شروط الإحرام لغير الحاج

كتابة:
شروط الإحرام لغير الحاج

شروط الإحرام لغير الحاج

إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد المسلم أداء الأضحية، فعندها يمسك عن الأخذ من شعره أو قص أظافره أو إزالة شيء من جلده، وذلك لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا دَخَلَتِ العَشْرُ، وأَرادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّيَ، فلا يَمَسَّ مِن شَعَرِهِ وبَشَرِهِ شيئًا).[١]

وقد تباينت آراء الفقهاء في حكم ذلك بين الوجوب والاستحباب والإباحة، وبيان ذلك فيما يأتي:[٢]

  • قال الشافعي إن الأمر في الحديث يحمل على الاستحباب لا الوجوب، لذا من أراد التضحية يستحب له أن يمسك عن الأخذ من شعره أو أظافره في العشر الأوائل من ذي الحجة، ويكره له الأخذ منهما.
  • قال أحمد إن الأمر في الحديث محمول على الوجوب؛ لذا يحرم على المضحي أخذ شيء من شعره أو أظافره في العشر الأوائل من ذي الحجة.
  • قال أبو حنيفة ومالك إنَّ ترك أخذ الشعر والأظافر ليس بواجب وليس بمستحب؛ لأن المضحي لا يحرم عليه الطيب واللباس مثل الحاج، لذا فلا يحرم عليه أخذ شعره أو أظافره أيضاً.

وفي كل الأحول سواءً أمسك المضحى عند الأخذ من شعره وأظافره أم لم يمسك، لا يسمى هذا بالإحرام؛ لأن الإحرام مرتبط بنسكيّ الحج والعمرة، ولا إحرام بدونهما، والمحرم هو الحاج أو المعتمر الذي يلبس لباس الإحرام وينوي الدخول في النسك ويحرم عليه الصيد والطيب والجماع، بينما يعد كل ذلك مباحاً لمن أراد التضحية، لكنه يتشابه مع الحاج أو المعتمر في الكف عن الأخذ من الشعر والأظافر.[٣]

شروط الإحرام للحاج

اشترط الفُقهاء لِصحة الإحرام الإسلام والنيّة، وأضاف الحنفيّة شرط التلبية أو أي شيءٍ يقوم مقامها، وفيما يأتي تفصيل ذلك:

  • النيّة:

اتّفق الفُقهاء على عدم اشتراط تعيين النيّة في حال الفرض، بحيث إنّه لو أطلق النيّةَ دون أن يقول أنّه فرض ولم يكُن قد حجّ قبل ذلك، فإنه يقع عن حجّ الفريضة اتّفاقاً، أمّا لو لم يكن قد حجّ الفرض ونوى نافلةً، فإنّه يقع عمّا نواه، وهذا عند المالكيّة والحنفيّة.[٤]

وذهب الشافعيّة والحنابلة إلى أنّ مَن أحرم بحجِ تطوعٍ أو نذر ولكنه لم يحجّ قبل ذلك، فإنه يقع عن حجّ الفرض، وزادوا على ذلك أنّ من حجّ عن غيره ولم يكن حاجّاً عن نفْسِه، فإنها تُعتبر حَجّةٌ عن نفْسِه، ويَرجع بالمال على صاحبه، واستدلوا بحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سمعَ رجلاً يقولُ: لبَّيْكَ عن شُبرمة. قالَ: مَن شُبرمةَ؟ قالَ: أخٌ لي أو قريبٌ لي. قالَ: حججتَ عن نفسِكَ؟ قالَ: لا. قالَ: حجَّ عن نفسِكَ ثمَّ حجَّ عن شُبرمةَ).[٥][٤]

واستدل الحنفيّة على شرط النّية، بقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)،[٦] ولا يُشترط عندهم التعيين فيها، لكنّه يعيّن قبل بدء الطواف، وإن لم يُكمل حجّه قبل التعيين بسبب الإحصار أو فَسد قبل القيامِ به تنصرف النّية للعُمرة، ولا ينصرف للحجّ إلا في حال تعيينه أو البدء بالمناسك.[٧]

وفي حال إطلاق النيّة فإنها تُصرف للفرض، وإن عَيّن النيّة للنفل فإنها تكون للنفل، باستثناء رأي مُحمدٍ من الحنفيّة حيث قال: "إن كانت النّية للنفل ولم يكن قد أدّى الفريضة فإن النّية تُصرف للفريضة"، وعليه فيكون الحجّ عن الغير قبل الحج عن النفس عند الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف جائزاً.[٧]

واستحبّوا التلفّظ بالنيّة، كقول: "نويت الحجّ وأحرمت به لله تعالى"، واشترطوا التلبية كذلك، وتكون مُقارِنةً للنية في المرة الأُولى، كما أنّ التلفّظ بالنية عند الحنفية يكون باللسان، وأمّا الأخرس فيُحرّكُ بها لسانَه، وتجوز بأيّ لغةٍ كانت ولا يُشترط بالعربيّة، ويُشترط في التلبية أن تكون بالصيغة التالية: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، ويَحرم عندهم إنقاصُ شيءٍ منها.[٧]

وذهب الحنابلة إلى أنّ النيّة شرط صحّةٍ لِتحقّق الإحرام، وتبدأ عند الدُخول في المناسك، ولا يُكتفَى بمجرّد لبس الإحرام أو التلبية، بل لا بدّ من نيّة دخول النّسك للحجّ.[٨]

  • الإسلام:

اشترط الفُقهاء في حجة الفريضة أو النفل أو الحجّ عن الغير الإسلام، فلا يجوز الإحرام من غير المسلم.

  • التمييز:

يُشترط لصحّة الحجّ كذلك التمييز، وفي حال حج الصبيّ المُمِيز، فإن حجّه صحيحٌ عند الجُمهور، بخلاف المالكيّة الذين يَرون التمييز من شروط صحة الإحرام، وليس من شروط صحة الحج.[٩]

واجبات الإحرام

إنّ للإحرام ثلاثةٌ من الواجبات، وفي ما يأتي بيان ذلك:[١٠][١١]

  • الإحرام من الميقات:

ويكون من الميقات الذي حدّده الشّرع، ولا يجوز تجاوزه من غير إحرام للحاجّ أو المعتمر، ويكون للرجال والنّساء، وهو من الأُمور التعبُّديّة التي شرعها الإسلام، ويدُل على إقبال المُسلم على بيت الله الحرام، وهو أقدسُ البقاع وأطهرها، ويكون من باب التهيُّؤ لاستحضار تلك العَظَمة، وبيانُ أهميةِ فريضة الحجّ، ومَنْ تَجاوز الميقات من غير إحرامٍ؛ فعليه أن يرجع ويُحرم منه، وإن أحرم بعده فيجب عليه دمٌ وفدية.

  • التجرّد من المَخيط:

ويكون للرجال فقط؛ فلا يَلْبِس الثوب أو القميص أو العمامة أو الخُفّ، ويَلبس إزاراً ورداءً أبيضين؛ اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وأمّا المرأة فلا تنتقب ولا تلبس القُفّازين.

  • التلبية:

التلبية في الحج واجب عند مَن اشترطها، وهي قول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، ويبدأ الحاج أو المُعتمر بها عند البدء بالإحرام وهو عند الميقات، ويُسنّ تكرارُها ورفع الصوت بها للرجال، ويتوقف الحاج عن التلبية عند البدء بالطواف، وفي الحجّ عند رمي جمرة العقبة.

سُنن الإحرام

إنّ للإحرام العديد من السُنن، وهي كما يأتي:[١٢][١٣]

  • الغُسل؛ لفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد روى الصحابة الكرام عنه غُسله عند إحرامه، ويكون كذلك للمرأة الحائض أو النفساء.
  • التطيّب في البدن قبل الإحرام؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، ولِحِلِّهِ قَبْلَ أنْ يَطُوفَ بالبَيْتِ).[١٤]
  • الإحرام في إزار ورداء أبيضين؛ لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: (البَسوا مِن ثيابِكُم البياضَ، فإنَّها من خيرِ ثيابِكُم، وكفِّنوا فيها مَوتاكُم)،[١٥] وأمّا المرأة فتُحرم بما شاءت من الثياب بشرط عدم الزينة.
  • الصلاة في وادي العقيق لمن يمر به؛ لحديث عُمر: (سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوَادِي العَقِيقِ يقولُ: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِن رَبِّي، فَقالَ: صَلِّ في هذا الوَادِي المُبَارَكِ، وقُلْ: عُمْرَةً في حَجَّةٍ).[١٦]
  • رفع الصوت في التلبية؛ فقد جاء جبريل -عليه السلام- وقال للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن يأمر أصحابه برفع أصواتهم في التلبية، وأمّا المرأة فلا ترفع صوتها في حضرة الرجال.
  • التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإحرام؛ لفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-: (صَلَّى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونَحْنُ معهُ بالمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، والعَصْرَ بذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بهَا حتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حتَّى اسْتَوَتْ به علَى البَيْدَاءِ، حَمِدَ اللَّهَ وسَبَّحَ وكَبَّرَ، ثُمَّ أَهَلَّ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ).[١٧]
  • الإحرام مُستقبلاً القبلة؛ لفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.

المراجع

  1. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أم سلمة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1977 ، صحيح.
  2. "حكم حلق المضحي شعره في العشر الأول من ذي الحجة"، إسلام ويب، 6/12/2009، اطّلع عليه بتاريخ 31/5/2022. بتصرّف.
  3. "ما الذي يمتنع عنه من أراد أن يضحي؟"، الإسلام سؤال وجواب، 9/12/2007، اطّلع عليه بتاريخ 31/5/2022. بتصرّف.
  4. ^ أ ب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 130-131، جزء 2. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1811، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1، صحيح.
  7. ^ أ ب ت نجاح الحلبي، فقه العبادات على المذهب الحنفي، صفحة 181. بتصرّف.
  8. أحمد بن محمد بن حسن بن إبراهيم الخليل، شرح زاد المستقنع، صفحة 70، جزء 3. بتصرّف.
  9. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت - لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 576، جزء 1. بتصرّف.
  10. صالح بن غانم بن عبد الله بن سليمان بن علي السدلان (1425 هـ)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 83-84. بتصرّف.
  11. علي بن عمر بن أحمد بادحدح، دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح، صفحة 6، جزء 66. بتصرّف.
  12. عبد العظيم بن بدوي بن محمد (2001)، الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز (الطبعة الثالثة)، مصر: دار ابن رجب، صفحة 247-248. بتصرّف.
  13. محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيت الأفكار الدولية، صفحة 252-253، جزء 3. بتصرّف.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1539، صحيح.
  15. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1236، صحيح.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1534، صحيح.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1551، أورده في صحيحه.
4843 مشاهدة
للأعلى للسفل
×