شرح سورة لقمان للأطفال

كتابة:
شرح سورة لقمان للأطفال

وصف القرآن الكريم والمؤمنين

قال الله -تعالى-: (الم* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ* هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[١]


بدأت الآيات الكريمة في سورة لقمان بالتحدث عن معجزة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الخالدة -القرآن الكريم-، ودلت على عظمة آياته، فإنَّ آياته محكمةٌ صدرت من حكيم، وجاءت بأبلغ الألفاظ وأفصحها، وجمعت في آياتها بين التَّرغيب والتَّرهيب، إضافةً إلى أنَّ ما جاءت به من أخبارٍ وأمورٍ غيبيَّة مطابقة للواقع، وذلك لإعلام النَّاس إلى طريق الحقِّ والنجاة -الصِّراط المستقيم-.[٢]


كما تُحذّر الناس من سلوك طريق الباطل، لتحصل لهم السَّعادة في الدُّنيا والآخرة، ويثيبهم ثواباً جزيلاً، ويبعدهم عن الضَّلال والشَّقاء، ثمَّ وصف الله -عزَّ وجل- الذين يسيرون على طريق الحق بالمحسنين؛ وهم الذين يقومون بالأعمال الصَّالحة من الصَّلاة والزَّكاة، فيكونوا هم المحسنين حقاً الذين أنعم الله عليهم بالهداية وسلوك طريق الفلاح والصَّلاح.[٢]


الفرق بين جزاء الكافرين والمؤمنين

قال الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّـهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).[٣]


في هذه الآيات الكريمة فرَّق الله -عزَّ وجل- بين جزاء الكافرين والمؤمنين، فبيَّن الله حال أولئك الذين لم يطلبون هدايته، ولم يسعوا إلى التماس الأسباب التي تدلُّهم إلى الطريق إليه، بل شغلوا أنفسهم بالأحاديث اللّاهية التَّافهة التي تشبع رغباتهم وأهواءهم، وإذا سمعوا آيات الله استهزؤوا بها، وقد وعدهم الله -تعالى- بالعذاب؛ ليحاسبهم على ما فعلوه.[٤]


وكشف الله -عزَّ وجل- في الآية عن حالهم إذا تليت عليهم آيات الله، فيعرضون عنها ويستكبروا ولا يسمعوها وكأنَّهم صمٌّ عن سماع الحقِّ، فلا يلقى هذا الأصم المتكبِّر إلَّا العذاب الأليم الشَّديد الذي أعدَّه الله له، وأمَّا المؤمنين الذين يعملوا الصَّالحات ويقيمون الصَّلاة ويؤتون الزَّكاة؛ فقد أعدَّ الله لهم جنَّات النَّعيم خالدين فيها جزاء لما عملوا، وهذا وعدُ حقٍّ من الله لا يتخلَّف به ابداً؛ لأنَّه العزيز جلَّ علاه.[٤]


آيات قدرة الله في الخلق

قال الله -تعالى-: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ* هَـذَا خَلْقُ اللَّـهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).[٥]


بيَّنت الآيات الكريمة مظاهر قدرة الله -عزَّ وجل- في خلقه، فقد رفع السَّموات من غير عمدٍ، والرواسي؛ أي الجبال ثبّتها في الأرض من غير أن تتحرَّك بكم يميناً ويساراً، ويقصد بالزَّوج هنا الصِّنف والنَّوع وليس ما هو ضد الفرد، ويعمُّ ذلك جميع الأنواع من الحيوان والنَّبات والمعادن وغيره، ثمَّ خاطب الله -عزَّ وجل- الكافرين، وسألهم أن يروه ما خلقت آلهتهم -الأوثان والأصنام- التي يعبدونها.[٦]


وصايا لقمان لابنه

إنَّ الله -عزَّ وجل- قد منَّ على عباده بنعمٍ كثيرةٍ، منها الحكمة والتَّسديد في الرأي والمنطق، وهذه النِّعَم لا بدَّ من شكر الله عليها، والشُّكر ليس لحاجة الله إليه؛ فإنَّه سبحانه لا تنفعه طاعةُ أو معصيةُ مخلوقه، فمن شكر فإنَّه يشكر لنفسه، وكان لقمان ممَّن أعطاه الله الحكمة وشكره عليها، ووصى لقمان ابنه بعدة وصايا، منها ما يأتي:[٧]

  • نبذ الشِّرك، وتوحيد الله -تعالى- وعدم الإشراك به شيئاً؛ لأنَّ الاشراك بالله أعظم الظُّلم.
قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّـهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).[٨]
  • برُّ بالوالدين وطاعتهما بالمعروف ما دام لم يأمروه بالشِّرك أو بمعصية الله، والدُّعاء لهما ومصاحبتهم في الدُّنيا.
قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).[٩]
  • مراقبة الله -عزَّ وجل- للعبد في كلِّ اموره، فإنَّ مرجع العباد إلى الله سبحانه.
قال -تعالى-: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ).[٩]
  • إقامة الصَّلاة والأمر بالمعروف وبكلِّ خيرٍ والنَّهي عن المنكر وما يبعد عن الله.
قال -تعالى-: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ).[٩]
  • الصَّبر على المصيبة والابتلاء.
قال -تعالى-: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).[٩]
  • التواضع وتجنب الكِبَر على الخلق.
قال -تعالى-: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).[٩]
  • إخفاض الصَّوت عند مخاطبة النَّاس وألَّا تخاطبهم بصوتٍ عالٍ.
قال -تعالى-: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).[١٠]


جزاء الكافرين وعقابهم

قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّـهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ).[١١]


يخاطب الله -عزَّ وجل- البشر ويسألهم: ألم تروا أنَّ الله سخَّر لكم كلُّ ما في السَّموات والأرض من كواكب، وشمس، ونجوم، وبحار، وأنهار، وأشجار، وحيوانات، ونحوها، وأنعم عليكم بنعمٍ كثيرةٍ منها ما هو ظاهرٌ أمام أعينكم؛ كنعمة البصر والسمع، ومنها ما هو باطنٌ خفيٌّ عنكم؛ كالقلب والعقل والفهم، فآمن بها بعضهم وكفر بها البعض الآخر، وجادل بغير علمٍ ولا مستندٍ صحيحٍ.[١٢]


قال الله -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ* وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ* وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ).[١٣]


وإذا قيل لهم اتَّبعوا ما أنزل الله عليكم من القرآن والوحي، قالوا بل نتَّبع ما وجدنا عليه أباءنا وأجدادنا من دين ونقلّدهم، حتى لو كان باطلاً والشيطان يدعوهم إلى النَّار، وأمَّا من كان محسناً ومخلصاً إلى الله بالانقياد له واتِّباع شرعه، فقد نجى باستمساكه لأوثق عروةٍ من الحبل المتين الذي لا ينقطع.[١٢]


وسوف يُجزى من آمن بالله على فعله خيرا، وأمَّا من كفر فلا يهمُّك أمره، فمرجعه بالنِّهاية إلى الله -عزَّ وجل-، فيعاقبهم على أعمالهم فهو العليم بما يخفوا ما في صدروهم ويعلنوا، فيمتّعهم في الدُّينا ثمَّ يجازيهم بالآخرة بالعذاب الشَّديد الشَّاق.[١٢]


آيات الله العظيمة في الكون

يبيِّن الله -عزَّ وجل- في الآيات الكريمة من سورة لقمان: (25-32) تناقض المشركين عند سؤالهم مَن خلق السَّموات والأرض، فيقولون ويقرّوا بأنَّ الله وحده هو خالقها، وأنَّ الحمد والشُّكر يجب أن يكون له وحده، وأن جميع ما في الأرض والسَّموات ملكٌ لله، وأنَّه الغنيُّ عن حمد الحامدين إلَّا أنَّهم يعبدون معه غيره.[١٤]

ثم تبيّن الآيات الكريمة أنَّ أشجار الأرض لو كانت كلها أقلاماً والبحر ممدودٌ بسبعة أبحر، كُتبت فيه كلمات الله لنفذ البحر ولم تنفذ كلماته فهي غير متناهية، وهو -عزَّ وجل- خلقكم وبعثكم من نفسٍ واحدةٍ، سميعاً لأقوالكم بصيراً بأفعالكم، ومن دلائل عظمة الله -تعالى- الواردة في الآيات الكريمة:[١٤]

  • إيلاج اللَّيل في النَّهار وإيلاج النَّهار في اللَّيل أي يدخل هذا في هذا.
  • تسخير الشَّمس والقمر.
  • تسيير السفن في البحار بنعمة من الله ورحمته وهيئة أسبابه.


التمسّك بالإيمان

قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ* إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).[١٥]


أمر الله -عزَّ وجل- النَّاس بتقواه وخشية يوم القيامة الذي لا يتحمَّل فيه الجزاء شخصٌ عن غيره، وإنَّما يستقلُّ بالجزاء بنفسه ويحمل وزره، وحذّر الناس من الغفلة عن هذا اليوم بسبب مغريات الدُّنيا وملهياتها، وفي الآية الأخيرة قصر علم الساعة وما يقع فيها من أحداث على الله تعالى وحده.[١٦]


والله هو الذي ينزل الغيب بأمره وقدرته، ويعلم ما في أرحام الإنسان والحيوان من ذكر وانثى، وهو الذي يقدّر الأرزاق والأعمار، ولا يدري الإنسان ماذا قسم له الله من رزقٍ وعمرٍ، ولا يدري على أيِّ ميتةٍ يموت أو بأيِّ مكانٍ.[١٦]


المراجع

  1. سورة لقمان، آية:1-5
  2. ^ أ ب عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (2000)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، صفحة 646.
  3. سورة لقمان، آية:6-9
  4. ^ أ ب عبد الكريم يونس الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، القاهرة:دار الفكر العربي، صفحة 557-560، جزء 11.
  5. سورة لقمان، آية:10-11
  6. أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي (1422)، لمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 347، جزء 4.
  7. الشيخ الطبيب أحمد حطيبة ، تفسير الشيخ أحمد حطيبة، صفحة 2-8، جزء 228.
  8. سورة لقمان، آية:13
  9. ^ أ ب ت ث ج سورة لقمان، آية:18
  10. سورة لقمان، آية:19
  11. سورة لقمان، آية:20
  12. ^ أ ب ت سعيد حوّى (1424)، الاساس في التفسير (الطبعة 6)، القاهرة:دار السلام، صفحة 334، جزء 8.
  13. سورة لقمان ، آية:21-24
  14. ^ أ ب سعيد حوّى، الأساس في التفسير (الطبعة 6)، صفحة 335، جزء 8.
  15. سورة لقمان، آية:33-34
  16. ^ أ ب عبد الكريم يونس الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، القاهرة:دار الفكر، صفحة 594، جزء 11.
6368 مشاهدة
للأعلى للسفل
×