محتويات
التواضع
التواضع لله -تعالى- من صفات عباد الرحمن، فمن عرف الله -تعالى- وعرف عظمة الإسلام خرج الكِبر من نفسه، قال -تعالى-: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً﴾.[١] معنى هوناً باللغة: التواضع، والحِلم واللين والسكينة والوقار، وقد فسّر الحسن البصري قوله -تعالى- الذين يمشون هوناً؛ هم الذين يمشون حلماء متواضعين لا يجهلون على أحد.[٢]
والمؤمن يعلم أن العظمة لله -تعالى- وحده، والعزة لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، والاتصاف بخُلق التواضع يُعتبر من وسائل الدعوة، فهذا الخُلق يُؤدي إلى حب الناس للمتواضع وأُلفته فبالتالي حُبهم للدين الذي حثّه على التحلي بهذا الخُلق.
الترفع عن الجاهلين
الترفع عن الجاهلين من صفات عباد الرحمن، فإذا دخل الإيمان إلى قلبهم فإنهم لا يجدون وقتاً ليُضيعوه في مخاصمة الجاهلين أو السفهاء، فالمؤمن يترفّع ويرتقي عند تعلقه بربه، فلن تجده ينزل عن هذه المنزلة المباركة بسبب خصومةٍ من السفهاء وغيرهم.
قال -تعالى-: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً﴾،[٣] ولفظ سلاماً يحتمل ثلاث أفعالٍ قد يُواجه بها عباد الرحمن الجهالة، وبيانها فيما يأتي:[٤]
- الرد بالسلام فقط.
- الرد بقولٍ معروفٍ يقطعون به الطريق على السفهاء.
- الإجابة بجوابٍ بعيدٍ عن الإثم أو الجهالة.
الإخلاص لله وعدم الشرك
الإخلاص لله وعدم الشرك من صفات عباد الرحمن، فلن يبلغ العبد المؤمن منزلة عباد الرحمن إلّا بإفراد الله -تعالى- وحده بالعبادة، فيحرص على الاجتهاد في أن يكون مخلصاً لله في قلبه وقوله وعمله، والابتعاد عن كلّ شائبةٍ قد تُخلِّ بعقيدة توحيده وإخلاصه لله.[٥]
قال -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً﴾.[٦][٥] فالمؤمن يعلم أن أعظم ما قد يُعصى الله -تعالى- به هو الشرك وترك الإخلاص، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟ قالَ: أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِداً وهو خَلَقَكَ).[٧]
الدعاء بالهداية للغير
يتصف عباد الرحمن بحُب الهداية لكلّ الخلق لذا يحرصون على الدعاء لهم بالخير والهداية، ليذوقوا حلاوة العبودية لله -تعالى-، امتثالاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).[٨]
قال -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾،[٩] إذ يدعوا المؤمن لنفسه ولزوجه وأبنائه ولغيرهم بالهداية امتثالاً لأمره، ويجتهد بالدعاء للخلق فبدعائه لهم كأنه يدعوا لنفسه أيضاً،[١٠] لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن دَعَا لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ وَلَكَ بمِثْلٍ).[١١]
الاعتدال في الإنفاق
يعلم المؤمن أن الله -تعالى- قد استخلفهُ في المال، لذا فإنه يُحسن إنفاقه دون إسرافٍ أو بخلٍ وفي هذا تعبدٌ للرحمن، قال -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾.[١٢] فالعبادة ليست محصورةً في الصوم والصلاة، بل تتضمن أيضاً الاعتدال في الإنفاق الذي يكون في الأكل والشرب واللباس، والإنفاق المُبتعد عن التبذير أو التقصير.[١٣]
وكذلك الأمر يكون في الصدقات ومساعدة الفقراء، فعن عبد الله ابن عمر -رضي الله عنه- قال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كُلوا واشرَبوا وتَصدَّقوا والْبَسوا ما لم يخالِطْهُ إسرافٌ أو مَخيَلةٌ).[١٤]
العفاف وحفظ الفرج
أخرج البخاري في صحيحه عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ علَى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ)،[١٥] وليكون المسلم من عباد الرحمن يجب عليه التزام العفة، وهي منع الإنسان نفسه عن الحرام، والحرص على مُراعاة حرامات الله -تعالى-، فالمؤمن الذي يضبط نفسه ويُعفها عن إتيان الحُرمات أو مُقدماتها يكون بذلك مُتعبداً لله -تعالى-.[١٦]
وقد ذكر الله -تعالى- عباد الرحمن الذين يتصفون بالعفاف وحفظ الفرج في قوله: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً﴾،[١٧] فيحرص العبد المؤمن كل الحرص على الابتعاد عن انتهاك حُرمات الله أو الاعتداء عليها، وذلك رغبةً بنيل رضوان الله -تعالى-، أو خوفاً من عذاب جهنم.[١٨]
كثرة الإنابة إلى الله
يُحاسب المؤمن نفسه على الذنب الذي قد يرتكبه، فيحرص على التوبة والرجوع والإنابة إلى الله -تعالى-، فكثرة الإنابة إلى الله من صفات الأنبياء قال -تعالى-: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ﴾.[١٩]
والمؤمن يتعظ عند سماعه لآيات الله -تعالى-، أو عند سماع حديثٍ من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد مدح الله -تعالى- عباده المؤمنين الذين يتعظون بآياته في قوله - تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً﴾.[٢٠][١٨]
وعباد الرحمن ليسوا ممن يسمعون آيات الله ثم يُعرضون عنها كأنهم لا يُبصرون ولا يفهمون ولا يسمعون، بل يغلب عليهم شعور الخشية والخشوع والتذلل لله -تعالى-.[١٨]
الخشية من عذاب الله
يطمع المؤمن في رحمة الله -تعالى-، فالمؤمن يسأل الله -تعالى- أن يُبعد عنه العذاب في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا)،[٢١] والخشية من العذاب من صفات عباد الرحمن إذ يخافون على أنفسهم من عذاب جهنم.[١٨]
وهو عذابٌ طويلٌ ولا تقدر الأجساد عليه،[١٨] فيسعى المؤمن على شدة الاجتهاده والتعبد وكثرة رجوعه إلى الله -تعالى-، فالمؤمن دائم الخوف من عذاب الله في الدنيا والآخرة.[٢٢]
كثرة العبادة
يجتهد عباد الرحمن في الطاعات، ولا يتركون وقتاً بدون طاعةٍ لله -تعالى-، قال -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً﴾،[٢٣] ذكر الحسن البصري -رحمه الله-: "هذا ليلهم، إذا خلوا بينهم وبين ربهم صفوا أقدامهم، وأجروا دموعهم على خدودهم، يطلبون إلى الله -جل ثناؤه- في فِكاك رقابهم".[٢]
وعلى الرغم من شدّة دعاء المؤمن لله -تعالى- بأن يُنجيه من العذاب، إلّا إنه يستمر في أداء العبادات في النهار ولا يغفل عنها أيضاً في الليل، ولا يترك الفُرص في جعل حياته كلها عبادة لله -تعالى-، فيجعل من مأكله ومشربه وتعامله عبادة، إذ يُخلص النية في هذه الأعمال لله وحده وينوي أن يتقوى بهذه الأعمال على طاعة الله -تعالى-.
عدم حضور مجالس اللغو
يتصف عباد الرحمن بأنهم يصونون أوقاتهم عن الضياع والعبث، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)،[٢٤] والزور: هو كل ما كان باطلاً من الأقوال والأفعال التي زُينت لكي تؤثر بالناس،[٢٥] وإذا تعرّض عباد الرحمن لهذا الباطل، أعرضوا عنه وتركوه طاعةً وتقرباً لله، مُنكرين بذلك المنكر ولو كان مُزيناً ومُزخرفاً وقام الجميع بفعله.[٢٦]
المراجع
- ↑ سورة الفرقان ، آية:63
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (٢٠١٧م)، موسوعة التفسير المأثور (الطبعة الأولى)، بيروت: مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي، صفحة (157-164)، جزء 16. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان ، آية:63
- ↑ مجموعة من المؤلفين ، التفسير الميسر، صفحة 365. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، صفحة 416. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان ، آية:68
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:6811، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:13، صحيح.
- ↑ سورة الفرقان ، آية:74
- ↑ أسماء الناصر ( ١٤٣٨ هـ)، الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، صفحة 618. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي الدرداء ، الصفحة أو الرقم:2732، صحيح.
- ↑ سورة الفرقان ، آية:67
- ↑ أسعد حومد، أيسر التفاسير، صفحة 2804. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن ماجه، في صحيح ابن ماجه ، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:3605، حسن.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم:5096، صحيح.
- ↑ مجموعة مؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية الدرر السنية، صفحة 404. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان ، آية:68
- ^ أ ب ت ث ج محمد الطبري، تفسير الطبري ، صفحة (288-316)، جزء 19. بتصرّف.
- ↑ سورة هود ، آية:75
- ↑ سورة الفرقان ، آية:73
- ↑ سورة الفرقان ، آية:65
- ↑ أبو البركات النسفي، تفسير النسفي مدارك التنزيل وحقائق التأويل، صفحة 548. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان ، آية:64
- ↑ سورة الفرقان ، آية:72
- ↑ محمد أبو زهرة ، زهرة التفاسير، صفحة 5320. بتصرّف.
- ↑ العز بن عبد السلام ، تفسير العز بن عبد السلام، صفحة 434. بتصرّف.