محتويات
الخنساء
الخنساء واحدةٌ من أعظم الشاعرات في الجاهليّة والإسلام، تفوقت على العديد من الشعراء في زمانها حتى قال عنها النابغة الذبياني: إنّها أشعَرُ الجنّ والإنس، واسمها تماضر بنت عمرو بن حرب السُّلمية وكنيتها أم عمروٍ، عاشت قرابة السبعين عامًا حتى أدركت الإسلام، وأسلمت وحَسُن إسلامها، وكانت في جاهليتها تقول الشعرَ نزرًا يسيرًا حتى مات أخوها صخر فتدفّق الشعر على لسانها بقصائد رثاءٍ خُلدت في أمهات كتب الأدب والشعر، تزوجت الخنساء في الجاهلية مرتين ورُزقت بعددٍ من الأبناء الذكور الذين كانت لها معهم موقفٌ سُجل بمدادٍ من ذهب في كتب السِّير والأعلام.
لماذا سميت الخنساء بهذا الاسم
الخنساء هو لقب الصحابيّة الجليلة تماضر بنت عمروٍ، ولُقبت بهذا اللقب وهو مأخوذٌ من الخَنَس وهي صفةٌ تُطلق على الظباء والبقر الوحشيّ في إيماءةٍ إلى الجمال والمقصود بها قِصر امتداد الأنف ورجوعه إلى الخلف باتجاه عظمتيْ الخديْن مع ارتفاعٍ قليلٍ في أرنبة الأنف، وبعد ذلك تحول هذا الوصف إلى اسمٍ أطلقه العرب على بناتهم. [١]
شعر الخنساء في الإسلام
وَفَدَت الخنساء على النبي -صلى الله عليه وسلم- مع قومها بني سُليم في السنة الثامنة من الهجرة، فأسلمت وهي في سنٍّ متقدمةٍ وتغلغل الإسلام في قلبها؛ فتحول شعرها من الرثاء والبكاء إلى شعر المنافحة عن الإسلام والمسلمين وعن الرسول الكريم الذي كان يستشعرها وييطلب منها إلقاء شعرها على مسمعه ويقول لها: هيه يا خنساء في إشارةٍ إلى إعجابه بشعرها لفظًا وفصاحةً، وقد تأثرت الخنساء بلغة القرآن الكريم في أشعارها بعد الإسلام، فاستعارت بعض الألفاظ من القرآن حرفيًّا كقولها في قصيدة ألا ما لعينك أم ما لها:
فَخَرَّ الشَوامِخُ مِن قَتلِهِ وَزُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزالَها
كما قالت في القصيدة نفسها:
فَإِن تَصبِرِ النَفسُ تُلقَ السُرورَ وَإِن تَجزَعِ النَفسُ أَشقى لَها
وفي أواخر أيّامِها وَفدَت الخنساء على عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وكانت ما زالت تبكي أخَوَيْها صخرًا ومعاوية، فطلب أقاربها من عمر بن الخطاب أن ينهاها عن ذلك بعد أن بلغ منها البكاء وأثره على مآقيها مبلغ، فقال لها عمر: اتّقي الله وأيقِني بالموت، فأجابته أنها موقنةٌ بالموت ولكنها تبكي سادة مُضر بسبب موتهم على الشِّرك وهو ما وضّحه ابن قتيبة -رحمه الله- حين قال: "قالت الخنساء: كنت أبكي لصخر من القتل، فأنا أبكي له اليوم من النار" وهذا دليلٌ على عظمتها ورأفتها بأخويها وفي الوقت ذاته تغلغلِ الإسلام وتمكنه من قلبها جعلها مدركة لخواتيم العباد والجزاء في الآخرة بناءً على ما قدّموه لأنفسهم في الحياة الدنيا. [٢][٣][٤]
شعر الخنساء في رثاء أبنائها
ضربت الخنساء المثل في أمومتها وحنانها وصبرها على مصابها الجلل حين قدمت أبناءها الأربعة -عمرة وعمرو ومعاوية ويزيد أبناء مرداس- شهداء في معركة القادسية، فكانت ردة فعلها الصبر واحتسابهم عند الله تعالى واكتفت بقول: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته" بعد أن كان لها الدور الفاعل في تحريضهم على القتال والاستبسال في الدفاع عن راية الحق والإسلام في وصيتها المشهورة لهم قُبيل بدء المعركة والتي قالت فيها: "يا بَني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبَنُو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خُنْتُ أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هَجَّنْتُ حسبكم، ولا غَبَّرْتُ نَسَبَكم. وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"[٥]، فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين، فاغْدُوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمَّرَتْ عن ساقها، واضطرمت لظًى على سياقها، وجللت نارًا على أرواقها، فتيمموا وَطِيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها، تظفروا بالغُنم والكرامة، في دار الخلد والمُقامة".
وهي ذاتها التي ملأت الكون شِعرًا وبكاءً ورثاءً على فِراق أخويها، لكن الخنساء المرأة المسلمة التي تهذّبت بتعاليم الإسلام مختلفةٌ تمامًا عن الخنساء الجاهلية، ولم يرد في كتب الأدب والشعر قول الخنساء لأي رثاءٍ في أبنائها الشهداء سوى مقولتها السابقة والتي تحتسبهم فيها عند الله وتتمنى لقائهم في الجنة. [٢][٦]
المراجع
- ↑ الخنساء،, "www.marefa.org"، اطُّلع عليه بتاريخ 01-11-2018، بتصرف
- ^ أ ب بكاء الخنساء بين الجاهلية والإسلام،, "www.alukah.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 01-11-2018، بتصرف
- ↑ ألا ما لعينك أم ما لها،, "www.aldiwan.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 01-11-2018، بتصرف
- ↑ نبذة حول: الخنساء،, "www.adab.com"، اطُّلع عليه بتاريخ 09-11-2018، بتصرف
- ↑ {آل عمران: الآية 200}
- ↑ من روائع وصايا الأمهات (4)،, "www.alukah.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 02-11-2018، بتصرف