شرح قصيدة الفرزدق في مدح الحسين

كتابة:
شرح قصيدة الفرزدق في مدح الحسين

الفرزدق

هو همّام بن غالب بن صعصعة التميميّ الداريّ، المعروف بالفرزدق، شاعرٌ نبيلٌ من شعراء العصر الأموي وكنيته أبو فراس، ويرجع سبب تسميته بالفرزدق لتجهّم وضخامة وجهه، ومعنى كلمة الفرزدق الرغيف، ولد هذا الشاعر في كاظمة عام 38 للهجرة، وقد أدرك الإسلام، كما اشتهر الشاعر بنظم الشعر الجميل متعدّد الأغراض الشعريّة، وأفرط في استحسان الجيد منه، فأجاد المدح والفخر والهجاء وغير ذلك،[١] وقد قيل عنه: "لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب"، فكان عظيم الأثر في اللغة، وكثير الأخبار ومُشتهرًا بالنساء، وممّا يُروى عنهُ أنّهُ كُنّي في شبابه بأبي مكيّة وكانت ابنة له، توفي الفرزدق في بادية البصرة، وقد كان قد قارب المئة عامٍ من عمره، وتعدُّ قصيدته الشهيرة في مدح الإمام علي بن الحسين من أشهر ما أبدعته قريحته المدح، حيث روى القصيدة عدد كبير من المسلمين والمؤلفين، ومن خلال هذا المقال سيتمُّ التعرف على هذه القصيدة ومناسبتها بالإضافة إلى شرحٍ مُفصّلٍ لأبياتها.[٢]

مناسبة قصيدة مدح علي بن الحسين

لقد عُدّت قصيدة "هذا الذي تعرف البطحاء وطأته" من أفضل ما قدّمته قريحة الشاعر همّام بن غالب المعروف بالفرزدق، هذا إن لم تُعدّ الأروع لديه على الإطلاق، وذلك لما تحتويه هذه القصيدة من معانٍ جميلةٍ وصور بلاغية رائعة، فضلًا عن الوقت التي قالها فيه الشاعر، وقصّةُ هذه القصيدة كما يرويها المؤرّخين، أنّ هشام بن عبد الملك قبل تولّيه الخلافة قصد الذهاب إلى الحجّ وذلك في أيّامِ حُكْمِ والده عبد الملك بن مروان، وبذل ما بوسعه للوصول إلى الحجر الأسود، إلّا أنّهُ لم يتمكّن منه لكثرة ازدحام الحجيج، فقاموا بنصب كرسيًّا لهُ، يُراقب من خلاله جموع الحجيج الغفيرة، وبينما هو كذلك إذ أقبل على البيت زين العابدين علي بن الحسين وقد كان حسن الوجه، طيب الرائحة، نظيف الثوب، وقام بالطواف بالبيت، وعندما أراد أن يصل للحجر الأسود أتاح الناس المجال إليه وانفرجوا وتنحّوا عنه هيبةً وإجلالًا لهُ، حينها غاظ هشام وتساءل عن هذا الرجل؛ فردّ الفرزدق الذي كان يُعدّ شاهدًا على هذا الحدث بتلك القصيدة التي صبّ فيها الزيت على النار، مُعلنًا انحيازه للإمام زين العابدين علي بن الحسين وتسديد طعنة للأمويين وأمام الملأ حشيد في موسم الحج، ليعلن أن خيار الأمة وأفضلها هم أهل البيت.[٣]

المعجم والدلالة في قصيدة مدح علي بن الحسين

في الحقيقة، وبين ثنايا ما حملتهُ قصيدة الفرزدق الشهيرة من أبياتٍ جميلةٍ وصورٍ فنيّةٍ ومعانٍ بلاغيّةٍ، وردت في القصيدة الكثير من المعاني التي صبَّ من خلالها الشاعر عاطفته الدينية التي تُظهر حُبّه لآل البيت، ويمكن إدراج أهمّ المفردات التي وردت في القصيدة كما يأتي:

  • البطحاء: أرض مُنْبِسطة فسيحة الأرجاء.[٤]
  • وطأته: وطأة القَدَمِ أي أَثَرُها وموضعها.[٥]
  • العلَم: الذي يعرفه الجميع.[٦]
  • العَجَمُ: خلافُ العَرَبِ.[٧]
  • بوادره: الحدّة والغضب.[٨]
  • شيم: مفردها شيمة وهي الخلق والسجية.[٩]
  • انقشعت: انجلت وزالت.[١٠]
  • الغياهب: مفردها غيهب وهي الظلمة الشديدة.[١١]
  • الإملاق: الفقر الشديد.[١٢]
  • يغضي حَيَاءً: يطْبق جَفْنَيْهِ وَينظر إلَى الأَرْضِ.[١٣]
  • الحَطِيم: بناءٌ قُبالةَ الميزاب من خارج الكعبة.[١٤]
  • الغيوث: طلب النجدة والمساعدة.[١٥]

شرح قصيدة الفرزدق في مدح علي بن الحسين

حفلت قصيدة الفرزدق بالصور الفنية والبلاغية التي لا بدّ لكلّ دارسٍ ومُتأمّلٍ لها التوقّف عندها، فالقارئ لهذه القصيدة الجميلة يرى فيها الكثير من التشبيهات والمجازات بالإضافة إلى الاستعارات، فضلًا على اعتبار هذه القصيدة من أجمل ما أبدعه الشاعر، ومن خلال ما يأتي سيتمُّ شرح القصيدة:[١٦]

هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ

وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ

أراد الشاعر الفرزدق في مستهلّ القصيدة أن يُعرّف هشام بن عبد الملك بهذا الرجل ومن يكون؛ فهو معروفٌ لدى مكّة المكرمة كلّها، وبيت الله الحرام وأماكن الحلّ، والبطحاء هي أرض مكة المكرمة الواسعة.

هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ

هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ

وهنا بدأ الشاعر بوصف زين العابدين، ويقول بأنّه يتّصف بالتقوى والإيمان والطهارة، كما ويُشير إلى نسبه الممتد إلى رسول الله.

هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ

بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا

بعد أن عرض الفرزدق أهمّ صفات الإمام زين العابدين الخلقية، يبدأ الفرزدق بالدخول بشيء من التفصيل، فيورد الحقيقة الواضحة التي لا خلاف فيها، فهو ابن فاطمة الزهراء وجدّه خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ولا فخر بنسب بعد هذا النسب.

وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه

العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ

ويدخل الفرزدق هنا في نقطة خلاف مع هشام بن عبد الملك، ويقول لهُ أنّ بإنكارك لهذا الشخص هو عيب فيك يا هشام وليس عيب فيه، لأنّه علَمٌ ومعروف لدى كلّ عربيّ وأعجميّ، وبتجاهلك يا هشام له لن ينقص منه ولن يُضيره.

كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا

يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ

يُواصل الفرزدق من خلال هذا البيت عرض صفات أخرى لزين العابدين، ويقول أنّه يتّسم بالكرم والجود، وهذا الكرم لا يختلف عن المطر الذي لا يمكن أن يتوقّف ولا أن ينضب، وهنا وصف الشاعر يدي الإمام زين العابدين بأنهما كالمطر، ويظهر في هذا البيت جمال الصورة الفنية؛ حيث شبّه يدي الإمام زين العابدين بالمطر في سخائهما وكرمهما.

سَهلُ الخَليقَةِ لا تُخشى بَوادِرُهُ

يَزينُهُ اِثنانِ حُسنُ الخَلقِ وَالشِيَمُ

وهنا وعلى نفس المنوال يصف الفرزدق زين العابدين بأنه سهل الخليقة أيّ ذو طبع وسجية سهلة ويسهل التعامل معه، بالإضافة إلى أنّه يزدان بحلمه وبطباعه الطيبة، وفي حال غضبه لا يخرج عن الحقّ.

حَمّالُ أَثقالِ أَقوامٍ إِذا اِفتُدِحوا

حُلوُ الشَمائِلِ تَحلو عِندَهُ نَعَمُ

إنّ الإمام زين العابدين علي بن الحسين كثير الحمل دائمًا لهموم الناس، ويعيش معهم ويشعر بمعاناتهم، وليس غريبًا من الناس أن يُفسحوا له مكانًا عند الحجر الأسود.

ما قالَ لا قَطُّ إِلّا في تَشَهُّدِهِ

لَولا التَشَهُّدُ كانَت لاءَهُ نَعَمُ

كلمة لا لم توجد في قاموس زين العابدين، فهو لم يقل أبدًا هذه الكلمة إلا في عبارة الوحدانية "لا إله إلّا الله"، وهذا إشارة إلى مستوى كرمه وحبه المتواصل للعطاء، وعدم صدّه وتجاهله للناس.

عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإِحسانِ فَاِنقَشَعَت

عَنها الغَياهِبُ وَالإِملاقُ وَالعَدَمُ

لا يتوقّف الشاعر أبدًا عن وصف زين العابدين، وصفاته هذه ناجمة عن طيب سجيّته وشمول عطائه، فهو أيضًل ذو خيرٍ على البرية جمعاء، من حيث نشره لقيم العلم وتراجع الجهل والفقر الشديد والتخلف في عهده.

إِذا رَأَتهُ قُرَيشٌ قالَ قائِلُها

إِلى مَكارِمِ هَذا يَنتَهي الكَرَمُ

ليس غريبًا أن تتحدّث عنه قريش بالكرم والجود الذي لا نهاية له، فالمكارم تتوقّف عند مكارم هذا الشخص، والعرب هنا والعجم والأرض قاطبة بل وحتى قريش يعترفون بالفضل الكبير لهذا الرجل.

يُغضي حَياءً وَيُغضى مِن مَهابَتِهِ

فَما يُكَلَّمُ إِلّا حينَ يَبتَسِمُ

بِكَفِّهِ خَيزُرانٌ ريحُهُ عَبِقٌ

مِن كَفِّ أَروَعَ في عِرنينِهِ شَمَمُ

في هذين البيتن يُخفض زين العابدين بصره حياء ويخفض الآخرون أبصارهم عنه لهيبته الجليلة، وإشارة هنا لقوّة شخصيّته وعظيم أثره في الناس، ويصفه الشاعر بأنّ في كفيه خيزران ريحها جميل وطيب؛ ويبرز جمال الصورة الفنية، حيث شبه كفيه وهما يحملان خيزران ينبثق منه الرائحة الطيبة، وفي أنفه أيضًا رفعة وهيبة.

يَكادُ يُمسِكُهُ عِرفانُ راحَتِهِ

رُكنُ الحَطيمِ إِذا ما جاءَ يَستَلِمُ

اللَهُ شَرَّفَهُ قِدمًا وَعَظَّمَهُ

جَرى بِذاكَ لَهُ في لَوحِهِ القَلَمُ

يصف الفرزدق في هذين البيتين العلاقة بين زين العابدين مع بيت الله تعالى، ويقول بأنّ هذا الحطيم وهو جميع ما يحيط بالكعبة يعرفون هذا الإمام الجليل، والحجر الأسود من شدة حبه لهذا الرجل يكاد يمسكه، وهنا شبه الشاعر الحجر الأسود بالإنسان الذي يُمسك ويحبّ، والله تعالى شرّف هذا الإنسان ورفع مكانته بين الإنسانية جمعاء.

المراجع

  1. "الفرزدق"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
  2. "الفرزدق"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
  3. "قصيدة الفرزدق في علي بن الحسين"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
  4. "تعريف و معنى بطحاء"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26.
  5. "تعريف و معنى وطأة"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26.
  6. "تعريف و معنى عَلَم "، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26.
  7. "تعريف و معنى العجم"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26.
  8. "تعريف و معنى بوادر"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26.
  9. "تعريف و معنى الشيم"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26.
  10. "تعريف و معنى انقشعت"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26.
  11. "تعريف و معنى غياهب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26.
  12. "تعريف و معنى إملاق"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26.
  13. "تعريف و معنى يغضي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26.
  14. "تعريف و معنى حطيم"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26.
  15. "تعريف و معنى الغيوث"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26. بتصرّف.
  16. "هذا الذي تعرف البطحاء وطأته"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-26.
14711 مشاهدة
للأعلى للسفل
×