:[٧]

  • قد تصل زيادة مضاعفة الحسنة الواحدة إلى سبعمائة ضعف.
  • إذا ترك المسلم فعل سيئةٍ خشيةً من الله، ورغبةً في النعيم من عنده؛ فإنه سيكتب له بذلك حسنة، ولن يكتب عليه أي سيئة.
  • مجرد الهمِّ بفعلِ الحسنة يؤجر عليه الإنسان.

المراجع

  1. برهان الدين البقاعي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، صفحة 336. بتصرّف.
  2. سورة الأنعام، آية:160
  3. وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، صفحة 631. بتصرّف.
  4. ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، صفحة 368.
  5. الرازي، مفاتيح الغيب، صفحة 190. بتصرّف.
  6. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:129 ، قدسي صحيح.
  7. عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم، صفحة 244.
6618 مشاهدة
للأعلى للسفل
×