محتويات
شرح أندلسية أحمد شوقي
من أين استلهم الشاعر أحمد شوقي أندلسيّته؟
كتب الشاعر أحمد شوقي قصيدة يا نائح الطّلح وهو في إسبانيا عام 1916م، كما كتبها مُعارضًا لنونيّة ابن زيدون، واستلهم في قصيدته التاريخ العربي في الأندلس، وأورد بعضًا من مشاعر الحسرات والحزن والتوجُّع، فكانت القصيدة تُثير عاطفة الحزن والنّوح معًا،[١] ويقول في مطلعها:
يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا
- نَشجى لِواديكَ أَم نَأسى لِوادينا[٢]
يُنادي الشاعر في بداية قصيدته الحمام، ويُقرّر حقيقة التّشابه بينه وبينها بالحزن والنّوح، لكنّه يجعل هذا الطائر تائهًا في حالة الاغتراب والإقامة، وهذه هي محنة واحدة يشتركان بها، كما أورد الشاعر هذا البيت حين نُفي من مصر، وهُنا يشرح عن مشاعره الشجيّة لواديه؛ النّيل ومصر.[٣]
ماذا تَقُصُّ عَلَينا غَيرَ أَنَّ يَدًا
- قَصَّت جَناحَكَ جالَت في حَواشينا[٢]
يستمر الشاعر في توجيه السؤال للنائح فيسأله ماذا تُريد أن تقص غير القضية التي تدور حولنا، ويُشير إلى أنّه لا يُريد أن يسمع القصّة؛ لأنّه يعلم أنّ اليد التي قَطعت أجنحة الطائر، هي نفسها التي طافت عليه وقطعت حواشي الشاعر ومشاعره، فتلك القصة لا تُعيد إلا أحداث الفراق والبُعد عن الوطن.[٤]
رَمى بِنا البَينُ أَيكًا غَيرَ سامِرِنا
- أَخا الغَريبِ وَظِلّاً غَيرَ نادينا[٢]
يتحسّر في البيت السابق من الفراق، وأنّه ألقى به بأماكن غير مرغوب بها، حيث أصبحت التجمُّعات في غير نواديهم، والسّهرات في غير مجالس السمار الخاصة بهم، وهو بذلك يشكو من ألم الغربة الذي حقّقه الفراق، لذلك فهو يستحضر الأماكن التي ذهب إليها ويسترجع الأماكن الماضية في وطنه، ويُشير إلى أنّ الفرق شاسع فلا شيء يأخذ مكان وطنه.[٥]
كُلٌّ رَمَتهُ النَوى ريشَ الفِراقُ لَنا
- سَهماً وَسُلَّ عَلَيكَ البَينُ سِكّينا[٢]
يُشير الشاعر إلى نفسه وإلى الحمام النائح، فيقول بإنّه هو وهذا الحمام قذف بهما الفراق إلى البُعد، وأطلق عليهما سهم الغربة والضياع بُعدًا عن الأوطان، فالوطن بالنّسبة للشاعر هو مقرّ الأمان الذي يطمح إلى التقرُّب منه وعدم فراقه، وهو كذلك باللنسبة للحمام، لذلك فالشاعر قرّب بين حاله وحال أنين الحمام.[٥]
إِذا دَعا الشَوقُ لَم نَبرَح بِمُنصَدِعٍ
- مِنَ الجَناحَينِ عَيٍّ لا يُلَبّينا[٢]
ما زال الشاعر يشعر بالغربة، ويستطرد مشاعر الحنين والشوق التي تجتاجه كل لحظة، فتجعله مُتصدّع الجناحين، مكسورًا وعاجزًا عن التّعبير عمّا يختلج في داخله، إذ أصابه في فراق وطنه عجز القدرة في التّعبير، وهو الشاعر الذي بصفته أبلغ من غيره، وهنا دلالة عن مدى وقع الغربة على نفسه.[٥]
فَإِن يَكُ الجِنسُ يا اِبنَ الطَلحِ فَرَّقَنا
- إِنَّ المَصائِبَ يَجمَعنَ المُصابينا[٢]
يُخاطب الشاعر الحمام النائح ويقول له بإنّه مهما فرّقنا الأصل والنوع في حقيقتنا، بيد أنّ المصائب ستجمع بيننا، فالشاعر هو إنسان، والحمام هو طائر، ولكن الفراق لم يُفرّق بينهما فأصاب كلّ منهما، وتلك هي حكمة الحياة التي تجمع المصابين بالمصائب في قدر واحد.[٤]
أُساةُ جِسمِكَ شَتّى حينَ تَطلُبُهُم
- فَمَن لِروحِكَ بِالنُطسِ المُداوينا[٢]
يتحدّث الشاعر عن نفسه هنا ويجمع بين حاله وحال الطائر بالمرض، فهو أيضًا مريض ويطلب العلاج، ولكنّ الأطبّاء عجزوا عن مدّه بهذا العلاج، فهم لم يُدقّقوا في روحه مثلما دقّقوا في أوجاع جسده، حيث إنّ مرضه قابِع داخل روحه، ولا علاج له سوى عودته إلى الوطن.[٣]
آها لَنا نازِحي أَيكٍ بِأَندَلُسٍ
- وَإِن حَلَلنا رَفيقًا مِن رَوابينا[٢]
ما زال الشاعر يستمر بتوجُّعه وتأوّهه من فراق وطنه، فلا شيء يستطيع أن يُعوّضه عن وطنه وشوقه له، فهو يقول مهما كانت البلاد الجديدة جميلة وخضراء، إلاّ أنّه ما زال يشعر بالغربة بداخله، فهو يحتاج للعودة إلى وطنه حتى تُشفى أوجاعه.[٣]
رَسمٌ وَقَفنا عَلى رَسمِ الوَفاءِ لَهُ
- نَجيشُ بِالدَمعِ وَالإِجلالِ يَثنينا[٢]
يتذكّر الشاعر هنا ماضي أجداده، فيقف على أطلالهم وآثارهم، وذلك وفاءً لهم، بيد أنّ هذا الوقوف يجبر الدّموع بأن تفيض وتنهمر، ولكن الإجلال والتعظيم لهم هو الذي يقف أمام هذه الدموع فيمنعها من الانسكاب، والشاعر هنا يشير إلى عظمة الأجداد وقيمة حضورهم.[٣]
لِفِتيَةٍ لا تَنالُ الأَرضُ أَدمُعَهُم
- وَلا مَفارِقَهُم إِلّا مُصَلّينا[٢]
يصف الشاعر مدى عزّة أهل الأندلس، إذ إنّ وجوههم وجباههم لا تُلامس الأرض إلّا في وقت الصلاة فقط، فهم لا يخضعون إلا لخالقهم، ولا يخشون شيئًا سواه، وفي هذا إبراز لصفة الأجداد، وتأكيد على شجاعتهم وكبريائهم.[٤]
لَو لَم يَسودوا بِدينٍ فيهِ مَنبَهَةٌ
- لِلناسِ كانَت لَهُم أَخلاقُهُم دينا[٢]
ارتبط صدر البيت السابق وعجزه بأسلوب الشرط، وذلك تأكيدًا لترابُط الصّفات المعنويّة والماديّة لأهل الأندلس، فالشاعر يُشير إلى الأجداد بأنّهم اكتسبوا احترامهم من خلال إنجازاتهم المادية، ولكنّهم في حقيقتهم هم اكتسبوا السيادة لأنّهم أصحاب دين وأخلاق عظيمة وسامية جعلتهم محبوبين مدى الدهر.[٥]
لَكِنَّ مِصرَ وَإِن أَغضَت عَلى مِقَةٍ
- عَينٌ مِنَ الخُلدِ بِالكافورِ تَسقينا[٢]
ينتقل الشاعر للحديث عن مصر، وهو بذلك يستخدم حرف الاستدراك لكن؛ وذلك لأنّه يُكمل حديثه في نفس الترتيب، فهو يعود إلى مصر ويسترجع حنينه لها، ويصفها كأنّها جزء من الجنّة بجمالها الذي لا غنى عنه.[٤]
عَلى جَوانِبِها رَفَّت تَمائِمُنا
- وَحَولَ حافاتِها قامَت رَواقينا[٢]
جمع الشاعر في هذا البيت بين الدّين والخُرافة، فذكرَ الرُّقية في عقيدة الإسلام من أجل الحماية من الحسد، وذكرَ التّمائم التي ابتدعها القدماء، وهو جمع بينهما وأوجدهما من أجل الحفاظ على وطنه، إذ يقول إنّ التمائم على جوانب وطنه، والرقية على حوافها، وذلك كله خوفًا على الوطن وحبًّا له.[٤]
يا سارِيَ البَرقِ يَرمي عَن جَوانِحِنا
- بَعدَ الهُدوءِ وَيَهمي عَن مَآقينا[٢]
إنّ الشاعر في البيت السابق يدعو السّحابة المُمطِرة أن تُشاركه في البكاء والأحزان، ويقول إنّ وقْعَ البرق وشدّته هو بشدّة خفقان قلب الشاعر؛ وذلك لِحُزنه وحنينه لوطنه، وهنا الشاعر يُريد أن يخلق نوعًا من المشاركة بين الإنسان والطبيعة.[٤]
لَمّا تَرَقرَقَ في دَمعِ السَماءِ دَمًا
- هاجَ البُكا فَخَضَبنا الأَرضَ باكينا[٢]
يُشخّص الشاعر الطبيعة، فيُضفي عليها صفات الإنسان، فهو يجعل عناصرها تبكي، إذ ينظر إلى مطر السماء وكأنّه الدموع، فيُشارك هذا المطر بالبكاء، لتُصبِح الأرض مصبوغة بدموعه هو والسماء، وأشار إلى أنّ الأرض أصبحت مخضبة، دليلًا على كثرة ما انهمر منه من دموع.[٤]
اللَيلُ يَشهَدُ لَم نَهتِك دَياجِيَهُ
- عَلى نِيامٍ وَلَم نَهتِف بِسالينا[٢]
ما زالت الطبيعة تُشارك في أبيات الشاعر، ولكن دورها هنا ينتقل من مشاركة الشاعر بالبُكاء إلى الشهادة على عظمة الأجداد، فالليل يشهد أنّ الأجداد سلكوا دروب الشجعان ولم يستغلّوا غفلة النّيام في اللّيل، بل كانت مُواجهاتهم مُباشرة حتى حقّقوا النّصر المنشود.[٥]
وَالنَجمُ لَم يَرَنا إِلّا عَلى قَدَمٍ
- قِيامَ لَيلِ الهَوى لِلعَهدِ راعينا[٢]
يستمرّ الشاعر بتشخيص الطبيعة، وهنا يفتخر بالمُحافظة على العهد، ويُؤكّد على أنّ الأجداد لم يعرفوا الغدر والخيانة، كما أنّ النجم كان رفيقهم والشّاهد الأوّل على وفائهم، وعدم إخلافهم للوعد، والليل هنا اختصّ بالهوى، إذ كان شاهدًا على وعود الأحبّة بين بعضهما البعض.[٤]
كَزَفرَةٍ في سَماءِ اللَيلِ حائِرَةٍ
- مِمّا نُرَدِّدُ فيهِ حينَ يُضوينا[٢]
يشكو الشاعر في هذا البيت من ضيق أنفاسه، ذلك الضيق الذي سببه رفْضه للواقع الذي يعيش به، ويضيف الشّاعر أنّ هذه الزّفرة ستظلّ تتردّد على أنفسه حتى تضويه وتضعفه، فيهزل من وطأة هذا الواقع الذي حرمه من وطنه.[٥]
يا مَن نَغارُ عَلَيهِم مِن ضَمائِرِنا
- وَمِن نصونِ هَواهُم في تَناجينا[٢]
يُخاطب الشاعر في البيت السابق من يُحبّ، ويُؤكّد حُبّه عبر مشاعره وأحاسيسه بالغيرة حيالهم، ويقول إنّه مُحافظ على هذا الحب فهو يجعله حبًا عذريًا وعفيفًا بعيدًا عن البوح والتّصريح به، وإنّما يُحافظ عليه في سرّه فقط وفي نجواه، أي أنه ما زال يرجو هذا الحب ولكن بينه وبين نفسه دون الإشهار به.[٥]
نابَ الحَنينُ إِلَيكُم في خَواطِرِنا
- عَنِ الدَلالِ عَلَيكُم في أَمانينا[٢]
يستمر الشاعر بمخاطبة أحبّته، فيقول لهم إنّ الحنين أصبح مُستقرًّا في جوارحه، رغم إدراكه ألّا سبيل للقاء المحبوبة، ولكنّه يستمر بالوفاء لحُبّه وحنينه لها، ويقول إنّه بعدما كان يتدلّل بالوصال، أصبح يتمنّى هذا الوصل، وهو بذلك يشرح بأنّ أبسط الأمور التي كانت تمرُّ في حياته أصبحت من ضمن أمانيه وأحلامه.[٥]
جِئنا إِلى الصَبرِ نَدعوهُ كَعادَتِنا
- في النائِباتِ فَلَم يَأخُذ بِأَيدينا[٢]
ما زالت مشاعر الحسرة تُسيطر على الشاعر، فهو يتحسّر ولا يجد سوى الصبر ليلجأ إليه، وتلك هي عادة الشّاعر في نوائبه ومصائبه، تجده يلجأ للصبر دائمًا، مع هذا فقد خذله؛ فلم يأخذ بيده ويُعينه على المصائب، إذ واجهها بكلّ بؤس وألم.[٥]
وَما غُلِبنا عَلى دَمعٍ وَلا جَلَدٍ
- حَتّى أَتَتنا نَواكُم مِن صَياصينا[٢]
يُعبّر في هذا البيت عن تجربته في الماضي، فهو لم يبكِ من قبل، ولم يخذله الصبر أبدًا، أمّا الآن فهي تنهمر غزيرة رغم أنّه في حصون شديدة، بيد أنّ حنينه للوطن فاق كلّ شيء، فالشاعر فاضت مشاعره وأوجاعه بالقصيدة، فالعاطفة ركّزت على وصف الحنين للوطن وألم الفراق عنه.[٥]
معاني المفردات في أندلسية أحمد شوقي
- نائح: هي من النّوح أي صياح الحمام.[٦]
- الطلح: هو شجر العِضَاه.[٧]
- عوادينا: نوائب الدهر ومصائبه.[٨]
- نشجى: نحزن.[٩]
- جالت: ترددت وطافت غير مستقرة.[١٠]
- البين: الفراق.[١١]
- سامرنا: وهي مجالس السمّار واجتماعهم وأحاديثهم آخر الليل.[١٢]
- النوى: البعد.[١٣]
- سلَّ: انتزع وأخرج.[١٤]
- نبرح: زال عنه فتركه ورحل.[١٥]
- منصدع: الشق في الشيء الصلب.[١٦]
- عيّ: العجز عن التعبير.[١٧]
- الجنس: النوع والأصل.[١٨]
- أساة: كثرة الأوجاع الذي يداويها الطبيب.[١٩]
- النطس: الدقة في النظر إلى الأمور.[٢٠]
- آهًا: كلمة تدلّ على التوجع والتأوه.[٢١]
- نازحي: هو من انتقل ورحل عن وطنه فترة طويلة.[٢٢]
- أيك: الشجر الكثيف والملتف.[٢٣]
- الرفيق: هي الأرض الخصبة لينة الجوانب.[٢٤]
- رسم: هو الأثر الباقي من الديار.[٢٥]
- نجيش: تتحرك وتفيض.[٢٦]
- الإجلال: الشيء الكبير والعظيم.[٢٧]
- مقة: محبة.[٢٨]
- الخلد: الجنة ودار البقاء.[٢٩]
- ساريَ: وهي السحب التي تجيء ليلًا.[٣٠]
- جوانحنا: هي الأعضاء الموجود في الصدر.[٣١]
- يهمي: لا يهتدي لطريق.[٣٢]
- مآقينا: مجاري الدمع من العين.[٣٣]
- دياجيه: الظلمات.[٣٤]
- كزفرة: إخراج النفس من الرئة.[٣٥]
- تُناجينا: التحدُّث سرًا.[٣٦]
- صياصينا: الحصون.[٣٧]
الصور الفنية في أندلسية أحمد شوقي
كيف وظّف الشاعر الاستعارة في قصيدته الفنية؟
- ماذا تَقُصُّ عَلَينا غَيرَ أَنَّ يَدًا
- قَصَّت جَناحَكَ جالَت في حَواشينا[٢]
استطاع أحمد شوقي أن يُبدع من خلال بلاغته في الصور الفنيّة، فهو شبّه اليد بإنسان يتجوّل ويبطش بها كلّ ما حوله، وهنا صرّح بالمُشبّه وهو "يدًا"، وحذف المشبّه به وهو "الإنسان"، ولكنّه أبقى على قرينة دالّة وهي "قصّت"، والاستعارة هي استعارة مكنيّة.[٥]
- رَمى بِنا البَينُ أَيكًا غَيرَ سامِرِنا
- أَخا الغَريبِ وَظِلّاً غَيرَ نادينا[٢]
شبّه الشاعر الفُراق بالشيء العنيف الذي يضرب بشدّة ويرمي كلّ ما حوله، وصرّح بالمُشبّه وهو الفراق، وحذف المُشبّه به وهو الشيء العنيف، والاستعارة هنا هي استعارة مكنيّة.[٥]
- كُلٌّ رَمَتهُ النَوى ريشَ الفِراقُ لَنا
- سَهماً وَسُلَّ عَلَيكَ البَينُ سِكّينا[٢]
صوّر الشاعر البُعد عن الوطن وفراق الأحبة بالسكّين الذي يذبحه ويقضي عليه، والاستعارة هنا هي مكنيّة؛ إذ ذَكر المُشبّه وهو البُعد والنّوى، وحذف المشبّه به وهو حال الشاعر في الفراق.[٥]
- إِذا دَعا الشَوقُ لَم نَبرَح بِمُنصَدِعٍ
- مِنَ الجَناحَينِ عَيٍّ لا يُلَبّينا[٢]
يُشبّه الشاعر في البيت السابق عواطفه ونفسه وقد أتته مشاعر الشوق والحنين بالطّائر مكسور الجناجين، إذ صرّح بالمشبّه وهو الشوق، وحذف المُشبّه به الطائر، وأبقى على قرينة دالّة وهي الجناحين، والاستعارة هنا هي استعارة مكنية.[٥]
- أُساةُ جِسمِكَ شَتّى حينَ تَطلُبُهُم
- فَمَن لِروحِكَ بِالنُطسِ المُداوينا[٢]
يُصوّر الشّاعر في نفسه بأنّه مريض ويحتاج إلى العلاج، فلم يُصرّح بنفسه وهو المشبّه، ولكنّه ذكر المُشبّه به وهو روحه المريضة التي تحتاج إلى العلاج، والاستعارة هنا هي استعارة تصريحية.[٥]
- لَكِنَّ مِصرَ وَإِن أَغضَت عَلى مِقَةٍ
- عَينٌ مِنَ الخُلدِ بِالكافورِ تَسقينا[٢]
إنّ التشبيه في السابق عشر تكرّر في أكثر من موضع؛ إذ شبّه الشاعر مصر بأكثر من مُشبّه، فهو شبّهها بالإنسان الذي يتدفّق مشاعره فيُخفي محبّته، كما شبّهها بالجنة، وشبّهها أيضًا بالإنسان الذي يسقي الظمآن، فذكر المُشبّه وهو مصر وحذف المٌشبّه به، والاستعارة هنا هي استعارة مكنيّة.[٥]
- لَمّا تَرَقرَقَ في دَمعِ السَماءِ دَمًا
- هاجَ البُكا فَخَضَبنا الأَرضَ باكينا[٢]
شبّه الشاعر المطر المُنهمر من السّماء بالدُّموع التي يبكيها الإنسان، فصرّح بالمُشبّه به وهو دموع السماء، وحذف المشبّه وهو المطر، والاستعارة هنا هي استعارة تصريحيّة.[٥]
- اللَيلُ يَشهَدُ لَم نَهتِك دَياجِيَهُ
- عَلى نِيامٍ وَلَم نَهتِف بِسالينا[٢]
شبّه الشاعر الليل بالإنسان الذي يشهد على حوادث الحياة سواء في الماضي أم الحاضر، وهنا صرّح الشاعر بالمشبّه وهو الليل، وحذف المشبّه به الإنسان، والاستعارة هي استعارة مكنيّة.[٥]
- وَالنَجمُ لَم يَرَنا إِلّا عَلى قَدَمٍ
- قِيامَ لَيلِ الهَوى لِلعَهدِ راعينا[٢]
شبّه الشاعر النّجم بالإنسان الذي يرى، فالمُشبّه هو النّجم، أمّا المُشبّه به هو الإنسان، وحذف المُشبّه به وأبقى على قرينة دالّة وهي "يَرَنا"، والاستعارة هنا هي استعارة مَكنيّة.[٥]
- جِئنا إِلى الصَبرِ نَدعوهُ كَعادَتِنا
- في النائِباتِ فَلَم يَأخُذ بِأَيدينا[٢]
شبّه الشّاعر الصّبر بالإنسان الذي يلجأ إليه الأفراد فيطلبونَ عوْنه ومُساعدته، إذ صرّح بالمُشبّه وهو الصبر، وحذف المُشبّه به وهو الإنسان، ولكنّه أبقى على قرينة دالّة وهي الشطر الأوّل من البيت، والاستعارة هنا هي استعارة مَكنيّة.[٥]
جماليات الأسلوب في أندلسية أحمد شوقي
كيف وظّف الشاعر البلاغة والمحسنات البديعية في قصيدته؟
- يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا
- نَشجى لِواديكَ أَم نَأسى لِوادينا[٢]
افتتحَ الشّاعر القصيدة بأسلوب النداء، وهو تركيب نحويّ يتكوّن من رُكنين أساسيّين هما: أداة النّداء والمُنادى[٣٨]، وفي البيت السابق يستخدم الشاعر النداء ليُعبّر عن حاجته للإفصاح عن نفسه، كما أنّه يستخدم الاستفهام في نفس البيت ويقول: نَشجى لواديك أم نَأسى لِوادينا، وبين كلمتي "نشجى ونأسى" هناك ترادف.[٥]
- ماذا تَقُصُّ عَلَينا غَيرَ أَنَّ يَدًا
- قَصَّت جَناحَكَ جالَت في حَواشينا[٢]
بدأ الشاعر البيت السابق باستفهام يحمل عدّة معانٍ ومنها؛ الحيرة، والنفي، واليأس، فالشّاعر لا يُريد سماع القصة، وهناك أيضًا جناس بين كلمتي تقصّ وقصّت، وذلك يُعطي جرسًا مُوسيقيًا لإيقاع القصيدة.[٥]
- فَإِن يَكُ الجِنسُ يا اِبنَ الطَلحِ فَرَّقَنا
- إِنَّ المَصائِبَ يَجمَعنَ المُصابينا[٢]
من جماليات الأسلوب في البيت السابق؛ وجود الحكمة الدالّة على خبرة الشّاعر بالحياة، فهو استعمل أسلوبًا حكيمًا يُشير إلى أنّ المصائب بالحياة تجمع المصابين بها في نفس القدر، ويحوي البيت أيضًا على أسلوب النّداء الدالّ على الشّكوى والبوح، وفي البيت أيضًا وردت كلمتان بينهما طباق، هُما: "فرّقنا ويجمعنَ"[٥]
- لِفِتيَةٍ لا تَنالُ الأَرضُ أَدمُعَهُم
- وَلا مَفارِقَهُم إِلّا مُصَلّينا[٢]
إنّ أسلوب الشاعر في البيت العاشر يجمع بين الرّثاء وبين المديح، فيمدح أهل الأندلس وعزّتهم، والبيت كلّه كناية عن عزّة الأجداد والآباء، وذلك يُوضّح عظمة الأجداد، وفخْر الشاعر بهم رُغم أوجاعه من فراق وطنه.[٥]
نبذة عن الشاعر أحمد شوقي
من هو أول شاعر عربي صُنّف ضمن المسرح الشعري؟
وُلد أحمد شوقي في القاهرة عام 1870م، كان أبوه يعود لأصل شركسيّ، أمّا أمّه فهي من أصول يونانيّة، تربّى في كَنَف جدّته، ونشأ معها في القصر الذي كانت تعمل به، وهو قصر الخديوي[٣٩]، ولمّا أصبح عمره أربع سنوات التحق بكُتّاب الشيخ صالح، وحفظ قدرًا من القرآن الكريم، وفي تعليمه فقط أظهر نبوغًا دالًا على ذكائه وفطنته، وانكبّ على دواوين الشعراء، فبدأ يُحبّ الشعر حتى جرى على لسانه، وتوفي عام 1932م، ويُعدّ أحمد شوقي أوّل شاعر عربيّ يُصنّف ضمن المسرح الشعريّ، فهو في حياته اكتسبَ احترام الناس وموضع إعجابهم.[٤٠]
لقراءة المزيد عن حياة الشّاعر، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: نبذة عن الشاعر أحمد شوقي.
المراجع
- ↑ "نونيات وحياة بشامة النهشلي،ابن زيدون،الحلي،شوقي"، اللغة العربية صاحبة الجلالة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه و ي أأ أب أت أث أج أح أخ أد "يا نائح الطلح أشباه عوادينا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "الموازنة بين القصيدتين"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د "أندلسية شوقي"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م "يا نائح الطلح دراسة سند شعري لأحمد شوقي الجزء الأول"، يوتيوب، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى نائح في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الطلح في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى عوادي الدهر في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى نشجى في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى جالت في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى البين في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى السامر في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى النوى في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى سلَّ في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى نبرح في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى منصدع في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى عي في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الجنس في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى أساة في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى النطس في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى آه في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى النازح في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى ايك في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الرفيق في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى رسم في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى نجيش في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الاجلال في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى مقة في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الخلد في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-20. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى ساري في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى جوانحنا في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى يهمي في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى مآقي في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى دياجيه في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الزفرة في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى تناجينا في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى صياصي في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ↑ "أسلوب النداء"، جامعة الملك سعود، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ↑ "أحمد شوقي"، ويكيبيديا، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.
- ↑ "أحمد شوقي"، معرفة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21. بتصرّف.