شعر الزهد والتصوف في العصر العباسي الثاني

كتابة:
شعر الزهد والتصوف في العصر العباسي الثاني


شعر الزهد والتصوف في العصر العباسي الثاني

برز التيار الصوفي واكتمل وتبلور في العصر العباسي الثاني، وشاع الكثير من الشعراء الذين نظموا قصائد تدعو إلى الزهد، وتحضّ على التفرغ لعبادة الله، وقد كان شعر الزهد قاعدة لانطلاق شعر التصوف لديهم، فلم تخل نصوص الشعر الصوفي من عناصر الزهد، وبالتالي يصعب الفصل بين شعر الزهد وشعر التصوف لأنهما قائمان على أساس واحد.[١]


وفيما يلي أبرز القصائد التي تتناول الزهد والتصوف في العصر العباسي الثاني:


قصيدة لبيك يا سري ويا نجوائي

قال الشاعر الحلاج في قصيدته:[٢]

لَبَّيكَ لَبَيكَ يا سِرّي وَنَجوائي

لَبَّيكَ لَبَّيكََ يا قَصدي وَمَعنائي

أَدعوكَ بَل أَنتَ تَدعوني إِلَيكَ فَهَل

نادَيتُ إِيّاكَ أَم نادَيتَ إِيّائي

يا عَينَ عَينِ وَجودي يا مدى هِمَمي

يا مَنطِقي وَعَبارَتي وَإيمائي

يا كُلَّ كُلّي وَيا سَمعي وَيا بَصَري

يا جُملَتي وَتَباعيضي وَأَجزائي

يا كُلَّ كُلّي وَكُلُّ الكُلِّ مُلتَبِسٌ

وَكُلُّ كُلِّكَ مَلبوسٌ بِمَعنائي

يا مَن بِهِ عَلِقَت روحي فَقَد تَلِفَت

وَجداً فَصِرتُ رَهيناً تَحتَ أَهوائي

أَبكي عَلى شَجَني مِن فُرقَتي وَطَني

طَوعاً وَيُسعِدُني بِالنَوحِ أَعدائي

أَدنو فَيُبعِدُني خَوفي فَيُقلِقُني

شَوقٌ تَمَكَّنَ في مَكنونِ أَحشائي

فَكَيفَ أَصنَعُ في حُبٍّ كُلِّفتُ بِهِ

مَولايَ قَد مَلَّ مِن سُقمي أَطِبّائي

قالوا تَداوَ بِهِ فَقُلتُ لَهُم

يا قَومُ هَل يَتَداوى الداءُ بِالدائي

حُبّي لِمَولايَ أَضناني وَأَسقَمَني

فَكَيفَ أَشكو إِلى مَولايَ مَولائي

إِنّي لَأَرمُقُهُ وَالقَلبُ يَعرِفُهُ

فَما يُتَرجِمُ عَنهُ غَيرُ إيمائي

يا وَيحَ روحي وَمِن روحي فَوا أَسفي

عَلَيَّ مِنّي فَإِنّي أَصِلُ بَلوائي

كَأَنَّني غَرِقٌ تَبدوا أَنامِلَهُ

تَغَوُّثاً وَهوَ في بَحرٍ مِنَ الماءِ

وَلَيسَ يَعلَمُ ما لاقَيتُ مِن أَحَدٍ

إِلّا الَّذي حَلَّ مِنّي في سُوَيدائي

ذاكَ العَليمُ بِما لاقَيتُ مِن دَنَفٍ

وَفي مَشيئَتِهِ مَوتي وَإِحيائي

يا غايَةَ السُؤلِ وَالمَأمولِ يا سَكَني

يا عَيشَ روحِيَ يا ديني وَدُنيائي

قُلي فَدَيتُكَ يا سَمعي وَيا بَصَري

لِم ذي اللُجاجَةُ في بُعدي وَإِقصائي

إِن كُنتَ بالغَيبِ عَن عَينَيَّ مُحتَجِباً

فَالقَلبُ يَرعاكَ في الإِبعادِ وَالنائي


قصيدة كأن رقيبًا منك يرعى خواطري

قال الشاعر أبو بكر الشبلي:[٣]

كأن رقيباً منك يرعَى خواطري

وآخر يرعى ناظري ولساني

فما رمقت عيناي بعدك منظرا

لغيرك إِلا قلتُ قد رمقاني

ولا بدرت من فِيَّ دونك لفظةٌ

بغيرك إِلا قلتُ قد سَمِعاني

إذا ما تسلَّى العاذرون عن الهوى

بشُرب مُدامٍ أو سماع قيان

وجدتُ الذي يُسلي سواي يشوقُني

إِلى قُربكِم حتى أمَلَّ مكاني

ولا خَطَرت في السر منيَ خطرةٌ

لغيرك إِلا عَرَّجا بعِناني

وإخوانِ صِدقٍ قد سئمتُ حَديثَهم

وأمسكتُ عنهم ناظري ولساني

وما الزهدُ أسلى عنهم غير أنّني

وجدتُك مشهودي بكل مكان


قصيدة يا سيدي أنت إن لي خبرا

قال الشاعر ابن سكرة:[٤]

يا سيدي أنت إن لي خبراً

أجرى لساني وصلب الحدقهْ

هاك حديثي فإن نشطت له

فاسمع وإلا فخرق الورقهْ

مستأنس زارني وحسبك بال

ببغاء ضيفاً ذا فقحةٍ شبقه

باكرني جائعاً فهتكني

ومص مني دمي ولا علقه

وهو على البخت ناقة فمتى

قدمت ثوراً بفرثه شرقه

لم يبق في روح برمتي رمقاً

أتى على اللحم واحتسى المرقه

وعاث في سفرتي كمشبلةٍ

غرثى بتلك الأنامل اللبقه

قلعاً وبلعاً بلا مراقبةٍ

لله في عيلتي ولا شفقه

قل للرئيس الذي أنامله

مبسوطةٌ بالنوال منخرقه

حلت لي الميتة التي حُرمتْ

فكيف تنبو نفسي عن الصدقه


قصيدة كم دمعة فيك لي ما كنت أجريها

قال الشاعر الحلاج:[٥]

كَم دَمعَةٍ فيكَ لي ما كُنتُ أُجريها

وَلَيلَةٍ لَستُ أَفنى فيكَ أَفنيها

لَم أُسلِمِ النَفسَ لِلأَسقامِ تُتلِفُها

إِلّا لِعِلمي بِأَنَّ الوَصلَ يُحييها

وَنَظرةٌ مِنكَ يا سُؤلي وَيا أَمَلي

أَشهى إِلَيَّ مِنَ الدُنيا وَما فيها

نَفسُ المُحِبِّ عَلى الآلامِ صابِرَةٌ

لَعَلَّ مُسقِمَها يَوماً يُداويها

اللَهُ يَعلمُ ما في النَفسِ جارِحَةٌ

إِلّا وَذِكرُكَ فيها قَبلَ ما فيها

وَلا تَنَفَّستُ إِلّا كُنتَ في نَفَسي

تَجري بِكَ الروحُ مِنّي في مَجاريها

إِن كُنتُ أَضمَرتُ غَدراً أَو هَمَمتُ بِهِ

يَوماً فَلا بَلَغَت روحي أَمانيها

أَو كانَت العَينُ مُذ فارَقَتكُم نَظَرَت

شَيئاً سِواكُم فَخانَتها أَمانيها

أَو كانَت النَفسُ تَدعوني إِلى سَكَنٍ

سِواكَ فَاِحتَكَمَت فيها أَعاديها

حاشا فَأَنتَ مَحَلُّ النورِ مِن بَصَري

تَجري بِكَ النَفسُ مِنها في مَجاريها


قصيدة ذكرتك لا أني نسيتك لمحة

قال الشاعر أبو بكر الشبلي في قصيدته:[٦]

ذكرتك لا أنّي نسِيتُكَ لمحةً

وأيسَرُ ما في الذكرِ ذكرُ لساني

وكِدتُ بلا وَجدٍ أموتُ من الهوى

وهام عليَّ القلبُ بالخفقانِ

فلما أراني الوجدُ أنَّكَ حاضري

شَهِدتُكَ موجوداً بكل مكانِ

فخاطبتُ موجوداً بغير تكلم

ولاحظت معلوما بغيرِ عيانِ

المراجع

  1. زركوك سميرة، البنى الأسلوبية في زهديات ابي العتاهية، صفحة 12-13. بتصرّف.
  2. "لبيك يا سري"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 6/2/2022.
  3. "كأن رقيبا منك يرعى "، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 6/2/2022.
  4. "يا سيدي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 6/2/2022.
  5. "كم دمعة فيك"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 6/2/2022.
  6. "ذكرتك لا أني"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 6/2/2022.
5484 مشاهدة
للأعلى للسفل
×