شرح حديث خيركم خيركم لأهله

كتابة:
شرح حديث خيركم خيركم لأهله

شرح حديث خيركم لأهله

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهله وأنا من خيركم لأهلي)،[١] وهو حديثٌ نبويٌّ يحثُّ فيه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى تحقيق أعلى رتب الخير بالإحسان إلى الأهل عامةً، وللنِّساء خاصَّةً، فيشمل الإحسان إلى الزَّوجات والبنات والأخوات، مبيِّناً -صلوات ربي وسلامه عليه- أنَّه القدوة في هذا الأمر، داعياً إلى أن يتخلَّق المسلمون بخلقه، من الِّلين ولطف المعاملة مع الأهل، والتحبُّب إليهم.[٢]


الأهل المقصودون في الحديث

دعا الحديث النبويُّ إلى حسن معاملة الأهل، فيجب على المسلم أن يكون لأهله خير صديقٍ وخير مربي؛ فهم الأولى بالمعروف من غيرهم، وعندما نقول: "الأهل" يظهر لنا أن المقصود هم الأقرب فالأقرب.[٣]


وكما نعلم أنَّ الأقرب للإنسان بقرابة الصِّلة هم والديه، وأخواته، وإخوانه، وزوجته، وأولاده، وبناته، وقد قال بعضهم أنَّ المقصود هنا هو الإحسان إلى الزوجات على وجه الخصوص بحسن المعاشرة والتعامل، فخير النَّاس هم خيرهم لنسائهم.[٤]


وقد كرَّم الإسلام المرأة وضمن لها حقوقاً على زوجها كما أن عليها واجبات، فهذا نبيُّنا الكريم يصدح في أكبر تجمُّعٍ للمسلمين -خطبة الوداع-،[٥] ليقول عليه -الصلاة والسلام-: (اسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ خَيْرًا)،[٦]فمن اكتمال الخُلُق واتِّزان الشَّخصيَّة إكرام المرأة وعدم إهانتها؛ لأنَّ في إهانتها علامة لؤمٍ وفقدان لخلق الإحسان.[٧]


الخيرية المقصودة في الحديث

وتتحقق الخيرية هنا بأداء الواجبات تجاه الأهل، والصفح عنهم، وحسن معاشرتهم، وبشاشة الوجه عند لقياهم،[٨] و(خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ)،[١] تدلُّ على أنَّ التَّفضيل هنا يكون مقيداً بعلاقة الإنسان بأهله، وليس بكونه الأفضل في كلِّ حالٍ وعلى جميع الوجوه،[٩] وأمَّا قوله -صلى الله عليه وسلم- : (وأنا من خيركم لأهلي)،[١] فالمقصود هنا الخيريَّة المطلقةٌ؛ فالنَّبيُّ -عليه الصلاة والسلام- هو أشرف الخلق وأحسنهم خُلُقاً، وكان في عشرة أهله أخير النَّاس.[١٠]


وإذا اطلعنا على سيرة رسولنا الكريم لوجدناها مليئةً بالأمثلة الفريدة على حسن تعامله مع أهل بيته؛ إذ لم يكن -صلى الله عليه وسلم- يرى في خدمة أهله انتقاصاً من رجولته، أو أنَّها غير متناسبةٍ مع نبوَّته، بل كان متواضعاً خدوماً يقدِّم صورةً رائعةً ليستنَّ المسلمون جميعاً بسنته،[١١] وهذه عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- تقول حينما سُئلت عن النبيِّ -صلوات الله وسلامه عليه- ماذا يصنع في بيته؟ لتقول: (كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ).[١٢]


فضل التعامل مع الأهل بالخير

إنَّ حسن المعاملة ميِّزة لهذا الدِّين العظيم؛ فقد جاء بالأخلاق الحميدة التي تكفل سعادة المنتسبين إليه، فكان لأثر التعامل مع الأهل بالخير فضائل كثيرة، نورد فيما يأتي بعضاً منها:

  • نيل رضا الله -سبحانه وتعالى-؛ بامتثال أمره والإحسان إلى خلقه.[١٣]
  • اكتمال الخلق؛ بتحسين العلاقة مع المولى -عزَّ وجل- ثمَّ بحسن التعامل مع النَّاس.[١٤]
  • أُنس الأهل، وتحقيق الملاطفة فيما بينهم.[١٥]


يدلُّ حديث رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- على سنَّةٍ محمودةٍ يحبُ على كلِّ مسلمٍ الاقتداء بها؛ وهي أن يكون الانسان خيِّرا مع أهله، وركَّز الحديث على النِّساء وضورة الاحسان إليهنَّ، من زوجاتٍ أو بناتٍ أو أخواتٍ أو أمهات، الأمر الذي يؤدي للعديد من الأمور المحمودة؛ كنيل رضى الله -تعالى-، واكتمال الخُلُق، والأُنس بالأهل.


المراجع

  1. ^ أ ب ت رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن ابن عباس، الصفحة أو الرقم:492، حسن لغيره(من هذا الطريق).
  2. الصنعاني، التنوير شرح الجامع الصغير، صفحة 33. بتصرّف.
  3. ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين، صفحة 569. بتصرّف.
  4. عبد الرحيم الطحان، خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان، صفحة 4. بتصرّف.
  5. محمد زينو، كتاب مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع، صفحة 332. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1468، صحيح.
  7. سيد سابق، فقه السنة، صفحة 185. بتصرّف.
  8. محمد عبد الله ولد كريم (1423-1424)، "المزاح في السنة"، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 68، المجلد 1، صفحة 354. بتصرّف.
  9. المناوي، فيض القدير، صفحة 495. بتصرّف.
  10. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1007. بتصرّف.
  11. منقذ السقار، الدين معاملة، صفحة 11-12. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:676، صحيح.
  13. سلمان العودة، دروس للشيخ سلمان العودة، صفحة 26. بتصرّف.
  14. محمود الخزندار، هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا، صفحة 495. بتصرّف.
  15. منقذ السقار، الدين المعاملة، صفحة 13. بتصرّف.
6495 مشاهدة
للأعلى للسفل
×