شرح شعر امرؤ القيس (فهي هي وَهِي)

كتابة:
شرح شعر امرؤ القيس (فهي هي وَهِي)


شرح شعر امرؤ القيس (فهي هي وَهِي)

شرح المقدمة الطللية

مَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل

:::مَحَلٌ قَدِيمُ العَهدِ طَالَت بِهِ الطِّيَل

عَفَا غَيرَ مُرتَادٍ ومَرَّ كَسَرحَب

:::ومُنخَفَضٍ طام تَنَكَّرَ واضمَحَل

وزَالَت صُرُوفُ الدَهرِ عَنهُ فَأَصبَحَت

:::عَلى غَيرِ سُكَّانٍ ومَن سَكَنَ ارتَحَل

تَنَطَّحَ بِالأَطلالِ مِنه مُجَلجِلٌ

:::أَحَمُّ إِذَا احمَومَت سحَائِبُهُ انسَجَل

بِرِيحٍ وبَرقٍ لَاحَ بَينَ سَحَائِبٍ

:::ورَعدٍ إِذَا ما هَبَّ هَاتِفهُ هَطَل

فَأَنبَتَ فِيهِ مِن غَشَنِض وغَشنَضٍ

:::ورَونَقِ رَندٍ والصَّلَندَدِ والأَسل

وفِيهِ القَطَا والبُومُ وابنُ حبَوكَلِ

:::وطَيرُ القَطاطِ والبَلندَدُ والحَجَل

وعُنثُلَةٌ والخَيثَوَانُ وبُرسُلٌ

:::وفَرخُ فَرِيق والرِّفَلّةَ والرفَل

وفِيلٌ وأَذيابٌ وابنُ خُوَيدرٍ

:::وغَنسَلَةٌ فِيهَا الخُفَيعَانُ قَد نَزَل

وهَامٌ وهَمهَامٌ وطَالِعُ أَنجُدٍ

:::ومُنحَبِكُ الرَّوقَينِ في سَيرِهِ مَيَل

فَلَمَّا عَرَفت الدَّارَ بَعدَ تَوَهُّمي

:::تَكَفكَفَ دَمعِي فَوقَ خَدَّي وانهمَل

فَقُلتُ لَها يا دَارُ سَلمَى ومَا الَّذِي

:::تَمَتَّعتِ لَا بُدِّلتِ يا دَارُ بِالبدَل

لَقَد طَالَ مَا أَضحَيتِ فَقراً ومَألَف

:::ومُنتظَراً لِلحَىِّ مَن حَلَّ أَو رحَل

ومَأوىً لِأَبكَارٍ حِسَانٍ أَوَانسٍ

:::ورُبَّ فَتىً كالليثِ مُشتَهَرِ بَطَل[١]


في هذه المقدمة نجد أنّ الشاعر يقف على أطلال ديار المحبوبة، ويبدأ بوصفه بأنّه طلل قديم العهد وأصبحت آثاره مضمحلّة بالية، وقد خلا من السكان والناس، فهذه الديار قد تدمرت، ولم تعد مأهولةً بالناس، لكن حضور هذه البقايا بعث الأسى في قلب الشاعر.


ومن ثمّ نجد أنّ الشاعر يستحضر لوحة المطر، فيروي لنا عن كون عوامل الطبيعة تُمعنُ في تدمير بقايا الديار، وتحاول إخفاءها فنراه يصف الريح وهي تعصف بالديار، ويذكر انهمار المطر المصحوب بالبرق والرعد، فقد صار هذا المكان مخيفًا منفرًا.


ونجد أنّ الشاعر يصف حال الديار بعد أن عصفت فيها العاصفة، إذ بدأ النبات يُنبت في جُنباتها، وبدأت الحيوانات تستقرّ بها لا سيما البوم، وهو رمزٌ للخراب عند العرب، بالإضافة إلى استقرار مختلف أنواع الطيور وحيوانات الصحراء في هذه الديار.


ومن ثم يصف لنا الشاعر اقترابه من هذه الأطلال وتعرّفه عليها، فيظهر دهشته بأنّها ديار المحبوبة سلمى، فانهمرت دموعه على ذكراها، فهذه الديار التي اندثرت هي ديار حبيبته التي غادرت عنها، وأصبحت بعيدة عن الشاعر، وقد أصبحت هذه الديار للغزلان وغيرها من حيوانات برية.


شرح لوحة الفخر

لَقَد كُنتُ أَسبى الغِيدَ أَمرَدَ نَاشِئ

:::ويَسبِينَني مِنهُنَّ بِالدَّلِّ والمُقَل

لَيَالِيَ أَسبِى الغَانِيَاتِ بِحُمَّةٍ

:::مُعَثكَلَةٍ سَودَاءَ زَيَّنَهَا رجَل

كأَنَّ قَطِيرَ البَانِ في عُكنَاتِهَ

:::عَلَى مُنثَنىً والمَنكِبينِ عَطَى رَطِل

تَعَلَّقَ قَلبي طَفلَةً عَرَبِيَّةً

:::تَنَعمُ في الدِّيبَاجِ والحَلى والحُلَل

لَهَا مُقلَةٌ لَو أَنَّهَا نَظَرَت بِهَ

:::إِلى رَاهِبٍ قَد صَامَ لِلّهِ وابتَهَل

لَأَصبَحَ مَفتُوناً مُعَنَّى بِحُبِّهَ

:::كأَن لَم يَصُم لِلّهِ يَوماً ولَم يُصَل

أَلا رُبَّ يَومٍ قَد لَهَوتُ بِذلِّهَ

:::إِذَا مَا أَبُوهَا لَيلَةً غَابَ أَو غَفَل

فَقَالَتِ لِأَترَابٍ لَهَا قَد رَمَيتُهُ

:::فَكَيفَ بِهِ إن مَاتَ أَو كَيفَ يُحتَبَل

أَيخفَى لَنَا إِن كانَ في اللَّيلِ دفنُهُ

:::فَقُلنَ وهَل يَخفَى الهِلَالُ إِذَا أَفَل[١]


في بداية هذه اللوحة نجد أنّ الشاعر يفخر بنفسه، بكونه فارسًا عظيمًا وأنّه قد شغف قلوب النساء حبًا منذ كان أمرد أي منذ كان مراهقًا لم ينبت الشعر في وجهه بعد، لكنه على الرغم من ذلك وقع في حبّ سلمى التي شغفت قلبه، وأصبح متيمًا بها.


ومن ثم يبدأ الشاعر بوصف هذه الفتاة وصفًا جسديًا، فيصف عيناها بأنهما ساحرتان إلى حدّ أنهما تجعلان الراهب المتبتل يصوم الدهر كله إعجابًا بهما، وتقديسًا للخالق على هذا الإبداع، ومن ثم يحكي لنا الشاعر عن مغامرته وهو يختلس الكلام معها في غياب والدها، فالشاعر يكشف لنا عن صبابته معها، وعن جرأته فيفخر بهذه الجرأة التي أوصلته لسلمى.


شرح المقطع الغزلي

قَتَلتِ الفَتَى الكِندِيَّ والشَّاعِرَ الذي

:::تَدَانَت لهُ الأَشعَارُ طُراً فَيَا لَعَل

لِمَه تَقتُلى المَشهُورَ والفَارِسَ الذي

:::يُفَلِّقُ هَامَاتِ الرِّجَالِ بِلَا وَجَل

أَلَا يا بَنِي كِندَةَ اقتُلوا بِابنِ عَمِّكم

:::وإِلّا فَمَا أَنتُم قَبيلٌ ولَا خَوَل

قَتِيلٌ بِوَادِي الحُبِّ مِن غيرِ قَاتِلٍ

:::ولَا مَيِّتٍ يُعزَى هُنَاكَ ولَا زُمَل

فَتِلكَ الَّتي هَامَ الفُؤَادُ بحُبِّهَ

:::مُهفهَفَةٌ بَيضَاءُ دُرِّيَّة القُبَل

ولى وَلَها في النَّاسِ قَولٌ وسُمعَةٌ

:::ولى وَلَهَا في كلِّ نَاحِيَةٍ مَثَل

كأَنَّ عَلى أَسنَانِها بَعدَ هَجعَةٍ

:::سَفَرجلَ أَو تُفَّاحَ في القَندِ والعَسَل

رَدَاحٌ صَمُوتُ الحِجلِ تَمشى تَبختر

:::وصَرَّاخَةُ الحِجلينِ يَصرُخنَ في زَجَل

غمُوضٌ عَضُوضُ الحِجلِ لَو أَنهَا مَشَت

:::بِهِ عِندَ بابَ السَّبسَبِيِّينَ لا نفَصَل

فَهِي هِي وهِي ثمَّ هِي هِي وهي وَهِي

:::مُنىً لِي مِنَ الدُّنيا مِنَ النَّاسِ بالجُمَل

أَلا لا أَلَا إِلَّا لآلاءِ لابِثٍ

:::ولا لَا أَلَا إِلا لِآلاءِ مَن رَحَل

فكَم كَم وكَم كَم ثمَّ كَم كَم وكَم وَكَم

:::قَطَعتُ الفَيافِي والمَهَامِهَ لَم أَمَل

وكافٌ وكَفكافٌ وكَفِّي بِكَفِّهَ

:::وكافٌ كَفُوفُ الوَدقِ مِن كَفِّها انهَمل

فَلَو لَو ولَو لَو ثمَّ لَو لَو ولَو ولَو

:::دَنَا دارُ سَلمى كُنتُ أَوَّلَ مَن وَصَل

وعَن عَن وعَن عَن ثمَّ عَن عَن وعَن وَعَن

:::أُسَائِلُ عَنها كلَّ مَن سَارَ وارتَحَل

وفِي وفِي فِي ثمَّ فِي فِي وفِي وفِي

:::وفِي وجنَتَي سَلمَى أُقَبِّلُ لَم أَمَل

وسَل سَل وسَل سَل ثمَّ سَل سَل وسَل وسَل

:::وسَل دَارَ سَلمى والرَّبُوعَ فكَم أَسَل

وشَنصِل وشَنصِل ثمَّ شَنصِل عَشَنصَلٍ

:::عَلى حاجِبي سَلمى يَزِينُ مَعَ المُقَل

حِجَازيَّة العَينَين مَكيَّةُ الحَشَ

:::عِرَاقِيَّةُ الأَطرَافِ رُومِيَّةُ الكَفَل

تِهامِيَّةَ الأَبدانِ عَبسِيَّةُ اللَمَى

:::خُزَاعِيَّة الأَسنَانِ دُرِّيِّة القبَل

وقُلتُ لَها أَيُّ القَبائِل تُنسَبى

:::لَعَلِّي بَينَ النَّاسِ في الشِّعرِ كَي أُسَل

فَقالت أَنَا كِندِيَّةٌ عَرَبيَّةٌ

:::فَقُلتُ لَها حاشَا وكَلا وهَل وبَل

فقَالت أَنَا رُومِيَّةٌ عَجَمِيَّة

:::فقُلتُ لها ورخِيز بِباخُوشَ مِن قُزَل

فَلَمَّا تَلاقَينا وجَدتُ بَنانَه

:::مُخَضّبَةً تَحكى الشَوَاعِلَ بِالشُّعَل

ولاعَبتُها الشِّطرَنج خَيلى تَرَادَفَت

:::ورُخّى عَليها دارَ بِالشاهِ بالعَجَل

فَقَالَت ومَا هَذا شَطَارَة لَاعِبٍ

:::ولكِن قَتلَ الشَّاهِ بالفِيلِ هُو الأَجَل

فَنَاصَبتُها مَنصُوبَ بِالفِيلِ عَاجِل

:::مِنَ اثنَينِ في تِسعٍ بِسُرعٍ فَلَم أَمَل

وقَد كانَ لَعبي كُلَّ دَستٍ بِقُبلَةٍ

:::أُقَبِّلُ ثَغراً كَالهِلَالِ إِذَا أَفَل

فَقَبَّلتُهَا تِسعاً وتِسعِينَ قُبلَةً

:::ووَاحِدَةً أَيضاً وكُنتُ عَلَى عَجَل

وعَانَقتُهَا حَتَّى تَقَطَّعَ عِقدُهَ

:::وحَتَّى فَصُوصُ الطَّوقِ مِن جِيدِهَا انفَصَل

كأَنَّ فُصُوصَ الطَوقِ لَمَّا تَنَاثَرَت

:::ضِيَاءُ مَصابِيحٍ تَطَايَرنَ عَن شَعَل

وآخِرُ قَولِي مِثلُ مَا قَلتُ أَوَّل

:::لِمَن طلل بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل[١]


يبدأ الشاعر في هذا المقطع وصف معاناته مع محبوبته، فهي قد قتلته وجعلت شعره كله يحوم حولها، ونراه يطالب قبيلته بني كندة أن تهرع لمساعدته وأخذ الثأر له، فهو قد قتل بالحب وليس بالسلاح، فهي جعلته متيمًا يعاني من أثر التمنع والتكبر.


ونرى أنّ الشاعر يستعمل في بعض أبياته كلمات متشابهة بالشكل مختلفة في المعنى، ومن ذلك (أَلا لا أَلَا إِلَّا لآلاءِ لابِثٍ ***ولا لَا أَلَا إِلا لِآلاءِ مَن رَحَل) فالمقصود في هذا البيت أنه لا أحد يصاب بالحب إلا ويلبث محله ومكانه، ولا يرحلُ إلا من أصابه اليأس.


وفي موضع آخر نجد أنّ الشاعر يكرر استعمال كم الخبرية، ويستعمل كم أيضًا بمعنى الكمية، فهو يريد من هذا التكرار أن يعمق مدى حبه وكميته لسلمى، فالشاعر كان يستعمل هذا الأسلوب غير مرّة في قصيدته، محاولاً أن يظهر براعته اللغوية أمام محبوبته، فكانت بعض الألفاظ متشابهة باللفظ، لكن بعضها مختلف في المعنى.


ومن ثمّ يحكي لنا الشاعر عن مباراة شطرنج بينه وبين محبوبته، فيحكي كيف غلبها بالفيل، وأنّ كل تحريك له كان يقابله قبلة، فيعلن أنّه قبلها مائة مرة، وكانت الأخيرة أسرعها، ومن ثم يحكي عن عناقه لها فكان عناقًا قوياً إلى حد أن عقدها انفرط من شدته وحرارته.


المراجع

  1. ^ أ ب ت " لمن طلل بين الجدية والجبل"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 29/1/2022. بتصرّف.
13776 مشاهدة
للأعلى للسفل
×