شرح حديث (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين)

كتابة:
شرح حديث (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين)

معنى حديث (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين)

قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أعمار أمتي)؛ أي أعمار المُعمّر منهم غالباً،[١]وقال ابن عبد الجبار في الجامع الصحيح: (أعمار أمتي)؛ أي آخر عمر أُمتي، يَبتدئ بالستين سنة، وينتهي بالسبعين، وقَلّ من يتجاوز عمره ذلك، والمراد: أي غالبٌ حال أمتي.[٢]

وقال بعض الحكماء أنّ العمر ينقسم إلى أربعة أقسام: سِن الطّفولة، وسِن الشباب، وسِن الكهولة، وسِن الشيخوخة، وهي آخر هذه الأقسام، ويَغلِب أن يكون هذا القسم -الذي فيه انتهاء العمر- ما بين الستين والسبعين سنة، وحينها يَظهر ضعف الإنسان ونقصانه، فينبغي على من بلغ ذلك المبلغ، أن يُقبل على الآخرة بكليّته، لاستحالة أن يرجع إلى ما كان عليه من قوة.[٢]

وقولُه -صلى الله عليه وسلم-: (وأقلُّهم من يجوزُ ذلِكَ)؛ أي النسبة الأقلّ من أمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- من تتجاوز في انتهاء أعمارها السبعين سنة فما فوقها، ومن الصحابة الكرام من بلغ المائة سنة كأسماء بنت أبي بكر، ومنهم من تجاوزها كأنس بن مالك (103) سنين، وحسان ابن ثابت (120) سنة، وسلمان الفارسي (150) سنة -رضي الله عنهم أجمعين-.[٣]

تأملات في حديث (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين)

قال ابن بطال: أنّ الستين سن الإنابة والخشوع؛ لأنّ فيها ترقّب المنيّة، فهذا إعذار بعد إعذار، لطفاً من الله -تعالى- بعباده، وقد روى الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن ‌أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة).[٤][٥]

وفي الحديث إشارةٌ إلى بلوغ العلم بعد الجهل، وبلوغ الحكمة بعد الطيش، والاعتبار بالضعف بعد الاغترار بالقوة، أمّا تأخير الأجل إلى هذا الحد، فيعني تأخير عقاب المعمرين من الناس، إلّا بعد الحجج الواضحة، وإن كانوا جُبلوا على حب الدنيا، وطول الأمل، لكنهم أمروا بمجاهدة النفس، وهذا اختبارهم، كما أنّ في الحديث إشارةٌ أيضاً إلى أنّ استكمال الستين مظنةٌ لانقضاء الأجل.[٥]

ومن ذلك استنبط فقهاء الشافعية، أن الستّين حدّ انقضاء الأجل في الأحكام الشرعية، ومن ذلك أنّ الحجّ فريضةٌ على القادر، في العمر مرةً واحدةً، قال الشافعية: من بلغ الستين ولم يحج وهو قادرٌ، فإنّه يكون مصراً، وإن مات قبل أن يحجّ فهو آثمٌ.[٦]

صحة حديث (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين)

روى الإمام النووي في المنثورات، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أعمارُ أمَّتي ما بينَ السِّتِّينَ والسَّبعينَ وأقلُّهم من يجوزُ ذلِكَ)،[٤]ورآه الترمذي (3550)، وابن ماجه (4236)، في سننهما بلفظ: (أعمارُ أمَّتي ما بينَ الستينَ إلى السبعينَ وأقلُّهم مَنْ يجوزُ ذلِكَ)،[٤] والحديث حسن غريب كما خرّجه الترمذي.[٧]

المراجع

  1. محمد السندي، كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه، صفحة 559. بتصرّف.
  2. ^ أ ب صهيب عبد الجبار، الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، صفحة 77. بتصرّف.
  3. محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 73. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6419، صحيح.
  5. ^ أ ب علي بن دعجم، يا صاحب الستين، صفحة 11. بتصرّف.
  6. عبد العزيز بن باز، الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري، صفحة 226. بتصرّف.
  7. نور الدين الهيثمي، موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، صفحة 124-125. بتصرّف.
4727 مشاهدة
للأعلى للسفل
×