شرح قصيدة تعب كلها الحياة لأبي العلاء المعري

كتابة:
شرح قصيدة تعب كلها الحياة لأبي العلاء المعري


شرح قصيدة تعب كلها الحياة لأبي العلاء المعري

قصيدة تعب كلها الحياة للشاعر العباسي أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري التنوخي المعروف بأبي العلاء المعري، تلك القصيدة هي التي كان يرثي فيها صديقه الفقيه أبا حمزة الفقيه الحنفي، وفيما يأتي شرحها:[١]


شرح الأبيات

يقول المعري في قصيدته المشهورة:[٢]


غَيْرُ مُجْدٍ في مِلّتي واعْتِقادي

نَوْحُ باكٍ ولا تَرَنّمُ شادِ

وشَبِيهٌ صَوْتُ النّعيّ إذا قِيـ

ـسَ بِصَوْتِ البَشيرِ في كلّ نادِ

أَبَكَتْ تِلْكُمُ الحَمَامَةُ أمْ غَنْـ

ـنَت عَلى فَرْعِ غُصْنِها المَيّادِ

صَاحِ هَذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْـ

ـبَ فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ

خَفّفِ الوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ الـ

ـأرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ

وقَبيحٌ بنَا وإنْ قَدُمَ العَهْـ

ـدُ هَوَانُ الآبَاءِ والأجْدادِ


يبدأ المعري قصيدته بما يدل على فلسفته الحياتية في مسألة الموت والخلود، وهذه الآراء مشهورة عن المعري، فيقول إنّه في قرارة نفسه لا يحب النواح الكثير ولا الفرح الكثير، فالأمران عنده سيّان إذا ما علم الإنسان أنّ الأرض والدنيا هي دار فناء، وأنّ الناس ستموت ويخلفهم آخرون كما حدث منذ عهد عاد؛ فقد خلفت أمَّةٌ أمَّةً أخرى، وربما صارت الأرض نفسها مقبرة مرتين.


سِرْ إنِ اسْطَعتَ في الهَوَاءِ رُوَيدًا

لا اخْتِيالًا عَلى رُفَاتِ العِبادِ

رُبّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْدًا مرارًا

ضَاحِكٍ مِنْ تَزَاحُمِ الأضْدادِ

وَدَفِينٍ عَلى بَقايا دَفِينٍ

في طَويلِ الأزْمانِ وَالآباءِ

فاسْألِ الفَرْقَدَينِ عَمّنْ أحَسّا

مِنْ قَبيلٍ وآنسا من بلادِ

كَمْ أقامَا على زَوالِ نَهارٍ

وَأنارا لِمُدْلِجٍ في سَوَادِ

تَعَبُ كُلّها الحَياةُ فَما أعْـ

ـجَبُ إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْديادِ


يتابع هنا فكرته السابقة فيقول إنّ الأرض تحتنا فيها رفاة قوم لم نعلمهم، وربّما القبر الذي ندفن فيه أمواتنا اليوم قد ضمّ رفاةً من أقوام بائدة، وربما تشهد الأرض على ذلك لو سألناها، ويختم هذا المقطع بالبيت المشهور بأنّ الحياة هي تعب متواصل، فلا راحة للإنسان فيها، فكيف يطلب بعض الناس أن يطول عمرهم ليبقَوا فيها وهي دار تعب وشقاء؟


إنّ حُزْنًا في ساعةِ المَوْتِ أضْعا

فُ سُرُورٍ في ساعَةِ الميلادِ

خُلِقَ النّاسُ للبَقَاءِ فضَلّتْ

أُمَّةٌ يَحْسَبُونَهُمْ للنّفادِ

إنّما يُنْقَلُونَ مِنْ دارِ أعْما

لٍ إلى دارِ شِقْوَةٍ أو رَشَادِ

ضَجْعَةُ المَوْتِ رَقْدَةٌ يُستريحُ الـ

ـجِسْمُ فيها والعَيشُ مِثلُ السّهادِ


يقول المعري إنّ الدنيا دار شقاء، والدليل على ذلك أنّ لحظة الموت يتأثّر الإنسان فيها أكثر من ساعة الولادة، والناس في هذه الدنيا ليسوا بخالدين فيها، فإنّهم بعد الموت ينتقلون لدار الحساب؛ فإمّا شقاء دائم وإمّا راحة دائمة ونعيم، ويقول إنّ بالموت يستريح الجسد من أعباء الحياة بالموت.


قَصَدَ الدهر من أبي حَمزَةَ الأوْ

وَابِ مَوْلى حِجًى وخِدن اقتصادِ

وفَقيهًا أفكارُهُ شِدْنَ للنّعْـ

ـمانِ ما لم يَشِدْهُ شعرُ زِيادِ

فالعِراقيُّ بَعْدَهُ للحِجازِيـ

ـيِ قليلُ الخِلافِ سَهْلُ القِيادِ

وخَطيبًا لو قامَ بَينَ وُحُوشٍ

عَلّمَ الضّارِياتِ بِرَّ النِّقَادِ

رَاوِيًا للحَديثِ لم يُحْوِجِ المَعْـ

ـرُوفَ مِنْ صِدْقِهِ إلى الأسْنادِ

أَنْفَقَ العُمرَ ناسِكًا يَطْلُبُ العِلْـ

ـمَ بكَشْفٍ عَن أصْلِهِ وانْتِقادِ


يبدأ المعري هنا برثاء صديقه الفقيه أو قريبه أبي حمزة، فيصفه بأنّه أوّاب يعني توّاب، وكذلك هو فقيه حنفي له آثاره التي نشرت مذهب النعمان -وهو الإمام أبو حنيفة- في الآفاق، وحلّ كثيرًا من خلافات الفقهاء بين الأمصار، وكذلك فهو خطيب مفوّه لدرجة لو سمعته الوحوش لانقادت له، فهو قد أنفق عمره في طلب العلم وتحصيله ببراعة كبيرة.


مُستَقي الكَفّ مِنْ قَليبِ زُجاجٍ

بِغُرُوبِ اليَرَاعِ ماءَ مِدادِ

ذا بَنَانٍ لا تَلْمُسُ الذّهَبَ الأحْـ

ـمَرَ زُهْدًا في العَسجَدِ المُستَفادِ

وَدِّعا أيّها الحَفيّانِ ذاكَ الشْـ

ـشَخْصَ إنّ الوَداعَ أيسَرُ زَادِ

واغْسِلاهُ بالدّمعِ إنْ كانَ طُهْرًا

وادْفِناهُ بَيْنَ الحَشَى والفُؤادِ

واحْبُوَاهُ الأكْفانَ مِنْ وَرَقِ المُصْـ

ـحَفِ كِبْرًا عن أنْفَسِ الأبْرادِ

واتْلُوَا النّعْشَ بالقِراءَةِ والتّسْـ

ـبِيحِ لا بالنّحيبِ والتّعْدادِ

أسَفٌ غَيْرُ نافِعٍ وَاجْتِهادٌ

لا يُؤدّي إلى غَنَاءِ اجْتِهادِ


يتابع المعري رثاءه للفقيه فيصفه بالزهد والترفع عن ملذات الحياة الدنيا، ويوصي بأن يُغسل بماء العيون وأن يُكفَّنَ بأوراق المصحف الشريف، ويوصي بأن يتلو المشيعون لنعشه آيات من القرآن وأن يسبّحوا الله -تعالى- ويذكروه وألّا يفعلوا ما نُهوا عنه من النحيب واللطم والتعداد وغير ذلك.


الأفكار الرئيسة

من الأفكار الرئيسة الواردة في قصيدة تعب كلها الحياة لأبي العلاء المعري:

  • الدنيا دار فناء لا خلود.
  • الأمم السابقة قد مرّت على الدنيا وانمحت فالدنيا دار مؤقتة.
  • اجتماع أموات الأمة الحالية وأموات الأمم السابقة في مكان واحد دليل على صغار الإنسان أمام عظمة الخالق.
  • حقيقة وجود الدار الآخرة التي تكون جنّة وجحيمًا.
  • وفاة الفقيه حقيقة لا مفر منها شأنه بذلك شأن باقي البشر.
  • تعداد صفات الفقيه التي امتاز بها.
  • وصية المعري للمشيعين.


الصور الفنية

من الصور الفنية في قصيدة تعب كلها الحياة لأبي العلاء المعري:

  • رُبّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْدًا مرارًا ضَاحِكٍ
شبّه اللحد بإنسان يضحك، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه فالاستعارة مكنية.
  • اسْألِ الفَرْقَدَينِ
شبه الفرقدين بإنسان يُسأل، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه فالاستعارة مكنية.
  • قَصَدَ الدهر
شبّه الدهر بإنسان يقصد وله إرادة، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه فالاستعارة مكنية.


المراجع

  1. الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، صفحة 464. بتصرّف.
  2. "غير مجد في ملتي واعتقادي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2022.
5862 مشاهدة
للأعلى للسفل
×