محتويات
عوامل ظهور شعر الزهد في العصر الأموي
من العوامل التي ساعدت على ظهور شعر الزهد في العصر الأموي ما يأتي:
الحياة الدينية
فقد حثت الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على الزهد في الدنيا، وقد أثر قرب الفترة الزمنية لصحابة الرسول، والذين كانوا الجيل الأول من الزهاد، الأثر في تقبل الناس لأفكار الزهد، حيث كان التابعون ملتزمين بالأثر المنقول لهم من الصحابة، وقد تناقلوا تطبيق أفكار الزهد، وكذلك كان الأمر فيمن تبعهم.[١]
الأوضاع السياسية
شهد العصر الأموي وما سبقه من أحداث عصفت بالأمة الإسلامية، إلى نشوء ظاهرة الانعزال عن الحياة والزهد فيها، فقد كان لحادثة مقتل عثمان بن عفان والأحداث المتلاحقة في خلافة علي بن أبي طالب، مثل معركتي صفين والنهروان، الأثر في تخبط المسلمين بين الفئات المتقاتلة، وقد اعتكف كثيرون في العبادة، وتركوا الأمور الدنيوية.[٢]
الحضارات القديمة
يرى بعض المفكرين، أن الزهد وصل إلى العرب من الحضارات القديمة، حيث أدت الفتوحات الإسلامية إلى تعرف العرب على حضارات أجنبية كثيرة، وقد أدى هذا إلى تأثر العرب بفكرة الزهد التي وجدت عند الرهبان، أو عند بعض الديانات الأخرى في بلاد فارس والهند، كما يرى البعض أن الاتجاه الفلسفي أثر في مفهوم الزهد عند العرب[٣]
مواضيع شعر الزهد في العصر الأموي
من المواضيع التي طرحها شعر الزهد في العصر الأموي ما يأتي:
تحقير الدنيا وسرعة زوالها
وقد دخل أرطأة بن زفر على مجلس عبد الملك بن مروان وأنشده هذه الأبيات في الزهد:[٤]
رأيت المرء تأكله الليالي
- كأكل الأرض ساقِطَةُ الحديد
وما تبغي المنية حين تأتي
- على نفس ابن آدم من مزيد
واعلم أنها سَتكرُ حتى
- توفي نذرها بأبي الوليد
وصف علي بن الحسين، الذي يغتر بالدنيا وملذاتها، بصاحب التجارة الخاسرة، وهو في هذا يستعمل التشبيه القرآني، وقال في هذا المعنى:[٥]
وأنت على الدنيا مُكبٌ منافسٌ
- لخاطبها فيها حريص مكاثرُ
على خطرٍ تُمسي وتُصبح لاهباً
- أتدري بماذا لو عقلت تُخاطر
إن أمرءاً يسعى لدنياه دائباً
- ويذهلُ عن أُخراه لا شك خاسرٌ
التوكل
حث شعر الزهد الناس على اجتناب طلب الرزق بأشكال مشبوهة، وفي هذا يقول عروة بن أذينة:[٦]
لا خير في طمعٍ يدني لمنقصةٍ
- وغبرٌ من كِفاف العيش يكفيني
لا أركب الأمر تُزري بي عواقبه
- ولا يعاب به عرضي ولا ديني
كم من فقير غني النفس تعرفه
- ومن غنيٍ فقير النفس مسكين
وجاء في أشعار ليلى الأخيلية، بمعنى التوكل والتسليم بالقضاء والقدر قولها:[٧]
فلا تُكذب بوعد الله وأرضَ به
- ولا توكل على شيءٍ بإشفاق
ولا تقولن لشيء سوف أفعله
- فقد قدر الله ما كل أمرئ لاقٍ
التذكير بالآخرة
وقد قال الفرزدق متخوفاً من ما سيجري عليه وعلى أهله من أبناء دارم، إن لم يحسنوا العمل في الدنيا، ومحذراً من عذاب القبر، وما بعده من حساب:[٨]
لَقد خابَ مِن أولاد دارِمَ من مشى
- إِلى النار مَشدودَ الخِناقَةِ أَزرقا
إِذا جاءَني يَومَ القِيامَةِ قائِدٌ
- عنيفٌ وسَواقٌ يَسوقُ الفَرَزدَقا
أَخافُ وراءَ القبر إن لَم يُعافِني
- أَشَدَّ مِنَ القَبرِ اِلتهاباً وأَضيَقا
إِذا شَرِبوا فيها الصَديدَ رأَيتهُم
- يَذوبونَ مِن حَر الصَديدِ تمزُّقا
الاتعاظ بالأقوام السابقة
وقد تدارس الشعراء في العصر الأموي حياة الأمم السابقة ووقفوا على أطلالها، وهم بعد ذلك يزداد زهدهم في الحياة، وقد أنشد علي بن الحسين في هذا:[٩]
أمسوا رميماً في التراب وعُطلت
- مجالسهم منهم وأخلى مقاصر
وحلو بدار لا تزاور بينهم
- وأنى لسكان القبور التزاور
فما أن ترى قبوراً قد ثووا بها
- مسطحةً تَسفي عليها الأعاصرُ
وقد أنشد الأحوص الأنصاري متعظاً بالأقوام السابقة ومنهم عاد وإرم، ذاكراً فكرة الخلود والموت:[١٠]
من يأمن الدهر ويرجو الخلود به
- بعد الذين مضوا في سالف الأمم
ليس أمرؤ كان عيشٌ يُسر به
- يوماً بأخلد من عاد ومن إرم
يهوى الخلود وقد خُطت منيته
- ولا مردَ لأمر خُط بالقلمِ
بادوا وآثارهم في الأرض باقيةٌ
- تِلكُم معالمهم في الناس لم تَرِمِ
أشهر شعراء الزهد في العصر الأموي
ومن شعراء الزهد في العصر الأموي:
سابق البربري
وهو أبو المهاجر الرِقِّي، من أهل الرِّقة، وقد روى عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن، ومكحول، وعبدالله بن سعيد، وغيره من العلماء، وروى عنه الإمام الأوزاعي، وشجاع السكوني، وموسى بن أعين، وكان سابقاً كثيراً ما يترددُ على مجلس عمر بن عبد العزيز ويعظه،[١١] وقد أرسل أبياتاً لعمر بن عبدالعزيز يعِظُهُ بها فقال:[١٢]
إن كنت تعلم ما تأتي وما تَذر
- فكن على حذر قد ينفعُ الحذر
واصبر على القدر المجلوب وأرض به
- وإن أتالك بما لا يتشهي القدر
فما صفي عيش لإمرئٍ عيش يسر به
- إلا سيتبع يوماً صفوه الكَدرُ
وقال سابق البربري في أبيات له، مخاطباً الإنسان متى ينتهي من لَهوهِ في الدنيا، ومن جمع المال فيها:[١٣]
فحتى متى تلهو بمنزل باطلٍ
- كأنك فيها ثابت الأصل قاطن
وتجمع ما لا تأكل الدهر دائباً
- كأنك في الدنيا لغيرك خازنٌ
وقد أنشد سابق البربري قصيدةً يذكُر بها التوكل والقناعة، وما يؤول إليه الأمر بعد جمع الأموال، حيث قال:[١٤]
والله ما قنعت نفسي بما رُزقت
- من المعيشة إلا سوف يكفيها
أموالنا لذي االميراث نجمعها
- ودورنا لخراب الدهر نبنيها
قِس بالتجارب أحداث الزمان كما
- تقيس نعلاً بنعلٍ حين تحذيها
والله ما غَبَرت في الأرض ناظرةٌ
- إلا ومُر الليالي سوف يفنيها
أبو الأسود الدؤلي
وهو ظالم بن عمرو، ولد في حياة الرسول، ويُعد من كبار التابعين، وأول من وضع علم النحو والنقاط في اللغة العربية، وقد حدَثَ عن علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وغيرهم من كبار الصحابة، ولأبي الأسود أبيات كثيرة في الزهد،[١٥] فقد قال أبياتاً في التوكل والرضاء بالقضاء والقدر:[١٦]
فإني ملاقٍ ما قضى الله إنني
- مُلاقٍ فلا تجعل لك العلم كالجهل
فإنك لا تدري إن كنت مشفقاً
- عليَ أبعدي ما تحاذرأم قبلي
وكائنٌ ترى من حاذرٍ متحفظٍ
أصيب وألفته المنية في الأهل
المراجع
- ↑ احمد راضي رواجبة، شعر الزهد في العصر الاموي، صفحة 46. بتصرّف.
- ↑ سراج الدين محمد، الزهد في الشعر العربي، صفحة 6. بتصرّف.
- ↑ محمد مصطفى هدارة، اتجاهات الشعر العربي، صفحة 284. بتصرّف.
- ↑ "أرطأة بن سهية رأيت المرء تأكله الليالي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/2/2022.
- ↑ "علي بن الحسين فهم في بطون الأرض بعد ظهورها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/2/2022.
- ↑ "عروة بن أذينة » لقد علمت وما الإسراف من خلقي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/2/2022.
- ↑ "ليلى الأخليلية » أبعد عثمان ترجو الخير أمته"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/2/2022.
- ↑ "الفرزدق لقد خاب من أولاد دارم من مشى"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/2/2022.
- ↑ "علي بن الحسين » فهم في بطون الأرض بعد ظهورها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/2/2022.
- ↑ "الأحوص الأنصاري الدهر إن سر يوما لا قوام له"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/2/2022.
- ↑ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، صفحة 3. بتصرّف.
- ↑ "سابق البربري باسم الذي أنزلت من عنده السور"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/2/2022.
- ↑ شوقي ضيف، العصر الاسلامي، صفحة 375.
- ↑ "سابق البربري » النفس تكلف بالدنيا وقد علمت"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/2/2022.
- ↑ محمد بن احمد الذهبي، سير اعلام النبلاء، صفحة 81. بتصرّف.
- ↑ "أبو الأسود الدؤلي » إذا كنت معنيا بأمر تريده"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/2/2022.