محتويات
شرح المقامة الدينارية
المقامة الديناريّة هي المقامة الثالثة في كتاب مقامات الحريري، وسبب تسميتها بهذا الاسم؛ لأنّ محورها يدور حول الدينار، فتارة يبان فضله وأخرى يُذَم في سبيل الحصول عليها، وشخصيات هذه المقامة هي: أبو زيد السروجي الذي صنعته الكدية، والحارث بن همام الراوي الخيالي المفوّه.[١]
في هذه المقامة، يلتقي الحارث بن همام برجل أعرج يتسوّل يمرّ به هو وأصحابه وهم بالسوق، فيبدأ الأعرج بكيل المديح للحارث بن همام وأصحابه، فمما قاله: "يا أخاير الذخائر، وبشائر العشائر، عموا صباحًا، وأنعموا اصطباحًا"، فهو يمدحهم بأنّهم أفضل رجال زمانهم وأنفسهم، وأنّهم من يُستبشر بهم في أهلهم وعشيرتهم.[٢]
ثمّ يحيّيهم بتحية الصباح ما يدلّ على توقيت الحوار،[٢] ويمضي هذا الشيخ الأعرج المتسوّل في ذكر أوصاف الرجال ويحثّهم على العطف عليه ويكون بين كلامه ما يدلّ على أنّه حسود لا يحب رؤية مظاهر النعمة على الآخرين، فمما قاله للحارث: "ما زال به قطوب الخطوب وحروب الكروب وشرر شر الحسود وانتياب النوب السود حتى صفرت الراحة وقرعت الساحة".[٢]
هنا يصوّر المتسوّل كيف صارت الحال بعد أن تقلّب بهم الدهر، فيُظهر له الحارث دينارًا ويطلب إليه أن يمدحه -أي الدينار- ليأخذه، فيمدحه، ثمّ يعطيه آخر ويطلب منه أن يهجوه، فيهجو الدينار ويأخذه، وأخيرًا يظهر للحارث أنّه أبو زيد فيكشفه.[٢]
من الصور الفنية في المقامة:[٢]
- شرر شر الحسود
شبه شرّ الحسود بالنار التي يتطاير منها الشرر، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
- صفرت الراحة
كناية عن الإفلاس من المال.
شرح المقامة الإسكندرية
المقامة الإسكندريّة أو الإسكندرانيّة، وهي المقامة التاسعة من مقامات الحريري، وأبطالها الحارث بن همام وأبو زيد السروجي إضافة لحاكم الإسكندريّة وزوجة أبي زيد، وفي هذه المقامة يتوجه الحارث بن همام إلى الإسكندريّة لبعض شأنه، وكانت عادته أن يتقرّب من الحكّام في كلّ مدينة يذهب إليها، فيذهب إلى حاكم الإسكندريّة ويدخل إليه ويجلس عنده.[٣]
بينما هو بمجلس الحاكم إذ دخلت امرأة تجذب زوجها من ثيابه وتدفعه أمام مجلس الحاكم، فتشكو للحاكم كيف فعل بها وتزوّجها بعد أن كذب على والدها وادعى أنّه صاحب حرفة يكسب من ورائها أموالًا كثيرة، فتحتكم إلى الحاكم كي ينصفها من زوجها، فيبدأ زوجها الدفاع عن نفسه وينشد الحضور شعرًا قد نظمه في الدفاع عن نفسه.[٣]
يُعجب كلامه الحاكم والحضور في مجلسه عدا الحارث الذي يدرك أنّه أبو زيد السروجي المكدي المحتال صاحب المقامات، فيصفح الحاكم عنه ويُرضي زوجته ويقسم لهما من الصدقات ويحضّهما على احتمال الأيّام وهما معًا.[٣]
يتركهما وشأنهما ويرسل في أثرهما بعض أعوانه ليقف على صدق مقالة الزوج، فيتبعه فيراه فرحًا بما حدث وأنّ الحاكم قد عفا عنه، فيرسل الحاكم من يستدعيه ليعطيه وظيفة ولكنّ أبا زيد لا يأتي كونه قد ابتعد ولم يدركه المعاون، وهكذا تنتهي المقامة.[٣]
من الصور الفنية في المقامة:[٣]
- طعم الراحة
استعارة مكنيّة، شبّه الراحة -وهي الاستراحة- بشيء يؤكل وله طعم، فحذف المشبّه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- رُميَت بالكساد
استعارة مكنيّة، شبّه الكساد بشيء يُرمى به، فحذف المشبّه به وأبقى على شيء من لوازمه.
شرح المقامة البغدادية
المقامة البغداديّة هي المقامة الثالثة عشرة من مقامات أبي محمّد الحريري،[٤] وكثيرًا ما يُخلَط بينها وبين المقامة البغداديّة للبديع الهمذاني لتشابه الاسمين،[٥] وسبب تسميتها بهذا الاسم هو أنّ أحداثها تدور في مدينة بغداد، أبطال هذه المقامة هما أبو زيد السروجي والحارث بن همام على عادة الحريري في مقاماته.[٦]
في هذه المقامة يكون الحارث بن همام يتجوّل في الزوراء مع مجموعة من الشعراء فيلتقون بامرأة عجوز تجرّ وراءها صِبيَة قادمة من بعيد فما إن تراهم حتى تحييهم وتقول: "حيّا اللهُ المَعارِفَ وإنْ لم يكُنّ معارِفَ، اعلَموا يا مآلَ الآمِلِ، وثِمالَ الأرامِل، أنّي منْ سرَواتِ القَبائِلِ وسَريّاتِ العقائِلِ"، ثمّ تصف لهم حالها وكيف قد أزرى بها الدهر، ثمّ تنشدهم شعرًا تنفطر له القلوب.[٦]
يعطونها أموالهم ثمّ تقفل ولسانها رطبٌ بشكرهم وتعظيم قدرهم، ولكنّ الحارث بن همام يتبعها لأمر قد شكّ به، فعندما تصل إلى بيتها تخلع عنها لباس التنكّر فتظهر حقيقتها وإذا بها أبو زيد السروجي المكدي، فيستلقي على سريره وينشد أبياتًا يفتخر بها بنفسه، فيعود الحارث بن همام إلى أصحابه فيروي لهم ما رأى فيقسمون ألّن تخدعهم عجوز بعد اليوم.[٦]
من الصور الفنية في المقامة:[٦]
- لا يعلق لهم مُبارٍ بغبار
كناية عن علو الكعب والرتبة في قول الشعر.
- أردى الدهر
استعارة مكنية، شبّهت الدهر بالإنسان الذي يُردي القتلى، فحذفت المشبّه به وأبقت على شيء من لوازمه.
شرح المقامة الكوفية
المقامة الكوفيّة هي المقامة الخامسة في ترتيب مقامات الحريري، سمّاها بهذا الاسم لأنّ أحداثها تدور في الكوفة، أبطال هذه المقامة هما الحارث بن همام وأبو زيد السروجي، ويشير بعض الباحثين إلى أنّ الحريري قد استمدّ شخصيّة الراوي الحارث بن همام من حديث نبوي، وقد جعل الحارث بن همام هو نفسه الحريري في أخلاقه وتعليمه للناس.[٧]
أمّا أبو زيد السروجي فقد استوحاه الحريري من شخصية متسوّل رآه في بعض المساجد،[٧] تدور أحداث هذه المقامة حول رجل عجوز يقرع باب جماعة في الكوفة فينشدهم شعرًا ليفتحوا له الباب، وما إن يدخل حتى يبدأ بالتسوّل، فيعرفه الحارث بن همام الذي كان في المجلس بمجرّد جلوسه، فيحاوره ويسأله أن يروي له من عجائب ما شاهده.[٨]
يبدأ أبو زيد بالحديث من خياله عن أمور قد جرت معه يريد من ورائها استعطاف الحضور، فيحكي لهم عن ابنه وكيف تعرّف إليه بعد زمن، وهي حكاية تخلع القلوب لحزنها، فيشفق عليه الحضور ويعطونه أموالهم، كي يعيد ابنه ويربيه كون ما منعه عنه هو ضيق الحال وذات اليد، فيأخذها ويمضي إلى شأنه، فيتبعه الحارث بن همام ليرى صدقه، فيكشف له أبو زيد عن مكره وخداعه، فيعود الحارث صفر اليدين وقد غلبه أبو زيد المحتال.[٨]
من الصور الفنية في هذه المقامة:[٨]
- قمرها كتعويذ من لجين
تشبيه مُرسل، ذُكر في هذا التشبيه المشبّه والمشبّه به وأداة التشبيه وحُذف منه وجه الشبه.
- روّق الليل البهيم
استعارة مكنيّة، شبّه الليل بالإنسان الذي يضرِبُ الرواق، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
شرح المقامة الحلبية
المقامة الحلبية هي المقامة السادسة والأربعون من مقامات الحريري، وسمّيت بهذا الاسم لأنّ الحارث بن همام يكون عائدًا من مدينة حلب السوريّة حين تقع أحداث هذه المقامة، والأبطال هما كالعادة الحارث بن همام وأبو زيد السروجي، وأحداث هذه المقامة تدور في حمص بعد عودة الحارث بن همام من حلب.[٩]
يجد الحارث مسجدًا فيه معلّم يدرّس بعض الصِّبية، فما إن يراه هذا المعلّم حتى يبدأ بعرض مواهب تلاميذه أمام الحارث ويستعرض قوة تدريسه ومدى تمكّن تلاميذه من العلوم المختلفة، فينشد كلّ واحد من التلاميذ أبياتًا من الشعر في موضوع معيّن من أحد العلوم يعيّنه له أستاذه.[٩]
وهكذا يقوم التلاميذ واحدًا تلو الآخر ينشدون الشعر في العلوم المختلفة ما يثير الدهشة ويجعل أمارات الاستغراب على وجه الحارث من شدة حفظهم وفهمهم، فيتوسّم الحارث وجهَ الأستاذ فإذا به أبو زيد السروجي، فيسأله عن سبب تنكّره في زي المعلّم فيقول:[٩]
تخيّرْتُ حِمْصَ وهَذي الصّناعهْ
:::لأُرزَقَ حُظوَةَ أهلِ الرَّقاعَهْ
فما يَصطَفي الدّهرُ غيرَ الرّقيعِ
:::ولا يوطِنُ المالَ إلا بِقـاعَهْ
ولا لأخي اللُّبّ منْ دهْـرِهِ
:::سوى ما لعَيْرٍ رَبيطٍ بِقـاعَهْ
من الصور الفنية في المقامة السابقة:[٩]
- خفَفْتُ نحوَها خُفوفَ الطّيرِ
تشبيه بليغ، حذف منه وجه الشبه وأداة التشبيه.
- أُفاني الأيّامَ
استعارة مكنية، شبه الأيام بشيء يُفانى، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
شرح المقامة السنجارية
المقامة السنجارية هي المقامة الثامنة عشرة من مقامات أبي محمد الحريري، وسمّيت بهذا الاسم نسبة لمنطقة سنجار الواقعة بين الشام والعراق، وأبطالها هما الحارث بن همام وأبو زيد السروجي إضافة لجار أبي زيد النمّام وأمير البلاد.[١٠]
تدور أحداث هذه المقامة في طريق سفر يكون الحارث بن همام فيها في قافلة ذاهبة من الشام إلى بغداد، ويكون في القافلة أبو زيد السروجي المكدي المفوّه الفطن، وفي هذه المقامة يُدعى أهل القافلة إلى وليمة في بيت أحد رجال بلاد سنجار، فيوضع أمام أبي زيد إناء زجاجي، فيطلب إليهم رفعه لأنّ الزجاج موصوف بالنميمة.[١٠]
هنا يحكي لهم أبو زيد سرّ عداوته للنميمة والنمّامين، وفيها يكون عند أبي زيد جارية فائقة الجمال تتقن كلّ ضروب الإغراء من غناء ورقص ونحوه وتمتلك مواصفات الجمال التي يطمع بها أيّ رجل،[١٠] فيحدّث جاره عنها فيشي به جاره عند أمير البلاد الذي يسعى في طلبها ويراود أبا زيد عنها ويحاول إغراءه بالمال الوفير.[١١]
لمّا يجد التمنّع من أبي زيد يسعى لتخويفه وتهديده، ولكنّ أبا زيد يثبت حتى النهاية فيعود الأمير أدراجه ويصبح جاره النمّام محطّ ازدراء ونقص من أبي زيد، ثمّ أنشد أبو زيد أبياتًا قالها لجاره عند انقضاء المشكلة، فسمعها رب البيت الذي يجلسون فيه وإكرامًا لأبي زيد فقد رفع مكانته بين الضيوف وأمر له بأصناف من الحلوى الفاخرة.[١١]
من الصور الفنية في المقامة السنجارية:[١١]
- قلبه عقرب
تشبيه بليغ، حذف من التشبيه وجه الشبه وأداة التشبيه.
- أتى الوالي ناشرًا أذنيه
كناية عن الطمع.
شرح المقامة السمرقندية
المقامة السمرقنديّة هي المقامة الثامنة والعشرون من مقامات الحريري، وسمّيت بهذا الاسم لأنّ الحارث بن همام يذهب بتجارة إلى سمرقند كي يبيع القند، وهو نوع من أنواع العسل، وأبطال هذه المقامة هما الحارث بن همام وأبو زيد السروجي.[١٢]
تدور أحداثها حول الحارث بن همام الذي يصل إلى سمرقند في تجارة ذهب بها إلى هناك، فيصادف وصوله إلى البلاد يوم الجمعة، فيغتسل في حمّاماتها ويتوجه إلى أحد المساجد لأداء فرض يوم الجمعة، وهناك يصعد خطيب مفوّه متمكّن من اللغة وأسلوب الخطابة فيستمع الحارث إلى الخطبة بشيء من المتعة والإعجاب بذلك الخطيب الذي لم يسقط طيلة خطبته.[١٢]
من شدّة إعجاب الحارث بالخطيب فإنّه يتوسّمه ليرى شخصيّته فإذا به أبو زيد السروجي صاحب المقامات، فيتوجّه إليه ليشكره ويتبيّن منه كيفية نظمه لهذه الخطبة الرائعة، فيصحبه أبو زيد إلى منزله ليكرمه ويقوم بواجب ضيافته، فإذا بالشيخ بعد الطعام تناول الخمر وصبّ لنفسه وأعطى الحارث كأسًا منها ليشرب.[١٢]
امتنع الحارث وعاتب الشيخ بأنّه شيخ ولا يجدر به شرب الخمر، ولكن يأبى السروجيّ ذلك ويبقى على ما كان عليه، ويبقى الحارث في ضيافته حتى يغادر سمرقند، ويخفي عن الناس حقيقة الشيخ السروجي حتى لا يفضحه.[١٢]
من الصور الفنية في المقامة:[١٢]
- أقلّب الطّرف
استعارة مكنيّة، شبّه الطرف بشيء يُقلّب، فحذف المشبّه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- جرّعني اليمين
استعارة مكنيّة، شبّه اليمين بشيء يُشرب ويجرع، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
شرح المقامة الصورية
المقامة الصورية هي المقامة الثلاثون من مقامات الحريري، سمّيت بالمقامة الصوريّة لأنّ الحارث بن همام يكون متوجّهًا من بغداد إلى مدينة صور في الشام على الساحل، ومن هناك يتوجّه إلى مصر حيث تدور أحداث المقامة، وأمّا أبطال المقامة فهما كالعادة الحارث بن همام وأبو زيد السروجي.[١٣]
ينطلق الحارث بن همام مع جماعة من الشباب والرجال في مصر إلى مكان معيّن في مصر، ويبدو أنّهم شباب قد انطلقوا إلى مكان ستجري فيه مراسم نِكاح، فما هو إلّا قليلًا من الوقت قد مرّ حتى جاء الشيخ الجليل، وجلس بمكان يرونه فيه ويشرف فيه على الجميع، فابتدأ بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله، ثمّ الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.[١٣]
ثمّ خطب بالناس مبيّنًا منافع النكاح،[١٣] وبعد أن أنهى الشيخ خطبته ونزل عن مكان جلوسه حان وقت الولائم والطعام، وهنا يحاول الحارث بن همام الانسلال من بين الجموع ليهرب من مكان الولائم، فيناديه الشيخ ويمنعه من الهروب، فيشكّ به الحارث بن همام ويسأله عن أصله وفصله ومسقط رأسه.[١٣]
يجيبه الشيخ بشعر فيه رموز لا يفهمها سوى الحارث بن همام، فعندها يعلم هويّة الشيخ ويعرف أنّه أبو زيد السروجي صاحب المقامات المشهور، فيجالسه ويأكل معه ويقيم عنده في مصر حتى يحين موعد مغادرته، وبذلك تنتهي أحداث المقامة.[١٣]
من الصور الفنية في المقامة:[١٣]
- هجَمَ طرفه
استعارة مكنيّة، شبّه الطّرْف بشيء يهجم، فحذف المشبّه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- الهرم قد أوثقه بقيد
استعارة مكنيّة، شبّه الهرَم بإنسان يُقيّد، فحذف المشبّه به وأبقى على شيء من لوازمه.
شرح المقامة الساسانية
المقامة الساسانيّة، هي المقامة التاسعة والأربعون من مقامات الحريري، وهي بذلك تكون المقامة ما قبل الأخيرة، وقد سمّيت بالساسانيّة لأنّ موضوعها يدور حول الكدية التي كان شيخها فيما مضى رجل يقال له ساسان، وأبطال هذه المقامة هما أبو زيد السروجي بطل المقامات المكدي الشهير المحتال، وابنه البكر الذي قد أجلسه ليعلّمه فنون الكدية والتسول.[١٤]
يخبر أبو زيد ابنه البكر أنّ عليه أن يعلّمه فنون الكدية والتسول بعد أن قارب على آخر العمر، فيخبر ابنه أنّ عليه أن يعلّمه ذلك السر الذي قد عاش منه طوال حياته وهو التسوّل والاحتيال، فيخبر ابنه فنون القول والاحتيال ويعلمه أنّه قد جرّب أنواع المهن المختلفة والتجارات الكثيرة ولكنّه لم يجد أنّها ذات بال ولا تكفي الأسرة ولا تقيتهم.[١٤]
وحده التسوّل الذي يكفي ولا يحتاج إلى رأس مال ولكن يحتاج إلى فطنة وفراسة وعلوم العرب التي برعوا فيها في معرفة الرجال وتفرّس معالمهم لمعرفة حالهم وسبر أغوارهم، وبعد أن ينتهي أبو زيد من وصيّته يشكره ابنه أن علّمه ذلك العلم العظيم، وصار المتسوّلون يأخذون هذه الوصيّة ويتلقّفونها جيلًا عن جيل.[١٤]
من الصور الفنيّة في هذه المقامة:[١٤]
- اشحذ بصيرتك
استعارة مكنيّة، شبّه البصيرة بسلاح يُشحذ، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- من صدق توسمه طال تبسّمه
كناية عن الفوز بعد التفكّر والتمحيص.
شرح المقامة البصرية
المقامة البصريّة، هي المقامة الخمسون والأخيرة من مقامات أبي محمد الحريري، سمّيت بهذا الاسم لأنّ أحداثها تدور في البصرة، وأبطالها: هما الحارث بن همام، وأبو زيد السروجي، وفي هذه المقامة يشعر الحارث بضيق في صدره، فيقصد مجالس الذّكر في مسجد البصرة الجامع.[١٥]
هناك يرى شيخًا عجوزًا يجمع حوله الشباب والرجال والشيوخ، بحدّثهم ويخطب فيهم، فلمّا رآه الحارث علم هويّته، فإذا أبو زيد قد أعلن توبته عن الكدية وصار يرجو الناس أن يدعوا له ليستجيب الله -تعالى- توبته ويقبلها، فيدع الكدية والاحتيال على الناس، ويلزم المسجد ويلبس الصوف ويصبح إمامًا في أحد المساجد.[١٥]
فيصبح الناس يتبرّكون بالسروجي، ويصبح الشيخ ذو الكرامات التي لا تُعد، ويعلن للناس طريقه القديمة، ويحذّرهم من الانجرار وراء هذه المفاسد التي تضيّع الإنسان، ويحدّثهم عن حاله اليوم بعد التوبة بعد أن ترك النهج الذي كان يسير عليه.[١٥]
هنا يقف هو والحارث ساعة من الزمان يتحدّثان، وبعد هذا الحديث ينصرف الحارث ويترك أبو زيد بعد أن انصلحت أحواله، وهذه إشارة من الحريري إلى ضرورة ترك الشرور والمفاسد، والتزام طريق الهداية والصواب والرشاد.[١٥]
من الصور الفنية في المقامة:[١٥]
- جناحَي الدنيا
استعارة مكنيّة، شبّه الدنيا بطائر له جناح، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- أودعني القلق
استعارة مكنيّة، شبّه القلق بشيء يُودع، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
المراجع
- ↑ أبو محمد الحريري، مقامات الحريري، صفحة 28. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج أحمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشي، شرح مقامات الحريري، صفحة 131. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج أحمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشي، شرح مقامات الحريري، صفحة 333 - 373. بتصرّف.
- ↑ أبو محمد الحريري، مقامات الحريري، صفحة 105. بتصرّف.
- ↑ أحمد مقبل محمد المنصوري، المقامة البغدادية لبديع الزمان الهمذاني 398هـ، مقاربة قرائية من منظور ثقافي، صفحة 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث أحمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشي، شرح مقامات الحريري، صفحة 106 - 130. بتصرّف.
- ^ أ ب هدى دقيش، فن المقامات: بين الهمذاني والحريري دراسة فنية موازنة، صفحة 32 - 35. بتصرّف.
- ^ أ ب ت أحمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشي، شرح مقامات الحريري، صفحة 189 - 223. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث أحمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشي، شرح مقامات الحريري، صفحة 203 - 257. بتصرّف.
- ^ أ ب ت خليفة بن حارب بن سعيد اليعقوبي، صورةُ المُجتمعِ العباسِي مِن خلالِ مقَاماتِ الحَرِيرِي، صفحة 102. بتصرّف.
- ^ أ ب ت احمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشي، شرح مقامات الحريري، صفحة 264 - 352. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج أحمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشي، شرح مقامات الحريري، صفحة 330 - 368. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح أحمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشي، شرح مقامات الحريري، صفحة 412 - 450. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث أحمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشي، شرح مقامات الحريري، صفحة 322 - 342. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج أحمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشي، شرح مقامات الحريري، صفحة 343 - 382. بتصرّف.