شرح قاعدة (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد)

كتابة:
شرح قاعدة (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد)

شرح قاعدة (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد)

إن وجود القواعد الفقهية والأصولية في ديننا الحنيف لهو من بدائع الإسلام، وخواتم الرسالات وعموم الرسالة وشمول المقالة، ومن هذه القواعد قاعدة: (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد) التي تسبك الفقه النظري في ثوب عملي واقعي.

وإن الأحكام الفقهية المبنية على الاجتهاد الفقهي الأصولي المعتبر، إذا ترجح للقاضي أو المفتي حكم فيها وقضى فيه؛ ثم عُرضت عليه مسألة مشابهة لها فاجتهد هو أو غيره فيها، وترجح له فيها حكم غير الذي قضى وأفتى به في الواقعة الأولى؛ فلا يُنقض حكمه الأول بل يمضي كل حكم على ما حكم به.[١]

وهي من القواعد التي أجمع عليها فقهاء الملة، وذكر ذلك غير واحد من العلماء منهم الشيخ محمد الزحيلي،[١] والشيخ الدكتور أحمد الزرقا؛ وذكر قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين قضى في حادثة بخلاف ما قضى في نظيرها قَبْلاً: (تِلْكَ على مَا قضينا وَهَذِه على مَا نقضي)،[٢] وهذه القاعدة مقيدة؛ بكون الاجتهاد الأول لم يكن مخالفاً لقطعي من الدين كالنص والإجماع فإذا خالفت فتنقض؛ لأن الاجتهاد لا يعارض النص.[٣]

ألفاظ أخرى تتعلق بالقاعدة ودليلها

يوجد لهذه القاعدة الجليلة ألفاظ أخرى مشابهة يذكرها من ألف في القواعد، سنذكر بعضها فيما يأتي:[٤]

  • الاجتهاد لا ينقض بمثله ولا يعارض النص.
  • الأصل أنه إذا مضى بالاجتهاد لا يفسخ باجتهاد مثله، ويفسخ بالنص.
  • الاجتهاد لا يعارض النص.
  • الظن هل ينقض بالظن؟.[٥]

والأصل في هذه القاعدة أنها مجمع عليها، وأصل هذا الإجماع هو إجماع الصحابة -رضوان الله عليهم-، ونقل هذا ابن الصباغ ومن أدلة القاعدة ما يأتي:[٦]

  • إن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- حكم في مسائل خالفه فيها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ولم ينقض حكمه.
  • عمر -رضي الله عنه- حكم في مسألة ثم حكم فيها بخلاف ما قضى في نظيرها قبلاً، ولم ينقض قضائه الأول وقال قولته المشهورة السابقة.

شروط القاعدة

يوجد شروط يجب توفرها لتطبيق القاعدة، وسنذكرها فيما يأتي:

  • أن يكون الاجتهاد من مجتهد فلا عبرة بغير المجتهد،[٧] وقال البهوتي في الروض المُربِع: لا يُنقَضُ من حُكْمِ صالحٍ للقضاء إلا ما خالف:
    • نص الكتاب.
    • نص السنة كقتل مسلم بكافر.
    • نص إجماع قطعي.
    • ما يعتقده فيلزم نقضه.
  • والناقض له حاكمه -أي نفس القاضي الذي حكم به- إن كان.
  • أن يبين سبب نقضه لحكمه السابق، وإذا قضى بما يخالف النص أو الإجماع فيمكن لأي قاضٍ أن ينقضه.[٨]
  • أن يكون مما لا دليل عليه قطعاً.[٩]

تطبيقات على القاعدة

يوجد لهذه القاعدة تطبيقات عدّة، نذكر منها ما يأتي:[١٠]

  • المجتهدين

لا يُنقض اجتهاد مجتهد، وكل مجتهدٍ يحترم اجتهاد الآخر لعدم المرجح؛ لكن بعد أن يستكمل المجتهد رتبة الاجتهاد في كل منهما.

  • بين القضاة وتعدد آراء المذاهب الأربعة

فلو قضى شافعي في حادثة مجتهداً فيها بمذهبه، ثم رفعت لمالكي أوحنفي أو حنبلي فلا يصح أن يُنقض قضاء الأول بل يجب تنفيذه.

  • الاجتهاد في تحديد القبلة الصلاة إليها

مثلاً لو اجتهد في تحديد القبلة وصلى الظهر، ثم جاء وقت العصر فعليه أن يجتهد مرة أخرى؛ فإن بانت له القبلة على غير ما صلى الظهر فلا يُعيد الظهر، ويصلي العصر على الاجتهاد الثاني لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد.[١١]

المراجع

  1. ^ أ ب محمد الزحيلي، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، صفحة 389. بتصرّف.
  2. أحمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية، صفحة 155. بتصرّف.
  3. محمد ال بورنو، موسوعة القواعد الفقهية، صفحة 431. بتصرّف.
  4. محمد ال بورنو، موسوعة القواعد الفقهية، صفحة 430. بتصرّف.
  5. محمد الزحيلي، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، صفحة 389.
  6. محمد الزحيلي، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، صفحة 390. بتصرّف.
  7. محمد الزحيلي، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، صفحة 392. بتصرّف.
  8. منصور البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، صفحة 105. بتصرّف.
  9. محمد الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 342. بتصرّف.
  10. محمد الزحيلي، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، صفحة 390. بتصرّف.
  11. منصور البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، صفحة 239. بتصرّف.
6620 مشاهدة
للأعلى للسفل
×