شرح لامية العرب

كتابة:
شرح لامية العرب

شرح لامية العرب

لماذا سميت لامية العرب بهذا الاسم؟

قصيدة لعمرو بن مالك الأزدي وهو من الشعراء الصعاليك، وسُمّي بالشنفرى لغلظ في شفتيه، كان قد نظم لاميّته ليصف حياته التي بدت من نوع خاصّ تنبذ الناس[١]،إذ يقول في مطلعها:[٢]


أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم

فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لَأَمَيلُ

يدعو الشنفرى قومه للاستعداد الحازم والفعلي لقتال العدو والأخذ بنصيحته وإن كانوا يميلون عنه فهو يتعهّد بالرحيل والتخلّي مُعلنًا إمكانية استبدال قوم آخرين بهم، مُستخدمًا بذلك صيغة التفضيل " أميل" محاولًا تأكيد أنّه لم يكن ليتخلّى لولا مبادرة قومه إلى ذلك.[٣] ويقول:[٢]



فَقَد حُمَّت الحاجاتُ واللَيلُ مُقمِرٌ

وَشُدَّت لِطِيّاتٍ مَطايا وَأَرُحلُ

يبدو الشنفرى عازمًا على الرحيل بالفعل، فقد أعدّ العدّة واستعد لركوب المطايا، إذ اشتدت به الحاجة لذلك الرحيل حتى استدعاه الأمر للتنفيذ ليلًا، ويعتمد الشاعر في تصوير استعداده للرحيل على عنصر الحركة المتمثل بشد المطايا وتهيئتها للرحيل، وعنصر اللون المتمثل في حالة الإقمار ليلًا، وكأن لسان حاله يقول إنّ رغم هذا الظلام وصعوبة الحياة بعد هذا الرحيل إلا أنّه لا يزال يلتمس أمل التغيير في الانفراد والاستقرار الذي يوحي به ضوء القمر.[٤] ، ويتابع الشنفرى فيقول:[٥]


وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى

وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ

يرى الشنفرى أنّ الأرض تتسع لكل مَن يقبل عليها فارًا من شباك الأذى والمذلة التي قد يقع فيها المرء بسبب أقرب الناس إليه، وهو بذلك يبثّ شكواه من قومه ويبرّر عزمه وإصراره على الرحيل رغم صعوبة الحال وقسوة الوحدة، وفي هذا البيت يفعّل الشنفرى مظهرًا من مظاهر الطبيعة في العصر الجاهلي ويسقط عليها حسًا إنسانيًا فيجعل الأرض تقري الضيف وترحب به وإن كان قومه قد ضاقوا به ذرعًا.[٦] ويتابع وصفه للأرض قائلًا:[٥]


لَعَمرُكَ ما في الأَرضِ ضيقٌ عَلى اِمرئٍ

سَرى راغِبًا أَو راهِبًا وَهوَ يَعقِلُ

يُقسم الشنفرى مُؤكّدًا ما يؤمله من السلامة وحسن الجوار الذي سيلاقيه عند رحيله، فالأرض رحبة ولن تضيق بهؤلاء الذين يسرون إليها ليلًا طامحين بالراحة والسلامة من أذى الناس، ولا بهؤلاء الذين فرّوا إليها وقد رهبوا ما لا يلائمهم من فعال الناس، وفي هذا البيت وظّف أسلوب القسم مُحاولًا تأكيد ما يدّعيه من رحابة الأرض والاستقرار النفسي الذي سيُلاقيه فيها بعد رحيله، ولعلّه لجأ لأسلوب القسم لما التمسه من ضعف حجّته أمام قومه.[٧]، ويبلغ به الأمر ذروته فيقول:[٥]


وَلي دونَكُم أَهلَونَ سيدٌ عَمَلَّسٌ

وَأَرقَطُ زُهلولٌ وَعَرفاءُ جَيأَلُ

لم يكن الشنفرى على استعداد للتخلّي عن حمى القبيلة والأهل والهروب منهم إلى بقاع الأرض الواسعة وحسب، إنما كان قد استبدل بهم وحوش الصحارى وحيواناتها قومًا له وأهلًا، وهو بذلك يهجو قومه ويهينهم لا بالتخلي وحده وإنما بكيفية هذا التخلي، ويفصل الشنفرى في وصف تلك الوحوش وكأنه يمتدح فيها حسن صفاتها، ويستعيض بذلك الوصف عن التصريح بأسمائها وهذا يجعل استبداله لهم وجيهًا نوعًا ما، وتأخذ لغة الشاعر في هذا البيت منحى وحشيًّا غريبًا يعزّز انتماءه الجديد للبيئة الصحراويّة القاسية فانعكس ذلك في لغته الشعرية .[٨] ويقول:[٥]


هُمُ الرَهطُ لا مُستَودَعُ السِرَّ ذائِعٌ

لَدَيهِم وَلا الجاني بِما جَرَّ يُخذَلُ

يرى الشنفرى في تلك الوحوش ما يُميّزها ويجعله يفضلها على قومه فهم لا يفشون سرًا أودع لديهم، كما أنّهم كرام ينصرون مَن ينتمي إليهم ظالمًا كان أو مظلومًا، وهو بذلك يعير قومهم بسوء طبعهم الذي دفعهم للتخلي عنه وعن مناصرته، وفي هذا البيت يُوظّف الشنفرى أسلوب التجسيد فيمنح وحوش الصحارى صفات إنسانيّة حميدة قلّة هم مَن يتمتّعون بها منهم، كما أنّه يستفتح البيت بجملة اسمية ليمنح قوله صفة الثبات والديمومة.[٩] ويقول:[١٠]


وَكُلٌّ أَبِيٌّ باسِلٌ غَيرَ أَننَّي

إِذا عَرَضَت أُولى الطَرائِدِ أَبسَلُ

بعد مُفاضلة كان الشنفرى قد عقدها بين قومه وبين وحوش الصحارى، فإنّه يخلق مُفاضلة أخرى بينه وبين الوحوش، فتلك الوحوش على بسالتها وشجاعتها هو يفوقها شجاعة وبسالة وإن عرضت تلك الطرائد الأولى فهو أسبق منها وأكثر بسالة، وهو يتوجّه بكلاهه هذا إلى قومه في محاولة منه لاستفزازهم ولفتهم إلى قوّته وشجاعته وأهميّته في الغزوات، فيندمون على مُفارقته وتخلّيهم عنه، وهو لذلك يستخدم أسلوب المنطق الحجاجي الذي يمنح شعره جدية وواقعية.[١١]، ويقول:[٢]


وَإِن مُدَّتِ الأَيدي إِلى الزادِ لَم أَكنُ

بِأَعجَلِهِم إِذ أَجشَعُ القَومِ أَعجَلُ

يُتابع الشنفرى فخره بنفسه بتعداد خصاله الحميدة، فهو لا يتمتع بالشجاعة وحسب، إنما يتمتع بالكرم وعزة النفس والسماحة كما أنه يؤثر غيره على نفسه فلا يسارع ليلتقم الطعام بينما يفعل ذلك الآخرون، وفي هذا البيت يعمد الشنفرى لتفعيل عنصر الحركة الذي منح القصيدة واقعية وجعل الصورة التي رسمها لخصاله أكثر وضوحًا ومصداقية.[١٢] ويقول: [٢]


وَما ذاكَ إِلاّ بَسطَةٌ عَن تَفَضُّلٍ

عَلَيهِم وَكانَ الأَفضَلَ المُتَفَضَّلُ

يُصرّح الشنفرى بفخره وحقّه بالفخر بتلك الخصال الحميدة التي تجعله يتفضّل على الآخرين ويتميّز عنهم، وقد أحسن الشنفرى انتقاء نقاط الفخر التي بإمكانها أن تكون سببًا في إعلاء شأنه فتقصّد المفاخر الخلقية وتجنّب المفاخر الخَلقية التي لا طائل منها.[١٣] ويقول:[٢]


وَإِنّي كَفانِي فَقدُ مَن لَيسَ جازِيًا

بِحُسنى وَلا في قُربٍه مُتَعَلَّلُ

يُصرّح الشنفرى بأنّ هناك ما كفاه وأغناه عن كلّ أولئك الذين لا يُجازون الحُسنى بالحسنى ولا حتى هو ينال منهم التعلّل والأنس، وفي هذا البيت يرتكز الشاعر على لغة الأنا المتمثلة بضمائر المتكلم لإشعار المخاطب بقوته وبفعلية اكتفائه واستغنائه عن قومه، وبذلك فإنّه لا يلجأ للمنطق الحجاجي فقط وإنّما يستعين بالمنطق اللغوي الذي يدعم مقصوده.[١٤] ويقول:[٢]


ثَلاثَةُ أَصحابٍ فُؤادٌ مُشَيَّعٌ

وَأَبيَضُ إِصليتٌ وَصَفراءُ عَيطَلُ

يُبيّن الشنفرى في هذا البيت الأصحاب الثلاثة الذين اكتفى بهم وأغنوه عن قومه وهو قلب شجاع، وسيف حاد مصقول، وقوس عظيمة، ويظهر الشاعر هنا ميله لسرد التفاصيل والتعداد محاولًا إشباع رغبته بالاكتفاء مُبررًا لنفسه فكرة الاستغناء عن قومه، و لا يتوانى عن إضفاء بصمة العصر في قصيدته من خلال كشفه في هذا البيت عن بعض الأسلحة التي كانت مستخدمة في العصر الجاهلي كالسيف والقوس، كما أنّه بذكره لهذه الأنواع من الأسلحة يُعزّز جانب التصوير الذهني للقصيدة لدى المتلقي، حيث تتراءى صور تلك الأسلحة في الأذهان فيكون المقصود أكثر بروزًا ووضوحًا له.[١٤]، ويقول:[٢]


هَتوفٌ مِنَ المُلسِ المُتونِ يَزينُها

رَصائِعُ قَد نيطَت إلَيها وَمِحمَلُ

يمنح الشاعر قوسه تفصيلًا خاصًا فيتعمّق في وصفها ويقول إنّها قوس سهامها مصوتة إذا ما انطلقت، وهي ملساء مصنوعة من عيدان مصقولة الصنع، كما أنها مزينة ومرصعة بالجواهر بالإضافة أن لها محمل خاص لتحمل به، وفي هذا البيت يتابع الشاعر منهجه الأول في الارتكاز على عناصر اللون والصوت والحركة لخلق صور ذهنية محملة بالتفاصيل والجزئيات الصغيرة التي تمنح صورته نوعًا من الواقعية والمصداقية الشعرية.[١٤] ويقول:[٥]


إِذا زَلَّ عَنها السَهمُ حَنَّت كَأَنَّها

مُرَزَّأَةٌ عَجلى تُرِنُّ وَتُعوِلُ

يصف الشنفرى قوسه إذ انطلق السهم منها فهي تصدر أصواتًا تئن وتحنّ كأنّها امرأة فجعت بولدها، ويلجأ الشاعر في هذا البيت إلى أسلوب التشبيه وذلك لتعزيز التصوير الفني المُرتكز إلى عناصر الصوت واللون والحركة التي أشارت إليها الدراسة آنفًا، حيث شبّه الشاعر قوسه فيما يصدر عنها من صوت إثر انطلاق السهم بامرأة فجعت بوليدها فهي تئن وتحن.[١٤]، ويقول:[٢]


وَلَستُ بِمِهيافٍ يُعَشّي سَوامَهُ

مُجَدَّعَةً سُقبانَها وَهيَ بُهَّلُ

يصف الشنفرى صبره على العطش والجوع فهو ليس سريع العطش تأخذه حاجته للاستئثار بلبن الإبل وإن كان لبنها قليلًا، وحرمان صغارها منه من أجل الفوز به، وهذه واحدة من المفاخر الخلقية التي يشعر الشنفرى بأنه يتفرّد بها عن غيره من بني قومه، ويعبّر عنها بأسلوب دقيق التفصيل يعنى بنسج الصور الذهنية للتأثير على المتلقي.[١٥] وقال:[٢]


وَلا جَبأَ أَكهى مُرِبٍّ بِعِرسِهِ

يُطالِعُها في شَأنِهِ كَيفَ يَفعَلُ

يُتابع الشنفرى أوصافه المحمودة وينفي عن نفسه الجبن والتخاذل، فهو ليس من هؤلاء الذين يلازمون بيوتهم ويخضعون لمَشورة زوجاتهم فيما يستعصي عليهم من أمور يفترض بهم أن يتصدّوا لها بأنفسهم ولا هو يطلعها على ما رابه من أمر فهو شجاع قادر على تدبُّر أمره بنفسه دونما عازة لأحد سواه، ويبدو الشاعر بدءًا من هذا البيت وقد بلغ مبلغ المدافع عن نفسه فهو يأخذ في نفي صفات قد تكون ألصقت به لا سيما وأنّه قد لاقى الأذى في قومه حتى استدعاه الأمر الرحيل.[١٦]، ويقول:[٥]


وَلا خَرِقٍ هَيقٍ كَأَنَّ فُؤادَهُ

يَظَلُّ بِهِ المُكَّاءُ يَعلو وَيَسفِلُ

يُتابع الشنفرى نفي صفة الجبن عنه فيقول إنّه ليس بأحمق يخيفه أيّ شيء، وليس ممّن يقبض الخوف قلبه ويسيطر على فعاله، فيأخذ بالتخبّط فيفقد السيطرة، ويرسم الشنفرى صورة تعجّ بالحركة والاضطراب لشدّة الخوف وطريقة خفقان القلب وقت الخوف من خلال التشبيه حيث يشبّه القلب في خفقانه كأنما التقطه طائر المكاء فهو يعلو به ويهبط دونما استقرار.[١٦] ويقول:[٥]


وَلا خالِفٍ دارِيَّةٍ مُتَغَزَّلٍ

يَروحُ وَيَغدو داهِنًا يَتَكَحَّلُ

الشنفرى ليس بالرّجل الفاسد شديد الحمق الذي يُلازم داره ويتكلّف بالتغزّل بالنساء، وليس ممّن تشغله نفسه فيأخذ بالتزيُّن من دهن وكحل ، وفي هذا البيت يُظهر أبرز العلامات التي تميّز الفتى الفاسد في العصر الجاهلي من غيره وهو بدوره ينبذها عن نفسه فهو شجاع لا تلفته إلا ضروب الشجاعة والقتال وسائر صفات الخلق الحميد[١٧]، ويقول:[١٠]


وَلَستُ بِعَلٍّ شَرُّهُ دونَ خَيرِهِ

أَلَفَّ إِذا ما رُعتَهُ اِهتاجَ أَعزَلُ

يُتابع نبذ الصفات السيئة عن نفسه فيقول إنّه ليس ممّن يُكثرون الغزل بالنساء ويلحون على أنفسهم في ملازمتهن كالقراد ليس فيه خير لأحد ولا يعرف له خير من شر، أعزل من السلاح أهوج متسرع لا يُجيد تدبير أمره، سريع الانفعال يسهل استفزازه، ويرسم الشنفرى للرجل المتسرع الأهوج صورة من خلال التشبيه فهو كالثور إذا انفعل أو اهتاج أثار ضجة لا جدوى منها.[١٧]، ويقول:[١٠]


وَلَستُ بِمِحيارِ الظَلامِ إِذا اِنتَحَت

هُدى الهَوجِل العِسّيفِ يَهماءُ هَوجَلُ

هو ليس ممّن يضيع طريقه ويتوه وتربكه ظلمات الصحارى فيهلك، فالشنفرى قادر على الاهتداء لمقصده في تلك الفلوات المظلمة، وهذه ميّزة يتمتّع بها كل رجل قوي في العصر الجاهلي جاب الصحراء واعترضته المخاطر فصقلته ودربته فبات الشديد عليه سهلًا، وممّا يلفت نظر الدارس أنّ الشنفرى كان قد وظّف مفهوم الحمق في عدّة مواضع في القصيدة بألفاظ متنوعة، هذا بالإضافة إلى التشبيهات والصور الحركية التي تكشف بها مواضع الحمق.[١٧]، ويقول:[١٠]


إِذا الأَمَعزُ الصُوّانُ لاقى مَناسِمي

تَطايَرَ مِنهُ قادِحٌ وَمُفَلَّلُ

يصف الشنفرى سرعة عدوّه وشدّة وطأته على الأرض، فقدماه الحافيتان تطئان الأرض فتتطاير الحجارة الصغيرة من سرعة عدوّه وخفته، بينما الصخور الكبيرة الصلبة فإنّها لا تترك أثرها في قدميه بقدر ما يترك هو فيها أثرًا، فهي تحتك بقدميه فتقدح مُفتعلة شررًا، ولعلّها مُبالغة مشوّقة في تصوير سرعة العدو والخفة، لا سيما أنّ هذه المبالغة مع التصوير الفني الذي صاغه الشاعر في البيت يمنحها شيئًا من الواقعية والمصداقية.[١٧]، ويقول:[٢]


أَديمُ مِطالَ الجوعِ حَتّى أُميتَهُ

وَأَضرِبُ عَنهُ الذِكرَ صَفحًا فَأَذهَلُ

يفتخر الشاعر بأنّه المنتصر دائمًا على كلّ خصم، فحتى الجوع لا يتمكّن منه وهو الأشدّ عداء للإنسان إذ يضربه بحاجته للطعام، ولكن الشنفرى يعرض عن الجوع ويضرب عنه ويُماطله حتى يصيبه اليأس منه وينصرف عنه، ولعلّها طريقة ذكيّة في التعبير عن القدرة على تحمُّل الجوع، وأخفى فيها ضعفه أمام أشد الحاجات الإنسانيّة وأقساها، واستخدم لإبراز قوّته التصوير الفني والتّشبيه حيث أظهر الجوع كأنّه الدائن ويُطالب بحقه من المدين، إلّا أنّ المدين يعمل فيه التسويف والمطالبة للتهرب منه[١٧]، ويقول:[٢]


وَأَستَفُّ تُربَ الأَرضِ كَيلا يَرى لَهُ

عَلَيَّ مِنَ الطَولِ اِمُرؤ مُتَطَوَّلُ

في هذا البيت تظهر عزة نفس الشنفرى، فهو على استعداد لاستفاف التراب لو لم يجد ما يأكله مُقابل أن يحمي نفسه وكبرياءه من ذلّ السؤال ومهانته، وقد استخدم الشاعر أسلوب الكناية ليُعبّر عن شدة الجوع التي قد تعرض له بينما يحفظ لذاته كبريائها[١٧]، ويقول:[٢]


وَلَولا اجتِنابُ الذَأم لَم يُلفَ مَشرَبٌ

يُعاشُ بِهِ إِلّا لَدَيَّ وَمَأكَلُ

يرى الشنفرى أنّ هناك الكثير من الطرق لكسب العيش وتلافي الجوع والفقر ولو اتّبع إحداها لاغتنى، إلّا أنّها طرق لا توائم كرامته وطيب خلقه، وهو الذي يريد أن يحصل رزقه بطرق كريمة[١٧]، ويقول: [٥]


وَلَكِنَّ نَفسًا مُرَّةً لا تُقيمُ بي

عَلى الذَأمِ إِلّا رَيثما أَتَحَوَّلُ

يُتابع الشنفرى في هذا البيت ما قاله في البيت السابق عن عزة نفسه وتجنبها لسبل الرزق المحاطة بالمهانة والمذلة، ويقول إنّ نفسه سرعان ما تتحول عن تلك السبل وتبتعد عنها فهي نفس كريمة لا يرضيها إلّا ما كان منبعه كريمًا[١٨]، ويقول:[٢]


وَلَكِنَّ نَفسًا مُرَّةً لا تُقيمُ بي

عَلى الذَأمِ إِلّا رَيثما أَتَحَوَّلُ

يروي الشنفرى كيفيّة تعامله مع الجوع، حيث يطوي أمعاءه بعضها على بعض حتى تبدو وكأنّها خيوط مرنة في نسيج محكم، ويستخدم للتّعبير عن مدى الجوع وكيفية تعامله معه صورة فنية من خلال فن التشبيه البلاغي، حيث يُشبّه أمعاءه بخيوط الماري اللينة الدقيقة، ويشبّه جسده بالنسيج المحكم، وهذه الأمعاء تطوى كما يطوى الخيط ليُشكّل نسيجًا متكاملًا[١٩]، ويقول:[٢]


وَأَغدو عَلى القوتِ الزَهيدِ كَما غَدَا

أَزَلُّ تَهاداهُ التَنائِفُ أَطحَلُ

يسرد الشنفرى جهاده في سبيل الحصول على قوت يومه، فهو يطارده ويسعى للحصول عليه وإن كان زهيدًا قليلًا مقارنة بالجهد الذي يبذله في سبيله فهو كَذئب ينقض عليه بعد طول بحث وتحرص، ويستند في رسم حدث البحث عن الطعام إلى عنصر الحركة بالإضافة إلى العناصر البصرية التي تجعل من شعره أشبه بقصة سردية، كما يلجأ إلى فنّ التّشبيه البلاغي فيُشبّه نفسه بالذئب في كيفية مطاردته لفرائسه وحصوله على طعامه[٢٠]، ويقول:[٢]


غَدا طاوِيًا يُعارِضُ الريحَ هافِيًا

يَخوتُ بِأَذنابِ الشِعابِ وَيَعسَلُ

يتابع الشنفرى وصفه للذئب الذي كنى به عن نفسه فهو يجري مسرعًا ببطن خاوية والريح تعارضه ولكنه بسرعته يخترقها ويغدو صوب هدفه ويجتاز الفلوات المقفرة، ولعلّه يقصد نفسه بهذا الذئب فهو أيضًا يجتاز الفلوات والصحارى في محاولة للحصول على الرزق، لقد أكثر الشنفرى في هذه القصيدة من توظيف البيئة المكانية التي تعد بصمة العصر في الشعر الجاهلي، وهي بذاتها توحي بمساحات فارغة في نفس الشاعر فهو يفتقر لروح الجماعة التي فطر الإنسان عليها[٢١]، ويقول:[٢]


فَلَمّا لَواهُ القوتُ مِن حَيثُ أَمَّهُ

دَعا فَأَجابَتهُ نَظائِرُ نُحَّلُ

يُتابع الشاعر وصفه للذئب الجائع الذي بذل كل طاقته في طلب الطعام، إلّا أنّها هدرت بلا جدوى فقد يئس من مراده وأنهكه التعب حتى أخذ يعوي مناشدًا بني قومه من الذئاب، فلم يجبه سوى ذئاب نحيلة وخاوية تشبهه في جوعه ونحله، وفي هذا البيت يوظف الشاعر عناصر الحركة والصوت التي تتولى إبلاغ المراد المقصود، فالشاعر وحيد في الصحراء يُجابه أيامًا لا يجد فيها زاده فيذوي ولا يجد بالقرب منه سوى ذئاب الليل الجائعة الضعيفة، وهذه صورة مرئية يحسن الشاعر توظيفها وحقنها بالمعاني المجازية[٢٢]، ويقول:[٢]


مُهَلهَةٌ شِيبُ الوُجوهِ كَأَنَّها

قِداحٌ بِكَفَّي ياسِرٍ تَتَقَلقَلُ

يتوغّل الشنفرى في وصف الذئاب فهي نحيلة وضعيفة مقوسة والشيب يغمرها حتى أنّها تبدو كسهام يتلاعب بها المقامرون، إذ قضى كل منهم ليلته يتضور جوعًا، ويُوظّف في هذا البيت التشبيه البلاغي حيث شبّه الذئاب في نحلها وضعفها بسهام يتلاعب بها المقامرون لخفّتها[٢٣]، ويقول:[٥]


أَو الخَشرَمُ المَبعوثُ حَثحَثَ دَبرَهُ

مَحابيضُ أَرداهُنَّ سامٍ مُعَسَّلُ

يصف الشنفرى نفسه وطبيعة حياته بأنّه شقي يغادره الهناء سريعًا هذا إن حل به، فهو في قلق دائم واضطراب في بحثه عن مأمن وقوت ليومه، ويرسم الشاعر لنفسه صورة شعرية فيُشبّه نفسه بالخشرم وهو الدبور الكبير أو أمير النحل، الذي غادر عشه آمنًا وعاد مهتاجًا لفزع النحل اللواتي عبث أحدهم بعشهن[٢٤] ، ويقول:[٢]


مُهَرَّتَهٌ فوهٌ كَأَنَّ شُدوقَها

شُقوقُ العِصِيَّ كَالِحاتٌ وَبُسلُ

يُواصل الشنفرى وصف الذئاب الجائعة التي يراها، يشبه نفسه بها فيقول إنّها تبدو نحيلة كعصي يابسة وضامرة كما أنّ أفواهها تبدو واسعة كبيرة مشقوقة وهي مُهترئة فيها جروح بسبب الحر والبرد والجوع، في كلّ مرة يرسم الشنفرى صورة مختلفة ومميزة للذئاب وفي كلّ مرة تبدو الصورة أقرب وأكثر وضوحًا وتجسيدًا لمدى الجوع والشقاء، وفي هذا البيت يُوظّف الشنفرى الصور الفنية والتشبيه فيشبه الذئاب في نحولها بالعصي اليابسة[٢٥]، ويقول:[٢]


فَضَجَّ وَضَجَّت بِالبَراح كَأَنَّها

وَإِيّاه نوحٌ فَوقَ عَلياءَ ثُكَّلُ

يصف لشنفرى الذئاب الجائعة وهي تعوي في الظلمات على أعلى الهضاب وكأنّها نساء تنوح لفقد أولادها، وهذه صورة شعرية تضج بعناصر الصوت التي وظفها الشاعر لتوضيح الفكرة، ولعلّه قد ربط من خلال هذه الصورة بين عالم الذئاب وعالم البشر، خالقًا بينهما العديد من الروابط التي تخلص في نهاية الأمر إلى تطبيع فكرة عيش الشاعر في البراري مع الوحوش وقد استبدلهم بقومه[٢٦]، ويقول:[٥]


وَأَغضى وَأَغضَت وَاِتَّسى وَاِتَّسَت بِهِ

مَراميلُ عَزّاها وَعَزَّتهُ مُرمِلُ

يصف الشاعر حال الذئب خاوي البطن الذي تحدّث عنه بالتفصيل في الأبيات السابقة وقد أخذ يعوي فلفت عواءه ذئاب أخرى جائعة نكست أبصارها وأخذت تواسيه بالإضافة إلى ذئاب أخرى من الأرامل الجائعة التي لاقت في حال ذلك الذئب ما يشبه حالها وبؤسها، ويوظف الشنفرى في هذا البيت عنصر الحركات المتتابعة التي تتلخص بوجود قائد لفريق يتبعه فيما يفعل مع عنصر الصوت الذي يمنح الصورة النهائية شيئًا من الحيوية والواقعية[٢٧]، ويقول:[٢]


شَكا وَشَكَت ثُمَّ اِرعَوى بَعدُ وَاِرعَوَت

وَلَلصَّبرُ إِن لَم يَنفَع الشَكوُ أَجمَلُ

إنّ هذا الذئب حين أخذ يعوي وكأنّما يشكو همه وبؤسه للذئاب الأخرى وقامت هي بالرد عليه بشكوى مثلها ووجد كلّ منهم في الآخر ما يشقيه، أخذ يتراجع عن تلك الشكوى ويكتمها في نفسها محتسبًا الصبر فهو أجدى في مثل هذا الوضع الذي لا حل له، ويواصل الشاعر تفعيله لعناصر الصوت والحركات المتتابعة محاولًا الكشف عن ماساة جماعية تكتمها تلك البراري والفلوات المقفرة[٢٨]، ويقول:[٥]


وَفاءَ وَفاءَت بادِراتٌ وَكُلُّهَا

:عَلى نَكَظٍ مِمّا يُكاتِمُ مُجمِلُ

لقد عادت تلك الذئاب كلها إلى مواضعها وقد كتمت في صدرها ما كتمته من أمر الجوع والإعياء وصبرها هو الذي سيعينها على تتمة هذه الحياة وخوض معركة القوت فيها[٢٩]، ويقول:[٥]


هَمَمتُ وَهَمَّت وَاِبتَدَرنا وَأَسدَلَت

وَشَمَّرَ مِنّي فارِطٌ مُتَمَهَّلُ

يصف الشنفرى سرعته مقارنة بالذئاب فهي مهما تعدو مسرعة لبلوغ غايتها من الصيد فغنها لا تجاري الشنفرى في ذلك، لذا فإنه يشعر بأنه الأسبق دائمًا للوصول إلى ما يريد، لقد أكثر الشنفرى من استخدام صيغ الافعال المتماثلة وتكرار الألفاظ بشكل تتابعي، وهذا الأسلوب على الرغم من كثرته في شعر الشنفرى لا سيّما أنه قد ورد في مجموعة أبيات متسلسلة إلا أنه كان قد منح القصيدة إيقاعًا موسيقيًا خاصًا[٣٠]، ويقول:[٢]


فَوَلَّيتُ عَنها وَهَي تَكبو لِعَقرِهِ

يُباشِرُهُ مِنها ذُقونٌ وَحَوصَلُ

يتابع الشنفرى وصفه لتلك الذئاب التي تحاول أن تجاريه في عدوه رغم عدم مقدرتها على ذلك فهي تجري خلفه وأذقانها تلامس الأرض، وفي هذا البيت يوظّف الشنفرى الصور الحركية بشكل متقن يجعل القصيدة مسرحًا للأحداث المصورة[٣١]، ويقول:[٥]


وَتَشرِبُ أَسآرِيَ القَطا الكُدرُ بَعدَما

سَرَت قَرَبًا أَحناؤُها تَتَصَلصَلُ

ينتقل الشنفرى من حديثه عن وصف الذئاب ليصف طيور القطا، فيفخر بنفسه فقد اجتاز الصحارى وجاب جبالها وبلغ ما لم يبلغه أحد قبله من الغدائر، حتى أنّ طيور القطا نفسها لم تكن شربت من قبل من الغدير إلّا وقد شرب هو منه وعكر ماءه، وفي هذا البيت مبالغة شعرية لطيفة وظف فيها خياله لخلق المزيد من الحركة والأحداث في قصيدته[٣٢]، ويقول:[٢]


تَوافَينَ مِن شَتّى إِلَيهِ فَضَمَّها

كَما ضَمَّ أَذوادَ الأَصاريمِ مَنهَلُ

طيور القطا التي ذكرها الشنفرى في البيت السابق كانت قد توافدت من أماكن وأجناس مختلفة على الماء لتشرب حتى بدت وكأنها قطيع من الإبل العطشى التي تجمعت على مورد الماء لتشرب[٣٣]، ويقول:[٥]


كَأَنَ وَغاها حَجرَتَيهِ وَحَولَهُ

أَضاميمُ مِن سِفرِ القَبائِلِ نُزَّلُ

يتابع وصف طيور القطا التي اجتمعت حول الماء وأصواتها تضج بالمكان فرحة بالماء الذي ستشربه فهي تبدو وكأنّها جمع من المسافرين التقوا في نزل معًا فعجّ المكان بأصواتهم الفرحة، ولعلّ الشنفرى كان قد بالغ حين رسم للحدث الواحد عدّة صور وكأنّما يتكلف اختلاق الصور، كماأنّ الصورة التي نسجها في البيت السابق لطيور القطا كانت أقوى وأبدع[٣٤]، ويقول:[٥]


فَعَبَّت غِشاشًا ثُمَّ مَرَّت كَأَنَّها

مَعَ الصُبحِ رَكبٌ مِن أُحاضَةَ مُجفِلُ

يصف الشنفرى أسراب القطا على مورد الماء وقد شربت سريعًا من الماء وكأنّها على عجلة من أمرها وذلك كان عند أول الفجر، وشبّهها بجماعات من بني أحاظة وقد غدوا مسرعين إلى مقاصدهم، لقد بدت الصور والأخيلة التي نسجها الشنفرى للذئاب أشد وأقوى من الصور التي نسجها لطيور القطا فهي تبدو متكلفة بشكل لا يُشبه خصائص الشعراء الصعاليك[٣٥]، ويقول:[٥]


وَآلَفَ وَجهَ الأَرضِ عِندَ افتِراشِها

بِأَهدَأ تُنبيهِ سَناسِنُ قُحَّلُ

بعد أن خلص الشاعر من وصف الذئاب وطيور القطا تفرّغ لوصف نفسه، فيقول إنّه من شدّة فقره يفترش الأرض لينام عليها، وهو من شدة نحوله ترفعه عظام منكبيه عن الأرض عند نومه فلا تلامس فقرات ظهره الأرض[٣٦]، ويقول:[٥]


وَأَعدِلُ مَنحوضًا كَأَنَّ فُصوصَهُ

كِعابٌ دَحاها لاعِبٌ فَهيَ مُثَّلُ

يتابع الشنفرى وصف نفسه ونحوله، فهو عندما يريد الاستراحة يتمدّد على الأرض ويفرد جسده النحيل فتبدو مفاصله لعظمها كأنّها كعاب يتلاعب بها المُقامرون وقد افترشوها أرضًا، وهنا صورة فنية حيث يشبّه الشنفرى عظام مفاصله بالكعاب التي يلعب بها المقامرون[٣٧]، ويقول:[٥]


فَإِن تَبتَئِس بِالشَنفَرى أُمُّ قَسطَلٍ

لَما اِغتَبَطَت بِالشَنفَرى قَبلُ أَطوَلُ

يذكر الشنفرى المنيّة وأيامه الخوالي بالحروب حيث كان الموت مغتبطًا مسرورًا بمن يأتيه بهم الشنفرى من القتلى، وإن كان قد أصيب الموت بانتكاسة لبؤس الشنفرى هذه الأيام فإنّه يُواسي نفسه ويواسي الموت بأن الأيام لا تكون على حال واحدة، فمرة يكون فيها ما يسر ومرة يكون فيها ما يسوء[٣٨]، ويقول:[٥]


تَنامُ إِذا ما نامَ يَقظى عُيونُها

حِثاثاً إِلى مَكروهِهِ تَتَغَلغَلُ

يبدو أنّ الموت لم يعد يريد من الشنفرى أن يأتيه بالقتلى بقدر ما يريده هو ذاته، فهو وإن نامت عيونه فإنّ عيون الموت تظل متيقظة لا تنام تريد أن تفتك به وتلحق به مكروهًا، وفي هذا البيت صورة فنية حيث يشبّه الموت بالعدو الغاشم الذي يتلصص ويترقب نوم الشنفرى وغفلته حتى يفتك به[٣٩]، ويقول:[٥]


وَإِلفُ هُمومٍ ما تَزالُ تَعودُهُ

عِياداً كَحُمّى الرَبعِ أَو هِيَ أَثقَلُ

إنّ الشنفرى يتابع وصف حاله ببؤس هذه الأبيات فقد فترت القوة التي انتابتها المبالغة في الأبيات السابقة، فهو لزيم هموم قد ألفها وما عادت تبرح عقله، وهي ثقيلة عليه لا يقوى على حملها وكأنما هي حمى الربع، وقد شبّه الشاعر الهموم التي لا تغادره بالصديق الملازم وشبّهها مرة أخرى في ثقلها بالحمى القاسية[٤٠]، ويقول:[٥]


إِذا وَرَدت أَصدَرتُها ثُمَّ إِنَّها

تَثوبُ فَتَأتي مِن تُحَيتٍ وَمِن عَلُ

إنّ هذه الهموم كلّما وردت للشنفرى قام بالتصدّي لها ودفعها، إلّا أنّها لا تكترث لهذا التصدّي وتأتيه من كل الجهات، ويرى أنّ الهموم تتزايد في صدر المرء بقدر همته وقوة تحمله وهو صاحب همة وقوة لذلك فهي تتزايد عليه[٤١] ، ويقول:[٥]


فَإِمّا تَرَيني كَاِبنَةِ الرَملِ ضاحِيًا

عَلى رِقَّةٍ أَحفى وَلا أَتَنَعَّلُ

يوجه الشنفرى خطابًا شعريًا لزوجته يصف فيه حاله لها، فهو كالحيّة عاري الجسد لا يكسوه أو يستره شيء، كما أنّه حافي القدمين لا ينتعل حذاء، إن قصيدة الشنفرى تأخذ بالتوغل في الضعف والوهن كلما تقدم القارئ فيها، أو أنّه قد وقع في تناقض، فبعد أن كان يعتز بحفائه وأنه لا يضيره فقر ولا جوع مقابل كرامته تراه الآن يشتكي ويضعف ويبث زوجته همومه، وفي هذا البيت صورة فنية دقيقة حيث شبّه الشاعر نفسه بالحية التي تجوب الصحارى عارية بينما لا يسترها شيئ [٤٢]، ويقول:[٥]


فَإِنّي لَمَولى الصَبرِ أَجتابُ بَزَّهُ

عَلى مِثلِ قَلبِ السِمعِ وَالحَزمَ أَفعَلُ

يسترجع الشنفرى عزائمه ويتماسك ثانية بعد كل هذا الفتور والبؤس الذي مر به، فهو يقول إنّه يتحلّى بالصبر والعزيمة فهو مثل الذئب في قوته وقدرته على التحمل وحزم أمره، وفي هذا البيت صورة فنية حيث يشبّه نفسه بالذئب في قوته وشدته[٤٣]، ويقول:[٥]


طَريدُ جِناياتٍ تَياسَرنَ لَحمَهُ

عَقيرَتُهُ لأَيَّها حُمَّ أَوَّلُ

يبرّر الشنفرى سبب ارتكابه للجنايات ويصرّح بأنّه أصبح طريدًا لجنايات فُرضت عليه من القوم لأجلهم، ولما هو ارتكب هذه الجنايات نبذ من قومه وأخرج من دياره حتى تناهشت تلك الجنايات لحمه وأصبح مشردًا في العراء[٤٤]، ويقول:[٥]


وَأُعدِمُ أَحياناً وَأَغنى وَإِنَّما

يَنالُ الغِنى ذو البُعَدةِ المُتَبَذَّلُ

يُبيّن الشنفرى حاله المضطربة بين الغنى والحاجة، فهو رغم أنّه طريد جنايات إلّا أنه يمرّ بأيّام منها ما يكون فيها فقيرًا معدمًا لا يجد حتى قوت يومه ومنها ما يكون فيها غنيًّا موفرًا، والأيّام التي يكون فيها غنيًا إنّما هي بفضل مساعيه وجهده وكل إنسان يعمل لنفسه بنفسه ويكفيها ذل السؤال والحاجة، يبدو أن الحكمة هي التي باتت تسود في القصيدة بدءًا من هذا البيت فالشاعر بعد تخبطه بين القوة والفتور يمر بمرحلة يستخلص فيها حكمته من الحياة، وفي هذا البيت يوظّف الشاعر فنّ الطباق الواقع بين كلمتي "أغنى،وأعدم" وفي ذلك تعزيز للمُتناقضات التي تقوم عليها الحياة[٤٥]، ويقول:[٢]


فَلا جَزعٌ مِن خَلَّةٍ مُتَكَثَّفٌ

وَلا مَرحٌ تَحتَ الغِنى أَتَخَيَّلُ

يبدو الشاعر أكثر زهدًا في الحياة فقد لقّنته الكثير من الدّروس والتجارب حتى بدا أغنى والفقر له سيان، فلا هو يفرح ويختال بنعمة أصابته، ولا هو يجزع ويستسلم لشقاء حاله، وفي هذا البيت أيضًا يلجأ الشاعر لتوظيف الطباق من بين الفنون البديعية، وذلك لأنّها أكثر انسجامًا مع واقع حاله المضطربة[٤٦]، ويقول:[٢]


وَلا تَزدَهي الأَجهالُ حِلمي وَلا أَرى

سِؤولًا بِأعقابِ الأَقاويلِ أَنمُلُ

يقول الشنفرى إنّه وقور حليم يكتم سرّ من أسر إليه، فلا هو يجالس القوم يبوح بأسرارهم أو يغتابهم ولا يزاول الكذب، فالأطماع لا تستخف بعقله وكبريائه، وهذه من مكارم الأخلاق التي حث عليها الإسلام، وإنّنا لنعجب من قول الذين ينسبون هذه القصيدة للشعوبية يريدون بها دحض الخلق العربي الإسلامي[٤٧]، ويقول:[٥]


وَلَيلَةِ نَحسٍ يَصطَلِيَ القَوسَ رَبُّها

وَأَقطُعَهُ اللاتي بِها يَتَنَبَّلُ

يستذكر الشاعر ليالي الشقاء الباردة التي كان يقضيها في الفلاة، فكم من ليلة كان يقضيها ولم يقو على بردها فأوقد قوسه وسهامه ليستدفئ بها ويقي نفسه شر الهلاك، وفي هذا البيت يفعل الشاعر من جديد عنصر اللون بالإضافة إلى عنصر الحس الذي يدعم العاطفة في هذا البيت[٤٨]، ويقول:[٢]


دَعَستُ عَلى غَطشٍ وَبَغشٍ وَصُحبَتي

سُعارٌ وَإِرزيزٌ وَوَجرٌ وَأَفكُلُ

يُتابع الشاعر وصف ليلته الشقية التي سار فيها في الفلاة المقفرة، والرياح تعصف به من كلّ جانب، بالإضافة إلى المطر الخفيف الذي يتساقط فيزيد الجو برودة، وجسده يكاد يمزّقه البرد بينما نار بطنه تستعر من شدة الجوع، وهنا في هذا البيت وما سبقه تظهر معاناة الشعراء الصعاليك وطبيعة حياتهم الصعبة التي ليس فيها لهم مأوى ولا مأمن[٤٩]، ويقول:[٢]


فَأَيَّمتُ نِسوانًا وَأَيتَمتُ آلَدَةً

وَعُدتُ كَما أَبدَأتُ وَاللَيلُ أَليَلُ


من ليالي النحس المؤلمة التي يسردها الشاعر ليلة غزا فيها على قوم فأوسعهم قتلًا وتنكيلًا فيتّم أولادًا وأيم نساء وعاد إلى مأواه بعد ذلك سالمًا مُعافى، ولعل استذكاره لهذه الحادثة ومقارنتها بالليلة التي قبلها تلخص لنا حكمة مفادها أنّ السعادة والشقاء وجهان لعملة واحدة هي الحياة الدنيا، وهذا البيت تفعل فيه عناصر الحركة فيما تتعطل عناصر اللون من خلال سيادة الليل [٥٠]، ويقول:[٢]


وَأَصبَحَ عني بِالغُمَيصاءِ جالِسًا

فَريقانِ مَسؤولٌ وَآخَرُ يَسأَلُ

إنّ هذه الجنايات لم تكن لتعدو بعيدًا عن مُحاكمة الضمير فهو في صبح كلّ ليلة يجري فيها مثل تلك الأحداث يستيقظ وقد وجد نفسه في فريقين أحدهما يُقاضي الآخر ويسائله ويُحاسبه، وفي هذا البيت أيضًا يُوظّف الشاعر الطباق ليُعزّز قائمة التناقضات التي باتت تغزو القصيدة[٥١]، ويقول:[٢]


فَقالوا لَقَد هَرَّت بِلَيلٍ كِلابُنَا

فَقُلنا أَذِئُبٌ عَسَّ أَم عَسَّ فُرغُلُ

في القصيدة يتابع الشنفرى سرد أصغر التفاصيل والأحداث، فنفسه التي انشقّت إلى قاضٍ ومذنب كانت قد سمعت صوتًا في الجوار واشتبهت به أصوات كلب، وفي هذا البيت يبدو الشاعر وكأنه يُؤنس نفسه بنظم الشعر وحديث النفس[٥٢]، ويقول: [٢]


فَإِن يَكُ مِن جِنٍّ لَأَبَرحُ طارِقًا

وَإِن يَكُ أُنسًا ماكَها الأُنسُ تَفعَلُ

لقد ترددت نفسه في تحديد هوية الغازي أهو من الجن حتى كان سريعًا لم تشعر به الكلاب إلّا بعد فواتهم، أم من الإنس ولكنّه يعلم أنّ الإنس لا بد وأن يثيروا ضجة فتفزع الكلاب ويتنبه هو لغزوهم[٥٣]، ويقول:[٢]


وَيَومٍ مِنَ الشِعرى يَذوبُ لَوابُهُ

أَفاعيهِ في رَمضائِهِ تَتَمَلمَلُ

يسرد الشاعر قصة يوم آخر على عكس اليوم الذي رواه في البيت السابق، فهذا اليوم يوم حر تغلي فيه الحجارة وتُصبح كالفرن وتتقلب فيه الأفاعي وقت الظهيرة، وفي هذا البيت صورة فنية حيث شبّه فيه الشاعر الشمس بالكائن الذي يسيل لعابه كما يشكّل هذا البيت وجهًا من وجوه المقابلة البديعية مع البيت الذي لاقى فيه ألم البرد والصقيع[٥٤]، ويقول:[٢]


نَصَبتُ لَهُ وَجهي وَلا كِنَّ دونَهُ

وَلا سِترَ إِلّا الأَتُحَمِيَ المُرَعبَلُ

في مثل هذا اليوم الحار الملهب لم أختبئ بل نصبت وجهي له وأبرزته وسعيت في أمري ولا شيء يحميني سوى تلك البردة الأتحمية، وفي هذا البيت يظهر الشاعر أبرز مظاهر التحدي والتحمل[٥٥]، ويقول:[٢]


وَضافٍ إِذا هَبَّت لَهُ الريحُ طَيَّرَت

لَبائِدَ عَن أَعطافِهِ ما تَرَجَّلُ

يُتابع الشاعر قوله إنّ له ما يحميه من أذى الحر الشديد وهو ذلك البرد الأتحمي، وشعره المتلبد بسبب الزيت والعرق وقلة الاستحمام، وفي هذا البيت يصوّر الشاعر مظهرًا من مظاهر معاناته في الحر لا تُقارن بمعاناته القاسية في برد الشتاء [٥٦]، ويقول:[٢]


بَعيدٌ بِمَسَّ الدُهنِ وَالفَليُ عَهدُهُ

لَهُ عَبَسٌ عافٍ مِنَ الغِسلِ مُحوِلُ

يصف الشاعر شعره المدهن المتسخ، فهو لم يلامس الماء منذ عام على الأقل، ولذلك فإنّ به الأوساخ الجامدة واليابسة التي جعلته يتلبد بها ويتماسك ، وربما تكون هذه واحدة من معاناته التي رغب بذكرها وتعدادها إلى جانب الجرائر والمصائب التي تشقيه صيفًا وشتاء[٥٧]، ويقول:[٢]


وَخَرقٍ كَضَهرِ التِرسِ قَفرٍ قَطَعتُهُ

بِعامِلَتَينِ ظَهرُهُ لَيسَ يُعمَلُ

كم من فلاة ومفازة واسعة مقفرة خالية من أي مظهر من مظاهر الحياة فليس فيها كلأ ولا ماء وأرضه وعرة مليئة بالحجارة، إلّا أنّه يقطعها بقدميه الحافيتين ويترك أثرهما فيها كبصمة لأول من مرّ من هناك[٥٨]، ويقول:[٢]


وَأَلحَقتُ أولاهُ بِأُخراهُ موفِيًا

عَلى قُنَّةٍ أُقعي مِرارًا وَأَمثِلُ

يفتخر الشاعر بأنّه كان قادرًا على اجتياز الفلاة كلّها حتى أنّه ألحق أوّلها بآخرها، وذلك بعد أن عدا فيها بقدميه الحافيتين تارة وتارة أخرى كان قد اجتازها بعينيه حين يجلس على هضبة فينظر فيها فيتبع أولاها بآخراها [٥٩]، ويقول:[٢]


تَرودُ الأَراوِيَ الصُحمُ حَولِي كَأَنَّها

عَذارى عَلَيهنَّ المُلاءُ المُذَيَّلُ

تلك الوعول التي لا تبرح أماكنها في الجبال تتحرص حين ترى الشنفرى وكأنها عذراء خجولة محتشمة ترتدي ثيابًا تجر وتصون نفسها من عين كل غاد وآت، وفي هذا البيت صورة فنية لطيفة فهو يشبّه الوعول التي تجر ذيولها بالعذارى الخجولة التي ترتدي ثيابًا جرارة وتحرص على نفسها وتستحصن [٦٠]، ويقول:[٥]


وَيَركُدنَ بالآصالِ حَولِي كَأَنَّني

مِنَ العُصم أَدفى يَنتَحي الكَيحَ أَعقَلُ

لقد باتت الوعول تألف الشنفرى وتستأنس بحضوره بينها فهي في المساء تجتمع حوله وكأنّها تأمن على نفسها عنده فهو قوي لديه القدرة على حماية نفسه وحماية تلك الوعول، وفي هذا البيت صورة فنية حيث يشبّه الوعول بالإناث اللطيفة التي تطلب الحماية والأنس.[٦١]


معاني المفردات في قصيدة لامية العرب

  • مطايا: الدواب الركوبة.[٦٢]
  • حمّت: قضيت.[٦٣]
  • طيّات: تعاريج الأرض.[٦٤]
  • القلى: البغض والكره.[٦٥]
  • سيد: ذئب.[٦٦]
  • عملس: قوي وسريع في سيره.[٦٧]
  • أرقط: نمر.[٦٨]
  • زهلول: حية.[٦٩]
  • عرفاء: ضبع.[٧٠]
  • جيأل: ضبع ضخم.[٧١]
  • أبيّ: لا يرضى الذل لنفسه.[٧٢]
  • باسل: شجاع.[٧٣]
  • متعلل: مستأنس ومتلهي.[٧٤]
  • إصليت: الماضي في الأمور.[٧٥]
  • عيطل:طويل العنق.[٧٦]
  • هتوف: حنّانة.[٧٧]
  • نيطت: علقت.[٧٨]
  • مرزأة: فقدت أبناءها.[٧٩]
  • مهياف: من يشتد عطشه ولا يصبر عليه.[٨٠]
  • سقبان: أولاد الناقة.[٨١]
  • بهل: مهملة رعيتها.[٨٢]
  • جبأ: توارى عنه.[٨٣]
  • أكهى: حجر لا صدع فيه.[٨٤]
  • هيق: رجل مفرط الطول.[٨٥]
  • ألفّ: من كان رأسه تحت ثوبه.[٨٦]
  • الهوجل: الأحمق.[٨٧]
  • العسيف: الأجير المستهان به.[٨٨]
  • الأمعز: الأرض الغليظة ذات الحجارة.[٨٩]
  • الخمص: بطونهم فارغة.[٩٠]
  • أزل: ضيق.[٩١]
  • أطحل: رمادي.[٩٢]
  • مراميل: أرامل فقدت ازواجها.[٩٣]
  • أغضى: نظر إلى الأرض مطبقًا جفنيه.[٩٤]
  • ارعوى: كف وتراجع.[٩٥]
  • تتصلصل: تجف.[٩٦]
  • يصطلي: يستدفئ.[٩٧]
  • إرزيز: صوت يسمع من بعيد.[٩٨]
  • الغميصاء: نجمان منيران.[٩٩]
  • الرمضاء: الحجارة الساخنة.[١٠٠]
  • خرق: حمق.[١٠١]
  • الكيح: الخشن.[١٠٢]

خصائص قصيدة لامية العرب

كيف فعّل الشنفرى عناصر التصوير الحركيّ في القصيدة؟


  • وحدة الوزن والروي: لعلّها من أبرز السمات الفنية التي تميّز بها الشعر الجاهلي، فالقصيدة قد نظمت على البحر الطويل وهو بحر يمنح القصيدة مساحة موسيقية، كما أنه يمنحها قدرة على استيعاب قدر أكبر من الأفكار، بالإضافة إلى شيء من الفخامة النظمية التي تمتعت بها قصيدة لامية العرب.[١٠٣]


  • التكرار اللفظي: وهو من أبرز السمات الواضحة في لامية العرب، إذ فعّل الشنفرى التكرار اللفظي على كافة مستوياته فهناك تكرار لألفاظ من صيغ مختلفة مثل: (الأفضل، المتفضل، تفضل) وهناك ألفاظ مكررة بشكل متسلسل مثل: (فضج وضجت، وأغضى وأغضت، واتّسى واتّست به، وشكا وشكت، ارعوى وارعوت)[١٠٤]


  • الجناس: وهو من أبرز المحسنات البديعية التي وظّفها الشنفرى في قصيدته لتمنحها إيقاعًا داخليًا مميزًا، وقد ظهر هذا اللون البديعي في لامية العرب بنوعيه الجناس الناقص مثل: (شدوقها وشقوق)، (فأيّمت وأيتمت)، أمّا الجناس التام فهو على نحو: (الهوجل وهوجل) وهو قليل في القصيدة مقارنة بالجناس الناقص.[١٠٥]


  • تماثل التراكيب: وظهرت هذه الخاصية في أبيات من قصيدة لامية العرب كانت قد تماثلت أعجازها وذلك على نحو (فقلنا أذئب عس أم عس فرعل) وقول الشاعر (فقلنا قطاة ريع أم ريع أجدل)، وهذه الخاصية لم تتسبب في خلق وهن شعري في بنية القصيدة بقدر ما منحت القصيدة حسًا إيقاعيًا متوازنًا.[١٠٦]


  • التشبيه والتصوير الفني: ولعل هذه السمة هي الأكثر ورودًا في قصيدة لامية العرب وقد استثمرها الشنفرى استثمارًا فاعلًا حيث ساعد على تشكيل الحدث في صورة مرئية في ذهن المتلقي، ومنحت القصيدة قيمة جمالية لا سيّما تلك الصور التي خلقت تقاطعًا بين عالم الحيوان وعالم البشر.[١٠٧]


  • المراوحة بين صيغ الافعال: فقد وظّف الشنفرىالفعل الماضي لدعم السرد الفني للحدث لا سيّما في وصفه للذئاب وسعيها للحصول على الطعام، كما استخدم الفعل المضارع لوصف حاله مساعيه في البراري لتحقيق ذاته وحماية كبريائه، وقد أسهمت صيغة المضارعة بإبراز ذاتية الشاعر لا سيما أنّها تحمل معنى الاستمرارية، وكذلك فإنّه استخدم صيغةفعل الأمر في خطاباته لقومه.[١٠٨]


  • توظيف الخيال: وقد اتّضح ذلك في قصيدة لامية العرب من خلال المبالغات التصويرية التي ساقها الشاعر لتأجيج الأحداث التي كان يسردها ولتعظيم الفكرة التي كان يتناولها في لاميته، لا سيّما بما يختص بجانب الذات والفخر بالنفس، وقد أضفى الخيال مسحة جمالية وفنية على القصيدة.[١٠٩]


  • الاستعارة: فقد أكثر الشنفرى في قصيدته لامية العرب من توظيف الصور الاستعارية بأنواعها، وقد أضفت هذه الصور على القصيدة نوعًا من الفنية البلاغية لا سيما وأنّ اللامية كانت تستند بشكل أساسي على الصور والمرئيات السردية، كما أنّ الاستعارات كانت قد منحت القصيدة قوة في اللغة الشعرية.[١١٠]
  • شيوع الأسلوب الخبري: فقد شاع الأسلوب الخبري في لامية الشنفرى على الأسلوب الإنشائي؛ وذلك لمواءمة الأحداث كما أنّه كان قد اعتمد على الأسلوب التقريري، وأكثرَ من استخدام الخبر الابتدائي الذي كان متناغمًا مع العملية التخييلية في هذه القصيدة، بالإضافة إلى تكرار هذه الأخبار في معظم الأبيات.[١١١]


نسبة لامية العرب إلى الشنفرى

هل يُمكن أن تكون اللامية من الشعر المنحول؟

أثبتت الدراسات والتحقيقات الشعرية أنّ الكثير من الشعر الجاهلي قد أصابه الانتحال لا سيّما في عصر صدر الإسلام؛ وذلك بسبب موت الكثير من حفظة الشعر في حروب الفتوح [١١٢]، وكانت لامية العرب من بين الشعر الجاهلي الذي وقع في دائرة الشك والانتحال، إذ شكّك الدّارسون في نسبة لامية العرب للشنفرى، فذهب بعضهم إلى أنّها تُنسب إلى الراوية خلف الأحمر، وهو راوية للشعر عُرف بنحله للشعر، فقد اعتقد هؤلاء الدارسين من أصحاب هذا الرأي بأنّ خلف الأحمر كان قد كتبها ونحلها للشنفرى، ولعلّ أوّل من نادى بهذا الرأي واتّهم خلف الأحمر بانتحال هذه القصيدة هو ابن دريد، إلا أنّه لم يُوضّح الأساس الذي بنى عليه اتهامه.[١١٣]


على الجانب الآخر ممّن يقولون بانتحال لاميّة العرب، يقف آخرون من دارسي الأدب ومُحقّقو الشعر ينفون القول بانتحالها ويُثبتون أصل نسبتها إلى الشنفرى، ومن هؤلاء إميل يعقوب الذي أثبت أصل نسبتها بعروبة ألفاظها وأنّها عدّت من شواهد اللغة العربية في معجم لسان العرب، هذا بالإضافة إلى وجود كثير من الكتب القديمة ومصادر الأدب التي تنسب اللامية للشنفرى ولا تُشكّك في ذلك ولو كان ثمة لبس في أصل نسبتها للشنفرى لكان أهل الأدب القدماء قد أشاروا إلى ذلك.[١١٤]

المراجع

  1. "الشنفرى الأزدي"، المعرفة، اطّلع عليه بتاريخ 10/12/2020. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه و ي أأ أب أت أث أج أح أخ أد "أقيموا بني أمي صدور مطيكم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/12/2020.
  3. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب، صفحة 67. بتصرّف.
  4. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب، صفحة 70. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه و " أقيموا بني أمي صدور مطيكم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/12/2020.
  6. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب، صفحة 73. بتصرّف.
  7. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب، صفحة 76. بتصرّف.
  8. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية الشنفرى، صفحة 78. بتصرّف.
  9. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب، صفحة 81. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ت ث "أقيموا بني أمي صدور مطيكم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 11/12/2020.
  11. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب، صفحة 84. بتصرّف.
  12. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب، صفحة 87. بتصرّف.
  13. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب، صفحة 89. بتصرّف.
  14. ^ أ ب ت ث احماد بن ابا الأبهمي الديماني، شرح لامية العرب الشنفرية، صفحة 6. بتصرّف.
  15. احما بن ابا الابهمي الديماني، شرح لامية العرب الشنفرية، صفحة 7. بتصرّف.
  16. ^ أ ب شماره بازيابي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 59. بتصرّف.
  17. ^ أ ب ت ث ج ح خ شماره بازيابي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 60. بتصرّف.
  18. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 123. بتصرّف.
  19. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 124. بتصرّف.
  20. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 128. بتصرّف.
  21. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لاية العرب للشنفرى، صفحة 129. بتصرّف.
  22. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 131. بتصرّف.
  23. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 132. بتصرّف.
  24. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 134. بتصرّف.
  25. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 138. بتصرّف.
  26. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 140. بتصرّف.
  27. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 141. بتصرّف.
  28. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 144. بتصرّف.
  29. السيد إبراهيم الرضوي ، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 145. بتصرّف.
  30. السيد غبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 148. بتصرّف.
  31. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 152. بتصرّف.
  32. السيد إبراهيم المرتضى، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 153. بتصرّف.
  33. السيد إبراهيم المرتضى، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 157. بتصرّف.
  34. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 158. بتصرّف.
  35. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 161. بتصرّف.
  36. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 165. بتصرّف.
  37. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 167. بتصرّف.
  38. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 170. بتصرّف.
  39. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 172. بتصرّف.
  40. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 174. بتصرّف.
  41. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 176. بتصرّف.
  42. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفري، صفحة 181. بتصرّف.
  43. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 181. بتصرّف.
  44. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 185. بتصرّف.
  45. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 187. بتصرّف.
  46. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 190. بتصرّف.
  47. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 192. بتصرّف.
  48. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 195. بتصرّف.
  49. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 199. بتصرّف.
  50. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 200. بتصرّف.
  51. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 202. بتصرّف.
  52. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 204. بتصرّف.
  53. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 207. بتصرّف.
  54. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 208. بتصرّف.
  55. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 212. بتصرّف.
  56. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 215. بتصرّف.
  57. السيد غبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 216. بتصرّف.
  58. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 217. بتصرّف.
  59. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 219. بتصرّف.
  60. السيد إبراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 222. بتصرّف.
  61. السيد ابراهيم الرضوي، شرح لامية العرب للشنفرى، صفحة 224. بتصرّف.
  62. "تعريف و معنى مطايا في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 12/12/2020.
  63. "تعريف و معنى حمّت في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  64. "تعريف و معنى طيات الارض في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  65. "تعريف و معنى القلى في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  66. "تعريف و معنى سيد في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  67. "تعريف و معنى عملس في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  68. "تعريف و معنى ارقط في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  69. "تعريف و معنى زهلول في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  70. "تعريف و معنى عرفاء في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  71. "تعريف و معنى جيأل في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  72. "تعريف و معنى أبيّ في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  73. "تعريف و معنى باسل في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  74. "تعريف و معنى متعلل في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  75. "تعريف و معنى إصليت في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  76. "تعريف و معنى عيطل في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  77. "تعريف و معنى هتوف في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  78. "تعريف و معنى نيطت في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  79. "تعريف و معنى مرزأة في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  80. "تعريف و معنى مهياف في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  81. "تعريف و معنى سقبان في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  82. "تعريف و معنى بهّل في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  83. "تعريف و معنى جبأ في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  84. "تعريف و معنى أكهى في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  85. "تعريف و معنى هيق في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  86. "تعريف و معنى ألفّ في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  87. "تعريف و معنى الهوجل في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  88. "تعريف و معنى العسيف في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  89. "تعريف و معنى الأمعز في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  90. "تعريف و معنى خمص في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  91. "تعريف و معنى أزل في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  92. "تعريف و معنى أطحل في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  93. "تعريف و معنى مراميل في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  94. "تعريف و معنى أغضى في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  95. "تعريف و معنى ارعوى في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  96. "تعريف و معنى تتصلصل في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  97. "تعريف و معنى يصطلي في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  98. "تعريف و معنى إرزيز في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  99. "تعريف و معنى الغميصاء في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  100. "تعريف و معنى رمضاء في معجم المعاني الجامع "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  101. "تعريف و معنى خرق في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  102. "تعريف و معنى الكيح في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.
  103. رشيد بن قسيمة، الأسلوب في لامية العرب للشنفرى، صفحة 31. بتصرّف.
  104. رشيد بن قسيمة، الأسلوب في لامية العرب للشنفرى، صفحة 59. بتصرّف.
  105. رشيد بن قسيمة، الأسلوب في لامية العرب للشنفرى، صفحة 61. بتصرّف.
  106. رشيد بن قسيمة، الاسلوب في لامية العرب للشنفرى، صفحة 64. بتصرّف.
  107. رحيمة شيتر، بنية الخطاب الشعري في لامية العرب، صفحة 66. بتصرّف.
  108. رحيمة شيتر، بنية الخطاب الشعري في لامية العرب، صفحة 83. بتصرّف.
  109. حرشاوي جمال، الخصائص الاسلوبية في شعر الصعاليك الشنفرى انموذجًا، صفحة 199. بتصرّف.
  110. حرشاوي جمال، الخصائص الأسلوبية في شعر الصعاليك، صفحة 241. بتصرّف.
  111. عبد الغفار بدري، رحلة التوحش من لامية العرب للشنفرى، صفحة 130. بتصرّف.
  112. "قضية الانتحال في النقد العربي القديم بين التأصيل والتجديد"، مجلة إشكالات، 2018، العدد 2، المجلد 7، صفحة 170. بتصرّف.
  113. "لامية الشنفرى تحليل وتذوق"، الالوكه، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020. بتصرّف.
  114. سيد محمد موسوي بفرويي (1/11/2012)، "دراسة نقدية في تسمية لامية العرب"، مجلة دراسات في اللغة العربية وآدابها، العدد 11، صفحة 140. بتصرّف.
3058 مشاهدة
للأعلى للسفل
×