محتويات
التغيرات الكونية يوم القيامة
تذْكر لنا سورة الانشقاق بعض التغيرات الكونية التي تحدث في يوم القيامة، نذكر منها:[١]
- انشقاق السماء، وذلك في قول الله -تعالى-: (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ* وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ)،[٢] وفيها معان:[٣]
- أنَّ السماء تنشق بالغمام؛ من قول الله -تعالى-: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا؛[٤] أي تأذن السماء؛ أي تسمع وتُطيع أمر ربِّها، وتنشق السماء، فيخرج منها الغمام، لينزل الملائكة من السماء.[٥]
- أنَّها تنشق من هول يوم القيامة، من قول الله -تعالى-: (وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ).[٦]
- أنَّها تصبح مبسوطة مُمهَّدة، لا اعوجاج فيها، تندكّ الجبال، فتُصبح سهلة.
- أنَّها تتوَّسع، وتتمدَّد، وتزداد.
- إخراج الأرض لما في بطنها، وذلك من قول الله -تعالى-: (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ)،[٧] وورد في تفسيرها معنيان:
- أنَّها تُخرج ما في بطنها من الكنوز، والأموال.
- أنَّها تُخرج ما في بطنها من الموتى والقبور.
أصناف الناس يوم القيامة
قبل أن يُصنِّف الله -تعالى- الناس، ويُبيّن منازلهم يوم القيامة، وصفهم وصفا عامّا بقوله: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)،[٨] ومن معاني هذه الآية؛ أي أنَّك ساعٍ، ومستمرٍّ في حياتك حتى تلاقي الله -تعالى- بالموت، ثمَّ القبر، ثمَّ البعث والنشور.
ثمَّ بعد ذلك يبدأ التصنيف، فينقسم الناس إلى قسمين: القسم الأول: الذي يأخذ كتابه بيمينه: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ)؛[٩] ومعنى الكتاب؛ صحيفة العمل، مكتوب فيها كُلّ ما عمله الإنسان طيلة عمره؛ من خير وشرّ، وأخْذ الصحيفة باليمين تكريمٌ من الله -تعالى- للمؤمنين؛ لأنَّ اليمين أشرف من الشِّمال، وشرف اليمين على الشِّمال معلومٌ بالفطرة والغريزة، فشرّف الله -تعالى- المؤمنين إذ جعل كتابهم باليمين.[١٠]
فإن أخْذ الكتاب باليمين، تترتب له أشياء، منها:[١١]
- (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا)؛[١٢] ومعنى الحساب اليسير؛ هو الحساب الذي لا مُناقشة فيه، ولا تدقيق، وإنَّما يكون فيه مُسامحة وتجاوز، عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: مَن حُوسِبَ عُذِّبَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلتُ أوَليسَ يقولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا)، فَقَالَ: إنَّما ذَلِكِ العَرْضُ، ولَكِنْ: مَن نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ).[١٣]
- (وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا)؛[١٤] ثمَّ يذهب إلى من دخل الجنَّة من أهله وعائلته وعشيرته، مسروراً مبتهجاً، وقيل: عشيرته وأهله، وهم إخوانه في الإيمان من أهل الجنّة، ويبدو أنَّه يذهب إلى هؤلاء وهؤلاء جميعاً.
القسم الثاني: الذي يأخذ كتابه من وراء ظهره: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ)،[١٥] لا يستطيع أخذ الكتاب باليمين؛ لأنّ يمينه مغلولة موثوقة، فيتلقَّى الكتاب بشماله من وراء ظهره، لا من قِبَل وجهه، وسبب أخذ الكتاب من وراء ظهورهم:
- لأنَّهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.
- لأنَّ الملائكة لا تحبُّ أن ترى وجوههم؛ فهي تُبغضهم؛ لأنَّ وجوههم قبيحة.
فإذا تسلَّم الكتاب بشماله، ومن وراء ظهره (فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا)؛[١٦] يدعو على نفسه بالثُّبور؛ وهو الموت والهلاك، يقول ثبوراه، فيكون الموت يومئذ أكبر أمانيه، ثمّ لا يحصل عليه.[١١]
أمَّا قوله -تعالى-: (إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا* إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ)،[١٧] هنا ذَكَر الله -تعالى- سببين لعذاب الكافر، وهما:[١٨]
- أنَّه كان مشغولاً بما يُلهيه، مُتَّبعاً لهواه ومتكبِّراً، هدفه جلب الفرح والسرور والابتهاج، دون أن يُفكر بما وراء هذه الدنيا من شقاء ونعيم.
- أنَّه عاش متْرفاً فرحاً؛ لأنَّه كان يعتقد أن لا رجوع إلى الله -تعالى- ولا لقاء.
الآيات التي أقسم الله بها
- أقسم الله -تعالى- بالشفق، قال الله -تعالى-: (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ)؛[١٩] وهو حُمرة الغروب؛ سُمِّيَ بالشفق لرقَّته، تقول: أشفقت على فلان؛ أيْ رقّ قلبي له.
- والليل وما وسق، قال الله -تعالى-: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ)؛[٢٠] معنى وسق جمع، لأنَّ الليل يَجمع الناس بعد انتشارهم في النهار.
- والقمر اذا اتّسق، قال الله -تعالى-: (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ)؛[٢١] أي تمَّ اتّساقه؛ وذلك بتمام نوره، ويكون ذلك في الأيام البيض.
وكُلّ هذا القسم من أجل يُؤكد للناس، أنَّهم سيركبون طبقاً عن طبق؛ قال -تعالى-: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ)،[٢٢] وفيها معنيان:[٢٣]
- لتصعدنَّ سماء بعد سماء؛ وذلك يوم البعث والنشور.
- أيْ لَيعلوَنَّ بعض الناس على بعضٍ في الرّتبة والقرب من الله -تعالى-.
تكذيب الكافرين وجزاؤهم
يُبيِّن الله -تعالى- حال الكافرين بسؤالٍ (فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)؛[٢٤] سؤال إنكار؛ يُنكر عليهم حالهم؛ وهو عدم الإيمان بالله -تعالى-، ثمّ يُبيِّن حالهم، فيقول: (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ)،[٢٥] وقوله: لا يسجدون، فيه معانٍ:
- تركوا الصلاة؛ فهم لا يُصلُّون.
- لا يَخضعون، ولا يَستجيبون.
- لا يخشعون.
وقوله -تعالى-: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ)؛[٢٦] أي بل الذين كفروا يُكذبون بالقرآن والبعث والنشور.[٢٧] وقوله -تعالى-: (وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ)؛[٢٨] أوعى؛ أي جمع، ومنها الوعاء؛ لأنَّه يُجمع به، وفي الآية معانٍ:[٢٩]
- الله أعلم بما يَجمعون ويضمرون في قلوبهم، من الكفر والتكذيب.
- وهو أعلم بما يجمعون في صحائفهم، من الأعمال التي تخفى على الناس، وقد كتبها الله -تعالى- لهم.
أمَّا قوله -تعالى-: (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)؛[٣٠] قوله: (فَبَشِّرْهُم)؛ البشارة تكون ممّا يسرّ، وهنا هي فيما يَضرّ، وهذا من التّهكم بهم؛ ليزدادوا بالتّهكم عذاباً، فأخبرهم يا محمد أنَّ لهم عذاباً أليماً، ثمَّ استثنى الله -تعالى- المؤمنين، فإنَّ الذين آمنوا إيماناً حقَّاً، وعملوا من الصالحات، فأجرهم في الآخرة عند الله غير ممنون،؛ أي غير مقطوع.[٣١]
ما يستفاد من سورة الانشقاق
يستفاد من سورة الانشقاق ما يأتي:[٣٢]
- أنّ الله -تعالى- قدّم من الأدلّة ما يكفي للدلالة على وجوده، ولا عذر لمن لا يؤمن بالله -تعالى-.
- أنَّ كلّ إنسان سيلاقي يوم القيامة ما قدَّم من عمل، والعاقل من يعمل لآخرته؛ ليفوز بالجنّة.
- أنَّ أهل الجنّة يعيشون بالجدِّ والاجتهاد في الدنيا؛ فيكون مصيرهم إلى نعيمٍ مقيم، أمّا أهل الشقاء الدائم يعيشون في الدنيا بالرَّخاء والتّفلُّتِ واتّباع الهوى، ثمَّ يكون مصيرهم إلى النار.
المراجع
- ↑ الماوردي، النكت والعيون، بيروت لبنان:دار الكتب العلمية ، صفحة 234-235، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ سورة الانشقاق، آية:1-2
- ↑ العليمي (1430)، فتح الرحمن في تفسير القرآن (الطبعة 1)، صفحة 319، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان، آية:25
- ↑ القرطبي (1384)، تفسير القرطبي (الطبعة 2)، القاهرة: دار الكتب المصرية ، صفحة 269، جزء 19. بتصرّف.
- ↑ سورة الحاقة، آية:16
- ↑ سورة الانشقاق، آية:4
- ↑ سورة الانشقاق، آية:6
- ↑ سورة الانشقاق، آية:7
- ↑ ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس:الدار التونسية للنشر ، صفحة 222، جزء 30. بتصرّف.
- ^ أ ب الآلوسي (1415)، روح المعاني، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 289، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ سورة الانشقاق، آية:8
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:103، صحيح.
- ↑ سورة الانشقاق، آية:9
- ↑ سورة الانشقاق، آية:10
- ↑ سورة الانشقاق، آية:11
- ↑ سورة الانشقاق، آية:13-14
- ↑ الزحيلي (1422)، التفسير الوسيط، دمشق:الفكر، صفحة 2847، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة الانشقاق، آية:16
- ↑ سورة الانشقاق، آية:17
- ↑ سورة الانشقاق، آية:18
- ↑ سورة الانشقاق ، آية:19
- ↑ البغوي (1417)، معالم التنزيل في تفسير القرآن (الطبعة 4)، صفحة 375، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ سورة الانشقاق، آية:20
- ↑ سورة الانشقاق، آية:21
- ↑ سورة الانشقاق، آية:21
- ↑ ابن الجوزي (1433)، زاد المسير في علم التفسير، بيروت:دار الكتاب العربي، صفحة 422، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ سورة الانشقاق، آية:22
- ↑ الزمخشري (1407)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (تفسير الزمخشري) (الطبعة 3)، بيروت: دار الكتاب العربي ، صفحة 728، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ سورة الانشقاق، آية:24-25
- ↑ الطنطاوي (1431)، التفسير الوسيط (الطبعة 1)، القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 339، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ د عبدالحليم عويس (8/12/2018)، "تفسير سورة الانشقاق للناشئين "، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 25/8/2021. بتصرّف.