شرح فضل سورة الفلق
سورة الفلق سورةٌ عظيمة جاءت لتعلّم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعلّمنا نحن أيضاً من بعده أن نتعوّذ من كل الشرور بصفةٍ عامة، ومن شر كل حاسد ومن شر الليل الذي يكثر فيه حدوث الشرور بصفة خاصة، حتى نكون في حفظ الله وحراسته من كل هذه الشرور، ويجب علينا تعليمها لأطفالنا وتحصينهم بها صباحاً ومساءً، لأن الله -تعالى- هو الحافظ والمدبر.[١]
وسورة الفلق سورة عظيمة جاء في فضلها عدد من الأحاديث النبوية الشريفة، ومما جاء في فضلها حديث عُقبةَ بنِ عامرٍ قالَ: (كنتُ أقودُ برسولِ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ناقتَه في السَّفرِ، فقالَ لي: يا عقبةُ، ألا أعلِّمُك خيرَ سورتينِ قُرئتا؟ فعلَّمني قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاسِ، قال: فلم يَرني سُرِرْتُ بِهما جدًّا فلمَّا نزلَ لصلاةِ الصُّبحِ صلَّى بِهما صلاةَ الصُّبحِ للنَّاسِ، فلمَّا فرغَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ منَ الصَّلاةِ التفتَ إليَّ فقالَ: يا عقبةُ كيفَ رأيتَ).[٢]
ومما جاء في فضلها أيضا حديث عقبة: (قالَ لي رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: أُنْزِلَ، أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، المُعَوِّذَتَيْنِ)،[٣] ولِعظم فضلها أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقراءتها في كل صلاة، فجاء في حديث آخر لعقبة -رضي الله عنه- أنه قال: (أمَرَني رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنْ أقرأَ بالمُعَوِّذَتيْنِ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ).[٤]
ويتبيّن من الأحاديث الشّريفة أنّ سورة الفلق من خيرة سور القرآن الكريم، فقد قال رسول الله إنّه قد أُنزل عليه آيات لم يُرَ مثلهنّ، وحثّ على المواظبة على قراءتها بعد كل صلاة، وهي كذلك مما يُقرأ في أذكار الصباح والمساء، وقبل النوم، وكلّ ذلك يُبيّن أهميّتها وفضلها العظيم.
نبذة عن سورة الفلق
سورة الفلق سورة مكية، تأتي بعد سورة الإخلاص وقبل سورة الناس، وعدد آياتها خمس آيات، وتقع في الجزء الثلاثين من القرآن الكريم، ورقمها في المصحف مئة وثلاثة عشر،[٥] ويُطلق على سورة الفلق وسورة الناس المعوذتين؛ لأنهما تبرِّئان صاحبهما من النفاق.[٦]
سبب النزول
نزلت هذه السورة عندما قام اليهودي لبيد بن الأعصم بعمل سحر للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ووضعه في أحد الآبار، فمرض النبي -صلى الله عليه وسلم- حينها متأثراً بهذا السحر، فأخبر جبريل -عليه السلام- سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بمكان السحر، وأنزل الله هذه السورة، فراح النبي -صلى الله عليه وسلم يقرؤها حتى زال أثر السحر.[٧]
ولم يُسحر النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصورة أو الطريقة المتخيلة لنا بأن يلبسه شيطان أو جني -حاشاه صلوات ربي وسلامه عليه-، أو على الصورة التي استهزأ الكفار بها، فقد قالوا: إنه خُدع وسُحر بعقله، وإنما سحر النبي -صلى الله عليه وسلم بألم أو مرض كان يجده في بدنه.[٨]
تفسير سورة الفلق
قال الله -تعالى-: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِن شَرِّ مَا خَلَقَ* وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ* وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ* وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).[٩] وقد جاءت الآيات خطاباً للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومعناها: قل يا محمد إني أستجير وألوذ برب الفلق، والفلق هو نور الصباح.[١٠] وجاء أيضا في تفسير معنى الفلق:
أما الآية الثانية فقد تعددت الآراء حول الشرّ الذي يُستعاذ منه، ومما جاء في تفسير هذا الشر:
- الشر هو الشيطان وأعوانه.[١٣]
- قيل هي نار جهنم.[١٣]
- قيل جاءت عامة؛ أي يُستعاذ من كل شيء يعود بالضرر والشرور على الإنسان.[١٣]
ومعنى الغسق: أي من شرور الليل إذا أقبل وكان شديد الظلام والسواد، وقد أمر ربّ العزة -جل وعلا- أن نستعيذ به من الليل إذا أتى؛ لأن الليل مظنة حدوث الجرائم بشتى أشكالها؛ لأن المجرمين يجدون في الليل فرصةً للتخفّي والتستّر عن أعين الناس حتى يحلو لهم ممارسة جرائمهم بكامل حرّيتهم.[١٤]
وأما تفسير النفّاثات فمعناه: أي نعوذ من شرور ومكر وخبث كل من يسعى لأن يُفسد الناس أو يُفسد أمورهم ومنهم السحرة،[١٤] ومعنى النفث: أي النفخ على الشيء أو به،[١٥] والشخص الحاسد هو الذي يتمنى أن تذهب وتزول نعم الله -سبحانه وتعالى- عن الناس.[١٦]
المراجع
- ↑ محمد الطاهر ابن عاشور، تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، صفحة 625. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داوود، في صحيح أبو داوود، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:1462، صححه الألباني.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:814، صحيح.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:2903، حسن غريب.
- ↑ أبو عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 251. بتصرّف.
- ↑ أبو الحسن علي الواحدي، التَّفْسِيرُ البَسِيْط، صفحة 451. بتصرّف.
- ↑ أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، التَّفْسِيرُ البَسِيْط، صفحة 451-452. بتصرّف.
- ↑ أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، التَّفْسِيرُ البَسِيْط، صفحة 453-454. بتصرّف.
- ↑ سورة الفلق، آية:1-5
- ↑ إبراهيم القطان، تيسير التفسير، صفحة 459. بتصرّف.
- ^ أ ب أبو الحسن علي الواحدي، التَّفْسِيرُ البَسِيْط، صفحة 457. بتصرّف.
- ↑ محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 255. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 256. بتصرّف.
- ^ أ ب إبراهيم القطان، تيسير التفسير، صفحة 459. بتصرّف.
- ↑ أبو الحسن علي الواحدي، التفسير البسيط، صفحة 463. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم القطان، تيسير التفسير، صفحة 459. بتصرّف.