شرح معلقة امرؤ القيس

كتابة:
شرح معلقة امرؤ القيس


شرح معلقة امرئ القيس

تعدُّ معلقة امرئ القيس واحدة من أهم القصائد التي قيلت في العصر الجاهلي، وهي أيضًا أول قصائد المعلقات، فقد قالها الشاعر امرئ القيس الملقب بالملك الضليل؛ لأنّه خسر مملكة والده وفشل في أخذ الثأر له، فخسر الحكم والبلاد وهام على وجهه في الصحاري حتى بلغ نهر الفرات في الرقة، فأنشد هذه المعلقة التي كانت أنموذجًا لأرقى ما وصله الشعر العربي.[١] وفيما يأتي شرح موجز لها:


المقدمة الطللية

قِفا نَبْكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنْزِلِ

:::بِسِقطِ اللوى بَيْنَ الدَخُولِ فَحَوْمَلِ

فَتوضِحَ فَالْمِقْراةِ لَم يَعفُ رَسمُهَا

:::لِما نَسَجَتْها مِن جَنوبٍ وَشَمْأَلِ

تَرى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصَاتِها

:::وَقيعانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ

كَأَنّي غَداةَ الْبَينِ يَوْمَ تَحَمَلُوا

:::لَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ

وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُمْ

:::يَقولونَ لا تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَمَّلِ

وَإِنَّ شِفائي عَبْرَةٌ مَهَراقَةٌ

:::فَهَل عِنْدَ رَسمٍ دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ

كَدَأبِكَ مِن أُمِّ الحُوَيرِثِ قَبلَهَا

:::وَجارَتِها أُمِّ الرَبابِ بِمَأسَلِ

فَفاضَت دُموعُ العَينِ مِنّي صَبابَةً

:::عَلى النَحْرِ حَتّى بَلَّ دَمعِيَ مِحمَلي

أَلا رُبَّ يَومٍ لَكَ مِنهُنَّ صالحٍ

:::وَلا سِيَّما يَومٍ بِدارَةِ جُلجُلِ[٢]


إنّ المتأمل لهذه الأبيات يجدُ أنّ الشاعر أفتتح قصيدته بمقدمةٍ طللية جريًا على عوائد العرب في الشعر، فيخاطب الشاعر رفيقيه، ويطلب منهما الوقوف والبكاء معه لذكرى والده المقتول، ولذكرى مملكته الضائعة الواقعة بين جبلي الدخول وحومل، فهذه المملكة صارت طللاً وأصبحت رياح الجنوب والشمال تهب فيها وتمحي آثارها.[٣]


ويذكر أنّه حتى الآرام والغزلان اتخذت من أحياء مملكته مسكنًا لهجران الناس لها، ويستذكر لحظة رحيل الناس عنها وهم يحملون أغراضهم ومتاعهم ويرحلون، لكن صاحبيه يطلبان منه الهدوء والتصبر حتى لا يهلك من الأسى والحزن، لكنه يرى أن علاجه بالبكاء، فهو ليس له حظ في الأرض ولا في السماء، كحال الرجل الذي يحب لكنه لم ينل حب أم الحويرث ولا أم الرباب.[٤]


فكان بكاؤه غزيرًا حتى بلغ به الأمر أن بلل بدموعه محمل سيفه على خصره، ويتمنى في قرارة نفسه أن تعطيه الأيام يومًا سعيدًا مثل يوم دارة جيجل، ذلك اليوم الذي قيل فيه أنّ امرئ القيس مرّ على غدير ماء، فسرق ثياب النسوة التي كنّ يغتسلن في الغدير، وأجبرهن على الخروج عليه؛ حتى يأخذن ثيابهن.[٥]


لوحة الذكريات

وَيَومَ عَقَرتُ لِلعَذارى مَطِيَّتي

:::فَيا عَجَباً مِنْ كورِها المُتَحَمَّلِ

فَظَلَّ العَذارى يَرتَمينَ بِلَحمِها

:::وَشَحمٍ كَهُدّابِ الدِمَقسِ المُفَتَّلِ

وَيَومَ دَخَلتُ الخِدرِ خِدرَ عُنَيزَةٍ

:::فَقالَت لَكَ الوَيلاتُ إِنَّكَ مُرجِلي

تَقولُ وَقَد مالَ الغَبيطُ بِنا مَعاً

:::عَقَرتَ بَعيري يا اِمرَأَ القَيسِ فَاِنزُلِ

فَقُلتُ لَها سيري وَأَرخي زِمامَهُ

:::وَلا تُبعِديني مِن جناك المعلل

فَمِثلُكِ حُبلى قَدْ طَرَقتُ وَمُرضِعٍ

:::فَأَلهَيتُها عَن ذي تَمائِمَ مُحوِلِ

إِذا ما بَكى مِن خَلفِها اِنصَرَفَتْ لَهُ

:::بِشِقٍّ وَتَحتي شِقُّها لَم يُحَوَّلِ

وَيَوماً عَلى ظَهرِ الكَثيبِ تَعَذَّرَت

:::عَلَيَّ وَآلَت حَلفَةً لَم تُخَلَّلِ

أَفاطِمَ مَهْلاً بَعضَ هَذا التَدَلُّلِ

:::وَإِن كُنتِ قَد أَزمَعتِ صَرْمي فَأَجْمِلي

وَإِن تَكُ قَد ساءَتكِ مِنّي خِلقَةٌ

:::فَسُلّي ثِيابي مِن ثِيابِكِ تَنسُلِ

أَغَرَّكِ مِنّي أَنَّ حُبَّكِ قاتِلي

:::وَأَنَّكِ مَهما تَأمُري القَلبَ يَفعَلِ

وَما ذَرَفَت عَيناكِ إِلّا لِتَضرِبي

:::بِسَهمَيكِ في أَعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ

وَبَيضَةِ خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُها

:::تَمَتَّعتُ مِن لَهْوٍ بِها غير معجل

تَجاوَزتُ أَحراساً إِلَيها وَمَعشَراً

:::عَلَيَّ حِراساً لَو يُسِرّونَ مَقتَلي

إِذا ما الثُرَيّا في السَماءِ تَعَرَّضَتْ

:::تَعَرُّضَ أَثناءِ الوِشاحِ المُفَصَّلِ

فَجِئتُ وَقَد نَضَّت لِنَومٍ ثِيابَها

:::لَدى السِترِ إِلّا لِبسَةَ المُتَفَضِّلِ

فَقالَتْ يَمينَ اللَهِ ما لَكَ حيلَةٌ

:::وَما إِن أَرى عَنكَ الغِوايَةَ تَنجَلي[٢]


في هذا المقطع نجد أنّ امرأ القيس يستحضر ذكرياته مع النساء، فقد كانت ذكريات فرحة ويتمنى أن تعود تلك الأيام، فقد استذكر قصته عند مروره بدير للراهبات، فقام من باب نخوته وذبح ناقته لهنَ، فيصف لنا صورة العذارى وهن مقبلات على الطعام، لكنه بعد أن ذبح ناقته صار مذهولاً لأحمال ناقته، فلم يعد لديه ركوبةٌ تحمله وتحمل متاعه.[٦]


ومن ثمّ يستذكر أيام لهوه مع النساء، فيذكر ذلك اليوم الذي دخل فيه على خدر عُنيزة، التي أحبته بدورها والتهت عن ولدها ورضيعها وهو يبكي، وانصرفت إلى لهوها مع الشاعر، ومن ثم يستذكر علاقةً أخرى غير عُنيزة وهي علاقته مع فاطمة، التي كان يحبها ويطلب وصالها، فكانت تتمنع عن تدللاً، فذكر أنّه كان يحبها لدرجة أنّ حبها كان سيقتله.[٧]


فكان لا يبكي إلا من نظرات عينيها، وكان يبذل جهده في الوصول إليه، إذ كان يتسلل من بين الحراس، ويصل إليها في وقت النوم، فقد كان الشاعر ماجنًا في حياته الأولى، لكن هذه الحياة انقضت، وفقد ملكه، وخسر والده، وصار هائمًا في البراري.[٨]


لوحة الليل

ولَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ

:::عَلَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ لِيَبتَلي

فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَمَطّى بِصُلبِهِ

:::وَأَردَفَ أَعجازاً وَناءَ بِكَلكَلِ

أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا انْجَلي

:::بِصُبْحٍ وَما الإِصباحُ مِنكَ بِأَمثَلِ

فَيا لَكَ مِن لَيلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ

:::بِكُلِّ مُغارِ الفَتلِ شُدَّت بِيَذبُلِ

كَأَنَّ الثُرَيّا عُلِّقَت في مَصامِها

:::بِأَمراسِ كِتّانٍ إِلى صُمِّ جَندَلِ[٢]


في هذه اللوحة يصف الشاعر الليل ومعاناته فيه، فهو ليل أسود قاتم، لا يحمل إلا الهموم على قلب الشاعر، فيصفه الشاعر بأنه مثل الموج، فهو يقبض صدره كحال الموج عندما يُغرق شخصًا، ويطلب الشاعر من هذا الليل في سياق التمني، أن يسرع في الرحيل، وينجلي بسرعة ليأتي الصباح، لكن الشاعر يستدرك، ويقول أنه حتى الصباح ليس بأقل مرارة عن الليل فهمومه ملازمة له في كل الأوقات.[٩]


ويصف الشاعر هذا الليل بأنّه ليل طويل، فيشب نجومه بفتيل السراج الطويل المربوط بصخر من أسفله، فهذه النجوم ستبقى منيرةً لفترةٍ طويلة، وذلك كناية عن طول الليل، فالشاعر يشعر بأنّ الليل زمن معادٍ له، فهو لا يستطيع النوم، من كثرة الهموم التي تتوارد على رأسه.[١٠]


لوحة الانتقام

وَقَد أَغتَدي وَالطَيرُ في وُكُناتِها

:::بِمُنجَرِدٍ قَيدِ الأَوابِدِ هَيكَلِ

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍٍ مُدبِرٍ مَعاً

:::كَجُلمودِ صَخرٍٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ

كُمَيتٍ يَزِلُّ اللِبدُ عَن حالِ مَتنِهِ

:::كَما زَلَّتِ الصَفواءُ بِالمُتَنَزَّلِ

مِسَحٍّ إِذا ما السابِحاتُ عَلى الوَنى

:::أَثَرنَ الغُبارَ بِالكَديدِ المُرَكَّلِ

عَلى العَقبِ جَيّاشٍ كَأَنَّ اِهتِزامَهُ

:::إِذا جاشَ فيهِ حَميُهُ غَليُ مِرجَلِ

يَطيرُ الغُلامُ الخفُّ عَلى صَهَواتِهِ

:::وَيَلوي بِأَثوابِ العَنيفِ المُثَقَّلِ

دَريرٍ كَخُذروفِ الوَليدِ أَمَرَّهُ

:::تَقَلُّبُ كَفَّيهِ بِخَيطٍ مُوَصَّلِ[٢]


في هذه الأبيات نجد أنّ الشاعر يتخيل نفسه وهو يمارس انتقامه على قتلة والده، فيقول إنه سيسعى إلى هذا الانتقام مبكرًا حتّى أنّ الطيور تكون نائمةً في أعشاشها، ومن ثمّ يصف لنا حركته وهو على خيله، فيذكر كيف يكر على الأعداء ويفر عنهم، ويصف سرعته في الكر والفر، بسرعة صخرةٍ كبيرة سقطت من مكانٍ عالٍ.[١١]


ويصف لنا غبار المعركة، وحركة فرسه وهي تُقبل على الأعادي، فهذا الفرس وُصِف لنا بوصف أسطوري، فهو حصان عظيم السرعة، وله قدرات خارقة في الكر والفر، وتشتيت الأعداء، فهو يليق بشاعر وفارس مثل شاعرنا.[١٢]





المراجع

  1. الحسين بن أحمد الزوزني، شرح المعلقات، صفحة 15. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/1/2022.
  3. الحسين بن أحمد الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 17-19. بتصرّف.
  4. الحسين بن أحمد الزوزني، شرح المعلقات، صفحة 19-20. بتصرّف.
  5. الحسين بن أحمد الزوزني، شرح المعلقات، صفحة 20-22. بتصرّف.
  6. يحيى التبريزي، شرح المعلقات العشر، صفحة 30-32. بتصرّف.
  7. يحيى التبريزي، شرح المعلقات العشر، صفحة 36-37. بتصرّف.
  8. يحيى التبريزي، شرح المعلقات العشر، صفحة 37-40. بتصرّف.
  9. الحسين بن أحمد الزوزني، شرح المعلقات، صفحة 44-46. بتصرّف.
  10. الحسين بن أحمد الزوزني، شرح المعلقات، صفحة 46-47. بتصرّف.
  11. الحسين بن أحمد الزوزني، شرح المعلقات، صفحة 49-50. بتصرّف.
  12. الحسين بن أحمد الزوزني، شرح المعلقات، صفحة 51-53. بتصرّف.
2941 مشاهدة
للأعلى للسفل
×