شرح حديث للصائم فرحتان
الحمد لله أن جعل في الصيام فضلاً يسمو بصاحبه إلى أفق الملائكية لأنه جُنَّة له يحبس شهواته للفوز برضا الله فيفرح عند فطره لنيله الأجر فكان له فرحا لأنه صبر فنال الأجر، وكذلك في الجَنّة فإن المؤمن يصبر ويحبس شهوته في الدنيا مقابل الفوز في الجَنة فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ).[١]
فرحتا الصائم
للصائم فرحتان يفرحهما:
فرحة بلوغ الصيام
وهي فرحة الوصول إلى الفطر، ولقد خصص الله الصائم بالفرح ليثبت أن هذه الفرحة للمتقين، فقد أثبت فضل الآخرة على الدنيا؛ لأن الدنيا يفرح فيها الصائم بالفطر والأكل والشرب ونيل الأجر، فلا يكون الفرح حقيقياً إلا بتمام الصيام، ولا يسعد القلب إلا بطمأنينة الروح يبعثها صدق الإيمان في بلوغ المراد من الصيام في تهذيب النفس، وفرحه بفطره إنما هو من حيث تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف ربه ومعونة على مستقبل صومه.[٢]
والصائمون طبقتين، إحداهما؛ من ترك شهوة بطنه وفرجه لله عزوجل يرجوا ما عند الله في جنة الخلد، فهذا سيربح وسينال ما عند الله من أجر؛ أما الطبقة الثانية من الصائمين؛ من أدام الصيام في الدنيا؛ يصوم عن المحرمات فيحفظ رأسه بدوام التعقل، يصوم بلسانه عن البهتان والكذب، ويحفظ بطنه وما وعى.[٣]
ويذكر الموت والبلى؛ فهو يريد الآخرة يترك زينة الدنيا وما فيها فهذا صائمٌ إلى أن يلقى ربه، فعيد فطره يوم لقاء ربه، وفرحه بصومه عن الشهوات أنه سيدركها في الجنة فهو صائمٌ عما سوى الله؛[٣] فقال الله-تعالى-: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآت).[٤]
وأما الذي يصوم بحبس بطنه عن الأكل، ناسياً حبس الشهوات عن نفسه، فهذا لا ينال فرحة الصيام، لأنه لم يحقق مقاصد الصيام الحقيقة في تهذيب الروح وضبط شهواته والسيطرة عليها.
فرحة بلوغ الجنة واللقاء بالله
وعدُ الله أن الذي يُكتسى بسعادة الصيام في الدنيا، سيسعد ويُكتسى فرحاً بالصوم عند لقيا الله عز وجل، في قوله: (وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ)، بذلك ففيه أن الدنيا فيها متعة الأجساد والأرواح تابعة لها، وأما الآخرة فالأصل فيها متعة الأرواح والأجساد تابعة لها.[٢]
فضائل الصيام
إن الصيام جُنة للمرء يقي الصائم من اللغو والرفث في الدنيا، وفضائل الصيام كثيرة منها ما يأتي:[٥]
الصوم لله من بين سائر الأعمال
اختص الله عز وجل الصوم لنفسه، ولا يؤخذ من أجر المرء يوم القيامة عند الحساب فقد قال رسول -صلى الله عليه وسلم- عن الله تعالى: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ).[١]
كسر النفس
إن الشبع بالشهوات يحمل النفس على الشرور والغفلة والطمع، فالصيام يكسر النفس ويقومها ويخلي القلب للفكر والذكر.
الصيام يضيق مجاري الشيطان من ابن آدم
يضيق مجرى الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فيسكن بالصيام وساوس الشيطان وتنكسر سورة الشهوة والغضب.
الصوم سبب في مغفرة الذنوب
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).[٦]
شرف الزمان كشهر رمضان
عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة مع الرسول، فلقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عُمرَةٌ في رَمضانَ تَعدِلُ حَجَّةً).[٧]
الصائم يهذب النفس ويدفعها للاستقامة
يجب على الصائم أن يتحلى بآداب الصيام لتعينه على الصبر ونيل الأجر التام ليبلغ تمام الفرح عند فطره، فلقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ).[٨]
المراجع
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1151، صحيح.
- ^ أ ب عبدالله بن مانع الروقي، شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري، صفحة 36. بتصرّف.
- ^ أ ب حسن بن علي الفيومي، فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، صفحة 643. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت ، آية:5
- ↑ حسن بن علي الفيومي، فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، صفحة 644. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2014، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:3700، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1904، صحيح.