شرح معلقة عبيد بن الأبرص

كتابة:
شرح معلقة عبيد بن الأبرص


شرح معلقة عبيد بن الأبرص

يقول الشاعر الجاهلي عبيد بن الأبرص في معلقته:


الوقوف على الأطلال

أَقفَرَ مِن أَهلِهِ مَلحوبُ

فَالقُطَبِيّاتُ فَالذَنوبُ

فَراكِسٌ فَثُعَيلِباتٌ

فَذاتُ فِرقَينِ فَالقَليبُ

فَعَردَةٌ فَقَفا حِبِرٍّ

لَيسَ بِها مِنهُمُ عَريبُ

إِن بُدِّلَت أَهلُها وُحوشًا

وَغَيَّرَت حالَها الخُطوبُ

أَرضٌ تَوارَثُها شُعوبُ

وَكُلُّ مَن حَلَّها مَحروبُ[١]


يقول الشاعر إنّ البلاد تغيرت ورحل أكثر السكان من المناطق التي كنا نراهم فيها، فقد صارت دار ملحوب والقطبيات والذنوب وغيرها من المناطق الأخرى خاليةً من أهلها الذين كانوا يملؤونها حياةً ونشاطًا.


تبدّل سكان هذه المناطق الأصليون، وأصبحت تقطنها الوحوش والحيوانات، فقد قلبت طبيعتها المصائب التي توالت عليها، تلك الأراضي قد انتقلت خلالها شعوبٍ مختلفة، وقد كان كلّ من استوطن بها كأنّه مُحارب دائمًا.


وصف الحزن والكمد

إِمّا قَتيلاً وَإِمّا هالِكاً

وَالشَيبُ شَينٌ لِمَن يَشيبُ

عَيناكَ دَمعُهُما سَروبُ

كَأَنَّ شَأنَيهِما شَعيبُ

أَو فَلَجٌ ما بِبَطنِ وادٍ

لِلماءِ مِن بَينِهِ سُكوبُ

أَو جَدوَلٌ في ظِلالِ نَخلٍ

لِلماءِ مِن تَحتِهِ قَسيبُ

تَصبو فَأَنّى لَكَ التَصابي

أَنّى وَقَد راعَكَ المَشيبُ[١]


فإنّك في هذه الأرض إمّا أن تقتل، وإمّا أن يتقدّم بك العمر فتموت، وما الشيب إلّا عيب لحامله، وها هي عيناك تسيل دموعهما باستمرار، وكأنهما قربة منشقة يسيل منها ماء، أو أنّها شقّ قد أصاب قلب الوادي، فأصبح الماء ينهمر منه بغزارة، أو ربّما كأنها كمثل نهر ماء يجري تحت أشجار النخيل وصوت الماء ينهمر منه، تُحاول أن تعود إلى الشّباب ولكن كيف لك ذلك وأنت قد بلغت الشيخوخة والكبر.


تصوير حال الدّيار

إِن تَكُ حالَت وَحُوِّلَ أَهلُها

فَلا بَديءٌ وَلا عَجيبُ

أَو يَكُ أَقفَرَ مِنها جَوُّها

وَعادَها المَحلُ وَالجُدوبُ

فَكُلُّ ذي نِعمَةٍ مَخلوسٌ

وَكُلُّ ذي أَمَلٍ مَكذوبُ

وَكُلُّ ذي إِبِلٍ مَوروثٌ

وَكُلُّ ذي سَلَبٍ مَسلوبُ

وَكُلُّ ذي غَيبَةٍ يَؤوبُ

وَغائِبُ المَوتِ لا يَؤوبُ

أَعاقِرٌ مِثلُ ذاتِ رِحمٍ

أَم غَنِمٌ مِثلُ مَن يَخيبُ[١]


إن تكن هذه البلاد قد تغيّرت أحوالها وغيّرت أحوال أهلها معها، فإنّ ذلك ليس بأمر غريب، أو تكن قد أصابها الفقر والحاجة وانتهى بها الزمان إلى القحط والجفاف، فإنّ كلّ صاحب مالٍ أو متاع أو أنعام سيسلب منه ماله بالخداع والحيلة.


كذلك فكلّ مالكٍ لشيء من المال والنعمة سيرثه الذين يأتون من بعده، وكلّ من يختلس من غيره سيأتي يوم ويختلسه الناس، وكلّ إنسان غائب مصيره العودة، أمّا الذي غاب بسبب الموت فإنّه لن يعود، فليست من لا تنجب الأولاد في هذه الدنيا كالمرأة الولود، وليس الذي يستطيع الكسب والتّحصيل في هذه الحياة كمن يخفق في ذلك.


النصح والموعظة

أَفلِح بِما شِئتَ فَقَد يُبلَغُ بِال

ضَعفِ وَقَد يُخدَعُ الأَريبُ

لا يَعِظُ الناسُ مَن لَم يَعِظِ ال

دَهرُ وَلا يَنفَعُ التَلبيبُ

إِلّا سَجِيّاتِ ما القُلوبِ

وَكَم يَصيرَنَّ شانِئًا حَبيبُ

ساعِد بِأَرضٍ إِذا كُنتَ بِها

وَلا تَقُل إِنَّني غَريبُ

مَن يَسَلِ الناسَ يَحرِموهُ

وَسائِلُ اللَهِ لا يَخيبُ[١]


اجتهد فيما تُريد أن تُحقّقه، فقد يتحقّق لك بالرغم من الضّعف، وقد يخفق بالرغم من الذكاء والفطنة، فلا ينصح الناس من لم يعتبر من دروس الدّهر ولا يُفيده التّهديد، إلّا الطبيعة والفطرة التي فطرت عليها القلوب والتي قد تجعل من العدوّ حبيبًا.


فأينما كنتَ قدّم المساعدة للآخرين، ولا تقل إنّك غريبٌ عنها، ويختم قوله هُنا بأنّ من يطلب المساعدة من الناس يمنعونه منها، أما من يطلبها من ربّ الناس، فإنّه لن يرجع خائبًا.


الأفكار الرئيسة في معلقة عبيد بن الأبرص

من أبرز الأفكار في معلقة عبيد بن الأبرص ما يأتي:

  • الوقوف على الأطلال وتصوير حالها.
  • وصف الحزن والكمد وسيل الدّموع على حال أهله وأحبابه بعد الهجرة.
  • تصوير حال الدّيار وما آلت إليه.
  • ذكر مجموعة من العبر والمواعظ والنصائح.


الصور الفنية في معلقة عبيد بن الأبرص

من الصور الفنية في المعلقة السابقة ما يأتي:

  • الشّيب شين

شبه الشيب بالقبح، فذكر المشبه والمشبه به، وحذف وجه الشبه وأداة التشبيه، وهنا تشبيه بليغ.

  • أقفر جوها

شبّه الشاعر الأرض بالإنسان الذي يقفر، فحذف المشبّه به الإنسان، وأبقى على شيء من لوازمه وهو القفر على سبيل الاستعارة المكنية.

  • كأن حاركها كثيب

شبه حراك ريش الحمام أيّ منسجها بالكثيب أيّ الرمل، وحذف وجه الشبه، وهنا تشبيه مجمل.



معاني المفردات في معلقة عبيد بن الأبرص

توضيح لأبرز معاني المفردات في معلقة عبيد بن الأبرص فيما يأتي:
المفردة
معنى المفردة
أقفر
أقفر البلد إذا خلا من الناس والماء والعشب.[٢]
الخطوب
جمع خطب، وهو الحال والشّأن، وألمّ به خطب أيّ مكروه.[٣]
شين
مصدر شان، وهو القبح والعيب.[٤]
قسيب
هو صوت الماء الجاري الحامل للورق.[٥]
سجيات
هي الطبيعة والخلق.[٦]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث "أقفر من أهله ملحوب"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 16/2/2022.
  2. "تعريف و معنى أقفر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 15/5/2022. بتصرّف.
  3. "تعريف و معنى الخطوب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 15/5/2022. بتصرّف.
  4. "تعريف و معنى شين في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 15/5/2022. بتصرّف.
  5. "تعريف و معنى قسيب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 15/5/2022. بتصرّف.
  6. "تعريف و معنى سجيات في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 15/5/2022. بتصرّف.
5987 مشاهدة
للأعلى للسفل
×